(الإطاري).. ما الذي يدور خلف الكواليس.. وما حقيقة التدخلات الغربية
في ظل انسداد الافق السياسي بالبلاد ما بعد اجراءات البرهان في أكتوبر قبل الماضي إضافة للتعقيدات والصراعات السياسية وعدم وضوح الوجهة، اتسع الضغط الخارجي من بعض الدول وظهر التدخل الأجنبي بحجة تقريب وجهات النظر بين المكون المدني والعسكري، الأمر الذي قوبل برفض كبير من بعض القوى السياسية الكبيرة.
ومنذ سقوط نظام الإنقاذ طرحت العديد من المبادرات من قبل الاتحاد الدولي والافريقي لحل الأزمة السودانية، وآخر هذه المبادرات كانت التوقيع على الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الجاري، ووافقت عليه بعض القوى ورفضته قوى اخرى على رأسها الكتلة الديمقراطية والحزب الشيوعي وحزب الامة وكتلة نداء السودان.
ولكن بعض الاحزاب على رأسها الشيوعي وصفت الاتفاق بإنه معيق للثورة ويقطع الطريق أمامها، كما اتهمت قوى خارجية بفرضه على الموقعين، وهناك أسئلة كثيرة دارت في أذهان المراقبين وتبحث عن اجابات على شاكلة ما هي القوى الخارجية التي أجبرت المكونين على التوقيع؟ ولماذا استجابوا لها؟ وهل هناك مصالح مشتركة تجمعهم؟ ولماذا لم تضع القوى السياسية الرافضة للتدخل الخارجي تصورات لحل المشهد السياسي المعقد؟
فرض إجباري
وفي ما يتعلق بالتوقيع على الاتفاق الإطاري اتهم الحزب الشيوعي جهات دولية بفرضه على الأطراف السودانية، مشيراً الى ان هذا الاتفاق محاولة لقطع الطريق امام الثورة، مجدداً تمسكه برفض هذا الاتفاق.
وقال القيادي بالحزب كمال كرار لـ (الانتباهة) ان مصالح القوى الموقعة مشتركة ومترابطة مع القوى الأجنبية، واضاف قائلاً: (القوى الداخلية التي لا تريد للثورة ان تنتصر تشمل جنرالات الانقلاب والقوى السياسية المدنية الموقعة على الاتفاق).
إضعاف ومراوغة
ورغم اختلاف الكثيرين مع الحزب الشيوعي ووصفه بخميرة العكننة، الا ان هناك من يتفق معه حول الضغوط الدولية التي فرضت على الموقعين، ويقول المحلل السياسي احمد عابدين لـ (الانتباهة) ان الكل يعلم بوجود تدخل خارجي في السودان ليس في هذا الاتفاق الاطاري فقط وإنما في كل شيء ومنذ وقت طويل، بحسب تعبيره، وأضاف قائلاً: (حتى الحزب الشيوعي نفسه يعرف هذا، وكان مباركاً بحضور أحد أبرز قياداته صديق يوسف في حياكة الوثيقة الدستورية، والشيوعي الآن خارج السور، وبالتالي يرمي أصدقاء الأمس بهذه الاوصاف ويتهمهم بجر الوصاية على السودان، والقوى المدنية الحالية تأتيك كل صباح بموقف جديد يتماهى فقط مع مصالحها وليس مع موقف السودانيين ولا حتى السيادة الوطنية، وهذه تربية سياسية قديمة انجبتها نخبة فاسدة وفاشلة وراكعة على طول من أجل السلطة)، ومضى قائلاً: (الشيوعي الآن يسعى لدلق الماء على الصبغة في شعر من اعدوا الاتفاق الاطاري، لأنه يسعى لاضعافه وشله)، وتساءل عابدين قائلاً: (ما الحل؟ فهل الوضع الحالي يتحمل هذه المماحكات والجرحرة؟ وهل بمقدور الحزب الشيوعي إنتاج تحالف يسقط الاطاري والاتيان بحل أفضل؟ ام ان ذلك مجرد دفن الليل أب كراعاً برا؟). وقال: (ان هذا الاتفاق معلوم أنه أتى بضغط خارجي ورعاية خارجية لتحقيق مكاسب ترضي الداخل المتماهي مع الخارج، ومقاومته ليست بهكذا تصريحات وبيانات، وإنما بإسقاط الغلو الفكري والتطرف وعدم قبول الآخر، وفتح المجال لكل الفرقاء ليتفقوا على أن لا حل لهذا الوضع إلا بوفاق واسع على ثوابت محددة، وأولها تجهيز البلاد لاستحقاق انتخابي مع ضمان قضاء الفترة الانتقالية تحت أيدي كفاءات مستقلة وبناء أسس دولة القانون).
