إعفاء العسكريين من المحاسبة.. هل يعجل بالتسوية السياسية؟
الفريق محمد بشير: روح الصراع لمحاسبة العسكريين تنم عن عداء
محلل سياسي: إعفاء العسكريين من المحاسبة تم العمل به في ثورة أكتوبر
المعز حضرة: لا يحق منح صك براءة مفتوح لكل العسكريين ضد العدالة
ما زالت مساعي الخروج من الأزمة مستمرة، وقد تم تقديم مقترح لقوى مسودة الدستور بمنح العسكريين عفواً عاماً أسوة بما منح لرؤساء سابقين مثل الفريق إبراهيم عبود والمشير جعفر نميري، وتباينت آراء متحدثين لـ(اليوم التالي) إذ يرى البعض، أن إعفاء العسكريين من المحاسبة تم العمل به في ثورة أكتوبر، وسمح بتسليم السلطة للمدنيين دون إراقة دماء الشعب، الأمر الذي فتح الباب لقيام حكومة مدنية انتقالية، ويرى آخرون أن القوى السياسية لا تملك حق العفو العام نيابة عن أسر الضحايا، مشيرين إلى إمكانية التفاوض، حول جريمة خرق المسودة الدستورية واستلام السلطة بالقوة، بالإعفاء أو تقديم للمحاكمة، فيما اعتبر البعض الآخر إعفاء العسكريين من المحاسبة، يأتي في سياق وتداعيات الصراع بين العسكريين، والسياسيين بشأن المظاهرات، وفض الاعتصام، والمقاومة، وما صاحبها من أحداث، مشددين على ضرورة أن تخضع المحاسبة لمنهجية القوات المسلحة، وليس السياسيين.
عفو عام
وكشف الأمين العام المكلف لحزب المؤتمر الشعبي محمد بدرالدين عن مقترح قدموه لقوى مسودة الدستور بمنح العسكر يين عفواً عاماً أسوة بما منح لرؤساء البلاد السابقين إبراهيم، عبود وجعفر النميري من قبل، وأكد أن المقترح تم طرحه للنقاش وحتى الآن لم يتم التوافق عليه.
ويصف عضو لجنة إزالة التمكين التي تم حلها القانوني عوض الكرنديس في إفادة لـ(اليوم التالي) مقترح إعفاء العسكريين بأنه عطية من لا يملك لمن لا يستحق، ويفسر الكرنديس أن القضايا الجنائية لها شقان حق خاص، وحق عام، ويضيف أن الحق الخاص يتعلق بأولياء الدم ووحدهم من يستطيعون التقرير بشأن إعفاء أو دية أو تعويض، أما الحق العام فلا تملك أي جهة التنازل عنه.
فيما يرى الخبير القانوني المعز حضرة، أن السياسيين لا يملكون حق التسوية السياسية أو إعفاء العسكريين نيابة عن أسر الشهداء، وذلك لوجود جرائم شخصية ارتكبت ضد أفراد أسر سودانية، ووحدهم يملكون حق العفو.
ويعتبر في حديثه لـ(اليوم التالي) إعطاء العسكربين عفواً أمر ضد العدالة، ويشير إلى وجود أوجه أخرى لتحقيق المصالحة والإنصاف، كالعدالة الانتقالية، سيما وأنه لا يحق منح صك براءة مفتوح لكل العسكريين ضد العدالة.
ويوضح أن ما حدث في عهد عبود لم يكن عفواً، إنما اتفاق بتنازل عبود عن السلطة فضلاً عن أنه لم يرتكب جرائم قتل مثل ما حدث في فض الاعتصام ويضيف القانوني: لا يوجد إعفاء لنميري من الحكومة الديمقراطية إنما كان متهم هارب يقيم في جمهورية مصر ولم تتم محاكمته إنما محاكمة كل زملائه، ويستطرد: تم إعفاؤه وأعضاء من مجلس ثورة مايو، مثل أبو القاسم محمد إبراهيم، من المتهم بتقويض النظام الدستوري عمر البشير بعد انقلاب 1989.
