التراث اليهودي في مصر..إحياء آثار وتجديد علاقات
ازدهر التراث اليهودي في مصر في الآونة الأخيرة على خلفية اهتمام وزارة السياحة والآثار المصرية بترميم وتجديد المعابد اليهودية للسماح ليهود مصر بأداء شعائرهم .
وبحسب ما جاء في تقرير ” بي بي سي ” فقد يبدو الحديث عن العلاقة بين اليهود ومصر مثيرا للكثير من التوجس التاريخي عند البعض، فبحسب الروايات التوراتية والقرآنية فإن خروج اليهود من مصر كان حدثا مليئا بالصراعات والمواجهات.
غير أن مصر تشهد الآن ما قد يبدو في أعين البعض تغييرا في طبيعة العلاقة بين اليهود ومصر التي عاش فيها عشرات الآلاف منهم في النصف الأول من القرن العشرين قبل أن تتدخل السياسة والحروب وتفسد حياتهم. هذا التغيير دفع بأعداد من اليهود المصريين الذين رحلوا قبل نحو 70 عاما وأسرهم بالعودة -ولو على الأقل لزيارة- الوطن الأم وإحياء التراث اليهودي .
فالأخوان الأستراليان أليكس وجاك مارس قصدا مصر للمرة الأولى مطلع هذا العام لزيارة منزل جدهما اليهودي المصري نسيم مارس الذي تركت عائلته البلاد ورحلت بعد اشتعال الصراع العربي مع إسرائيل عام 1948 ولم يعد أحد منهم أبدا منذ ذلك الوقت. ويقول الأخوان مارس إنهما طالما سمعا عن مصر و عن الإسكندرية التى أسس فيهما جدهما بيتا مازال اسمه محفورا عليه حتى الآن، وتمنا يوما أن يريا الشارع والجيران حيث تربى والداهما، ويصليان حيث صلى الأباء والأجداد يوما ما.
ولذلك تم تأجيل الزيارة لحين افتتاح معبد “إلياهو هانبي” في شارع النبي دانيال بوسط الإسكندرية بعد الترميم وهي الخطوة التي أنعشت تجديد التراث اليهودي في المنطقة، وبحسب مارس دخول المعبد يعد ركنا أصيلا في الزيارة الأولى لأرض الأجداد.
يذكر أن خطوات إحياء التراث اليهودي والمتمثلة في ترميم معبد” ألياهو هانبي ” تكلف نحو 70 مليون جنيه مصري تحملتها الحكومة المصرية بالكامل.
المعبد العتيق
ويعتبر هذا المعبد من أقدم معابد اليهود في الإسكندرية حيث يتعدى عمره 166 عاما، وتم إنشاؤه في عام 1354، إلا أنه تعرض للقصف خلال الحملة الفرنسية ثم أعيد بناؤه مرة ثانية عام 1850 بمساهمة من أسرة محمد علي الحاكمة آنذاك. ويمتاز هذه المعبد بطراز معماري فريد، ويعد علامة فارقة في التراث اليهودي في مصر كما يسع لسبعمئة مصلٍ، ويضم مكتبة بها 63 نسخة من التوراةوكتب يعود تاريخ بعضها إلى القرن الـ 15.
وبالنسبة للموقع الجغرافي يقع هذا المعبد في شارع يختصر تاريخ الإسكندرية كملتقى للحضارات والأديان، ففي الجهة المقابلة لمعبد “إلياهو هانبي” تقع الكنيسة المرقسية، وهى أقدم كنيسة في مصر وفي أفريقيا كلها حيث تم إنشاؤها عام 1870،واستمرت مقرا للكرسي البابوي لمدة ألف عام، وفي نهاية الشارع مسجد كبير يحمل اسم “النبي دانيال”.
المعبد يستقبل اليهود المصريين
وإلى جانب الأخوين مارس، استقبل هذا المعبد مؤخرا عشرات اليهود ذوي الأصول المصرية أو الذين عاشوا في مصر والباحثين عن التراث اليهودي حيث نشرت صفحة “إسرائيل بالعربية”، وهي صفحة رسمية في وزارة الخارجية الإسرائيلية مقاطع مصورة لصلاة واحتفالات نادرة في المعبد.
والتأم ١٨٠ يهودي جذورهم مصرية وفدوا من إسرائيل والمهجر في احتفالية ادخال اسفار توراتية إلى الكنيس والاحتفاء بيوم السبت. بعد تدشين كنيس إلياهو هانبي في الاسكندرية رسميا من قبل السلطات المصرية التي رممته قبل بضعة اسابيع في محاولة لإحياء التراث اليهودي في مصر .
وشكلت وزارة الآثار لجنة “جرد وحصر وتسجيل الآثار اليهودية” والتراث اليهودي في إبريل/ نيسان عام 2018 ، حيث انتهت من تسجيل مجموعة من مقابر اليهود بالإسكندرية وجنوب القاهرة.
وقررت اللجنة تسجيل عدد من المعابد اليهودية في القاهرة والإسكندرية وبعض مدن الدلتا لإحياء التراث اليهودي وأصبحت هذه الآثار خاضعة لقانون حماية الآثار الذي يلزم الحكومة بالحفاظ عليها وترميمها ووضعها على خريطة الزيارات والمناطق الآثرية.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018 أعلنت الحكومة المصرية عن خطة لتخصيص مليار و270 مليون جنيه مصري لتجديد التراث اليهودى في البلاد. وأثار إعلان هذه الخطة ردود فعل متباينة، بين من يعتبر هذه الآثار جزءا من التراث الإنساني، ومن يعتبرها إهدارا للمال العام على مبان قد لا يرتادها أحد. ليعود وزير السياحة والآثار ويقول إن المبلغ الذي أعلن عنه مُخصص لترميم كل الآثار وليست اليهودية فقط.
تشجيع السياحة
وقال وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني إن “الهدف من هذه الخطط هو تشجيع السياحة الدينية فى البلاد، فضلا عن توجيه رسالة قوية للعالم بأن مصر تحترم جميع الطوائف والشعائر الدينية، وأن الحكومة تهتم بالتراث اليهودي وكل الحضارات في مختلف العصور، كما تعمل علي تطوير ما تبقي من هذا التراث”.
.