واردف قائلاً: (إن الترويكا والولايات المتحدة الأمريكية والرباعية تبحث عن مصالحها، وعالم اليوم يسعى لنهب الموارد وتوجيه مواقف الدول، وذلك ليس بالضرورة ان يتم عبر الاحتلال، وإنما بتنصيب حكومات مستعدة للسير في هذا الخط، وهناك أنموذج واضح فـ (زيلينسكي) في أوكرانيا الآن يحارب نيابة عن الاطماع الأمريكية وليس المصالح الوطنية، والمدنيون الحاليون وليس العسكر خلقوا هذه الحالة، والعسكر يحاولون الخروج منها بأقل الأضرار، فهم الآن يراوغون باضعاف كل القوى المدنية نفسها التي تضغط عليهم بالجزرة والعصا، مع الوضع في الاعتبار أن هنالك مدنيين داخل الاتفاق الاطاري لا يرضيهم هذا ولكن لديهم تخوفات من عودة الإسلاميين وحلفائهم).
تأجيج الصراع
اما المحلل السياسي محيي الدين محمد محيي الدين فيقول: (وجود ضغوط مسألة يصعب تأكيدها او نفيها، ومن الواضح أن القوى الدولية تلوح بالجزرة والعصا في ما يتصل بمسارات التسوية في السودان، خاصة حديث أمريكا حول فرض عقوبات على من سمتهم معطلي العملية السياسية من الجنرالات، وهذا يشير الى وجود مثل هذه الضغوط)، واضاف قائلاً في حديثه لـ (الانتباهة): (هناك ضغوط مورست على الأطراف للقبول بالتسوية السياسية)، لافتاً الى ان الحزب الشيوعي يقصد بالقوى الدولية القوى الناشطة في تسويق العملية السياسية المتمثلة في الترويكا والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، وقال: (الحزب الشيوعي لم يفصح عن هذه القوى، ولكن من الواضح انه يشير للقوى التي دعمت الإطاري وقدمت له إسناداً دبلوماسياً ورحبت به)، متهماً الحزب الشيوعي بالمساهمة بصورة كبيرة في تأجيج الصراع في السودان من خلاله حديثه عن التغير الجذري، وقال: (التحدي الأساسي اذا كنا لا نريد تدخلات خارجية، ان نبحث عن صيغة للتوافق والتراضي الوطني بين جميع القوى، بالشكل الذي ينهي حالة الأزمة ويفتح الطريق نحو التحول الديمقراطي الذي يمكن أن يجنب البلاد الخلافات ويبعد التدخل الخارجي في الشأن الداخلي).
قوى أجنبية
وبحسب القيادي بقوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية مصطفى الجميل، فإنه لا تخفى على أحد ضغوط القوى الدولية المتمثلة في الرباعية والثلاثية والترويكا والاتحاد الافريقي على المكونات السودانية للتوقيع على الإطاري، وقال الجميل في حديثه لـ (الانتباهة) ان كل هذه القوى الدولية تضغط لتحقيق الاستقرار في السودان، فضلاً عن الضغوطات الخاصة وتبني بعض البلدان الاجنبية قوى بعينها، مؤكداً وجود ضغوط دولية بالفعل مورست على موقعي الإطاري.
وبالحديث عن تصريحات الشيوعي حول ضغوط القوى الدولية على موقعي الإطاري والدول الذي يقصدها، يقول القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار لـ (الانتباهة): (القوى الدولية منذ انتصار الثورة وحتى الآن نسميها قوى الامبريالية العالمية، وحلفاؤها في المنطقة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية ومصر والامارات)، ووصفهم باللاعبين الأساسيين في التدخلات الأجنبية في الشأن السوداني، مشيراً الى ان الهدف من ذلك تصفية الثورة السودانية وافراغها من أهدافها وبقاء السودان في مربع التبعية والتخصص، منوهاً بوجود مصالح مشتركة بين القوى الموقعة والقوى الأجنبية، وأضاف قائلاً: (القوى الداخلية لا تريد للثورة ان تنتصر، وتشمل هذه القوى جنرالات الانقلاب والقوى السياسية المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري)
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.