خرق المسودة الدستورية
وفي السياق ذاته، يقول القيادي بالحرية والتغيير المجلس المركزي ورئيس مكتب السياسيات في حزب الأمة القومي، إمام الحلو إنه يمكن التفاوض مع العسكريين الذين نفذوا انقلاب 25 أكتوبر في حال أنهم أرادوا تسليم السلطة ولديهم شروط بالإعفاء ويتم التفاهم حول جريمة خرق المسودة الدستورية واستلام السلطة بالقوة، بالإعفاء أو تقديمهم للمحاكمة، ويؤكد الحلو في تصريح لـ(اليوم التالي) أنه لا يمكن إعفاؤهم من الجرائم الجنائية، كالقتل والتعذيب، الاختفاء القسري، جرائم حرب والإبادة الجماعية، إن وجدت، مشدداً على ضرورة تقديمهم إلى المحاكم والعدالة الانتقالية، وقطع بأن الجهات السياسية ليس لها حق إعفاء الانتهاكات المتعلقة بالضحايا، وبحسب رئيس مكتب السياسيات، أن ما تم من إعفاء للفريق عبود من قبل السلطة الانتقالية من المحاكمة حول اختراق الدستور مقابل التنازل عن السلطة وذلك باتفاق بينه والجبهة الوطنية، بينما قدم نميري لمحاكمة شهيرة.
مصالحة وطنية:
وبدوره يبين المحلل السياسي عثمان محجوب لـ(اليوم التالي) أن إعفاء العسكريين من المحاسبة إجراء تم العمل به لأول مرة في ثورة أكتوبر وإنه سمح لنظام الفريق إبراهيم عبود بتسليم السلطة التنفيذية كاملة للمدنيين من دون إراقة دماء الشعب، الأمر الذي فتح الباب لقيام حكومة مدنية انتقالية بقيادة الأستاذ سرالختم الخليفة.
وينوه إلى أن المصالحة الوطنية تتطلب إجراءات عفو وجمع الصف الوطني دون احتكار أي فصيل سياسي للسلطة والتركيز فقط على كيفية إنشاء مفوضيات لإدارة مؤسسات الانتقال الديموقراطي، وتساءل محجوب: هل تتمتع القوى السياسية السودانية بالحكمة لتقبل هذا الاقتراح؟ ويضيف: لقد عبر المبعوث البريطاني عن ضيقه من غياب الحكمة لدى القوى السياسية السودانية وطالبها جميعاً بإبداء قدر كبير من المرونة كشرط جوهري للنجاح في تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية لأنه من دون التوافق السياسي بين تلك القوى السياسية لن يسلم العسكر السلطة لأي فصيل سياسي لوحده من دون انتخابات ولهذا يجد الوسطاء الدوليون أنفسهم في حيرة شديدة إزاء عجز القوى السياسية عن تقبل بعضها البعض والتوافق لإدارة الفترة الانتقالية.
ركيزة قانونية
غير أن خبير الشؤون العسكرية الفريق محمد بشير سليمان يرى إعفاء العسكريين من المحاسبة، يأتي في سياق السياسة، وتداعيات الصراع بين العسكريين، والسياسيين بشأن المظاهرات، وفض الاعتصام، والمقاومة، وما صاحبها من أحداث.
مشدداً على ضرورة أن تخضع المحاسبة لمنهجية القوات المسلحة التي تتدرب وتعمل بها القوات تكاملاً مع الشرطة وجهاز المخابرات العامة، والنيابة العامة كسياق مهني وقانوني، وبحسب التقارير الختامية بعد تنفيذ المهام، وفي ذلك تتم المحاسبة للمخطئ أياً كانت رتبته في حال وجود تجاوزات للقانون، والإجراءات، سيما وأنه ليس مع القانون والعدالة كبير،
ويعتبر بشير لـ(اليوم التالي) أن المحاسبة ركيزة قانونية رئيسة في العمل العسكري، وأحد عناصر تقوية الضبط والربط التي تبنى عليها الحياة العسكرية، وتتميز به.
وبحسب بشير أن روح الصراع بين المكونات السياسية التي تسعى لمحاسبة العسكريين، تنم عن روح عداء واضح، مدعومة بكراهية، وحقد، وروح انتقام، يعقد المشهد السياسي السوداني، وحذر بشير العسكريين من قبول المحاسبة من قبل المدنيين، وأردف: في حال حدث ذلك يجب أن تحاسبهم القوات المسلحة بحسبان أنهم إذا وافقوا فإن ذلك يعني أنهم سلموا أنفسهم لعدوهم، وأكد على ضرورة خروج القوات المسلحة من المشهد السياسي، وتصبح قوة مهنية محترفة، لدورها الوطني، والقومي، المحدد دستوراً، عبر توافق وطني لا يقصي أحداً ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.