أسرار التمويل الأجنبي للمجتمع المدني السوداني
على خلفية ما أثير في فبراير الماضي حول مبالغ قدمتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID لتمويل أنشطة منظمات المجتمع المدني في السودان ، وما نقل على لسان نائبة مدير الوكالة ايزوبيل كولمان عن تقديم مبلغ 100 مليون دولار لدعم تلك المنظمات في مجالات الاعلام وورش التدريب ورصد انتهاكات القوات الأمنية ، فإن دفوعات معظم الناشطين وقتها تركزت حول أن الوكالة لم تصرف هذا المبلغ وإنما تنوي صرفه لدعم هذه الأنشطة ، وهي دفوعات لا تنفي دعم المنظمات الأمريكية والغربية بشكل عام لكنها تنحني لعاصفة الهجوم الإعلامي المضاد بنفي وصول هذه الأموال لخزائنها حتى ذلك الوقت على الأقل ، ماتت القضية في زمنها وضاع خيط التتبع للفساد الذي أتسمت به لكنها ما زالت حاضرة في دفتر الولاء لهذا الوطن وشعبه ، ولتسليط الضو على هذا (الغول) نحتاج لمزيد من (الكشافات) حول قضايا التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني في السودان .
بدأ تسيد منظمات المجتمع المدني المرتبطة بمنظمات أجنبية للمشهد في السودان في العام 2013 في أعقاب أحداث سبتمبر ، فكان شركاء المنظمات المحلية من الأجانب يرعون النشاط المناوئ للحكومة بين الشباب والمثقفين من شعراء وفنانين وصحفيين ، ويقدمون الدعم لتلك المنظمات التي تعمل تحت لافتات حقوقية وثقافية ومجتمعية ، وقد تمثل الدعم في شكل منح دراسية للخارج وورش تدريبية بدول عربية وأفريقية ورعاية للأنشطة الفنية والثقافية وصرف مباشر للتأسيس وإيجار مقار العمل ، ومن بين المراكز الأجنبية التي لديها شراكات مع منظمات مجتمع مدني محلية معارضة للحكومة ، مؤسسة فريدريش ايبرت ، مؤسسة ماكس بلانك للسلام الدولي ، الوكالة السويدية ، الوكالة الامريكية للتنمية الدولية USAID ، والصندوق الوطني للديمقراطية ، ومنظمة المجتمع المفتوح ، والثلاث وكالات الأخيرة هي ما نحن بصدد الحديث عن ارتباطاتها بدعم منظمات المجتمع المدني ذات التوجهات (الأمريكية) في السودان .
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المعروفة أيضا بإسم (المعونة الأمريكية) تعود علاقتها بالسودان للعام 1958 ، وقدمت في فترة ما بعد سقوط نظام البشير أموالا مقدرة في مجالات إنسانية وتنموية في مناطق النزاع في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ، وفي العام 2020 قدمت الوكالة مبلغ 20 مليون دولار لمنظمات عاملة في مجال دعم التحول الديمقراطي بينها منظمات نسوية ، وقد ذكرت ايزوبيل كولمان في ردها على لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس دعما مباشرا للنساء حتى في مصاريفهن اليومية، كما ذكرت تمويل الوكالة لإنشاء مركز إعلامي لدعم النساء رجح عدد من الناشطين أنها تقصد شركة (نُوّار) التي تديرها مسؤولة الاعلام السابقة في مكتب حمدوك داليا الروبي ، كما ذكرت كولمان دعم الوكالة للصحفيين بقولها (برنامج المعونة الامريكية يدعم كذلك صحفيين واجهزه إعلام مستقلة للكتابة بصورة دقيقة ومهنية حول الانتقال والسلام وحول موضوعات سياسية ) ، كما ذكرت كولمان في شهادتها أمام الكونغرس بندا مخصصا ل ( إنشاء احزاب سياسية جديدة في السودان) وهذه الحقائق الصادمة يمكن الإستيثاق منها بالرجوع لموقع الوكالة على الإنترنت وموقع الكونغرس ، ولا مكان للحديث عن ترجمة غير أمينة أو تحريف لمحتوى الخطاب ، كما أن المعونة الأمريكية لا تخبئ أجندتها ولا تستحي من ذكرها ، لكن الواجب أن يستحي مم يتلقون هذه المنح ويصدعون شعوبهم بالشعارات الكاذبة ، يأكلون من خير هذا الشعب ويؤذونه في مستقبله ومعاشه وثقافته ودينه نيابة عن كفلائهم في الخارج .
والمخزي أن هؤلاء لا يستحون بل يتفاخرون بأن المجتمع الدولي يقف خلفهم ، ويساندهم ويعتز قادتهم بأنهم من ساعدوا في تمديد العقوبات على السودان ووقف المنح الحكومية ، ولذلك تجدهم أكثر ما يتحسرون عليه هو توقف المنح والهبات الأجنبية التي يرون أنها خسارة للبلاد ، وهي خسارة لهم قبل أن تكون خسارة للبلاد .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.