القوات الإسرائيلية تنسحب من باب العامود، فما الذي يجري هناك؟
في بداية شهر رمضان (الثلاثاء 13 أبريل/نيسان)، قامت القوات الإسرائيلية بإغلاق منطقة باب العامود في البلدة القديمة وسط مدينة القدس المحتلة، وهي منطقة لها خصوصيتها لدى المقدسيين خلال شهر الصيام، حيث اعتادوا التجمع في ساحاتها ومدرجاتها لأداء صلاة التراويح وقضاء الوقت بعدها.
ومع منع قوات الاحتلال الفلسطينيين من الجلوس وتنظيم الفعاليات الرمضانية السنوية في منطقة “باب العامود”، أحد أبواب المسجد الأقصى، دون وجود سبب أو تقديم مبرر للمنع، اندلعت مواجهات يومية بين فلسطينيين وقوات الشرطة الإسرائيلية.
ماذا يحدث في باب العامود؟
المواجهات اليومية بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي دخلت منعطفاً جديداً الخميس 22 أبريل/نيسان مع دخول مستوطنين إسرائيليين على خط المواجهات، إذ قاموا بالاعتداء على الفلسطينيين في جميع أنحاء القدس المحتلة، ونظموا مظاهرة ضخمة رفعوا خلالها شعارات “الموت للعرب” و”اطردوا العرب” تحت حماية القوات الإسرائيلية، ما أدى إلى إصابة أكثر من 110 فلسطينيين واعتقال 50 شاباً منهم.
ولم يتراجع الفلسطينيون وواصلوا تجمعاتهم حتى اضطرت القوات الإسرائيلية للانسحاب من منطقة باب العامود أمس الأحد 25 أبريل/نيسان، وقام الشباب الفلسطيني بإزالة الحواجز الحديدية والساتر الترابي التي كانت قوات الاحتلال قد أحاطت بها المنطقة، وسط فرحة كبيرة من المقدسيين الذين عادوا إلى ساحات ومدرجات باب العامود.
وقال متحدث باسم الشرطة الإسرائيلية لوكالة الأنباء الفرنسية إن قرار الانسحاب والسماح للفلسطينيين بإزالة الحواجز المعدنية قد جاء “بعد مشاورات مع مسؤولين محليين وقيادات دينية وتقييم للوضع، مع مراعاة أصحاب المحال التجارية الذين يحتاجون لكسب العيش، ومن أجل خفض مستوى العنف”.
وأضاف المتحدث باسم شرطة الاحتلال أن “قواتنا ما زالت منتشرة على الأرض، ولن نسمح بتجدد العنف”، بينما أفاد مراسلو وكالة الأنباء الفرنسية بأن الشرطة الإسرائيلية طاردت مجموعة من الفلسطينيين كانوا يحتفلون بإزالة الحواجز ويلوحون بالعلم الفلسطيني، لكن الساحة الواقعة أمام باب العامود باتت مفتوحة أمام الفلسطينيين الذين احتشدوا فيها، وسط انتشار كثيف لعناصر الشرطة الإسرائيلية.
من هم المستوطنون المعتدون هذه المرة؟
منذ أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967 تسعى تل أبيب إلى “تهويد” القدس وإزالة المعالم الإسلامية والمسيحية فيها، بحسب تقارير دولية وليس فقط اتهامات الفلسطينيين، فالدولة العبرية تهدف إلى جعل القدس، بشطريها الغربي والشرقي، عاصمة موحدة وأبدية لها، بينما يتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967، ولا بضمها إليها في 1981.
وفي هذا السياق يأتي قرار إغلاق منطقة باب العامود، كما يقول الفلسطينيون، كخطوة لفرض أمر واقع جديد وإرضاء المستوطنين المتطرفين من الجماعات اليهودية التي أصبح لها صوت داخل العملية السياسية المتعثرة في إسرائيل بعد أن تحالف معهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الساعي للاحتفاظ بمنصبه بأي ثمن تفادياً لدخول السجن، في ظل محاكمته بتهم فساد وتلقي رشاوى وخيانة الأمانة.
ويمثل المتطرفون اليهود لاعباً جديداً على الساحة المقدسية هذه المرة، بحسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية، رصد كيف شجعهم قادتهم السياسيون على القيام بذلك “الاستفزاز” والسير نحو أسوار مدينة القدس القديمة وهم يصرخون: “الموت للعرب”، وكيف أدى ذلك الاستفزاز إلى تحول معركة باب العامود إلى بؤرة تجمع حولها العديد من اللاعبين داخل فلسطين المحتلة وخارجها.
أما المنظمة اليمينية المتطرفة التي قادت اعتداءات المتطرفين اليهود على الفلسطينيين في باب العامود والبلدة القديمة فتدعى “ليهافا”، وهي جماعة تتهمها الحكومات الإسرائيلية بالعنصرية ونشر الأفكار الإرهابية، وتم تقديم ثلاثة من قادتها للمحكمة الجنائية الإسرائيلية في القدس عام 2019، وكانت هناك محاولات لتصنيفها جماعة إرهابية بالفعل داخل إسرائيل، لكن نتنياهو تحالف مع المستوطنين اليمينيين، ومنهم تلك الجماعة، سعياً للفوز بأغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة وهو ما لم يتحقق على مدى أربعة انتخابات عامة في أقل من عامين.
القدس قلب الصراع وصمت إعلامي
وفي ضوء رمزية القدس للفلسطينيين وإدراك نتنياهو لهذه الحقيقة، جاء قرار إغلاق منطقة باب العامود منذ بداية شهر رمضان، ومن ثم دخول المتطرفين اليهود على خط الأزمة، مما أدى إلى إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل وردت تل أبيب بقصف مواقع داخل القطاع المحاصر، وبدا أن الأمور في طريقها للخروج عن السيطرة وتحول الأمر إلى مواجهة مفتوحة، يرى البعض أن نتنياهو يسعى إليها، قبل أن تتراجع الأمور مؤقتاً وتنسحب الشرطة الإسرائيلية.
وربما أدى التراجع الإسرائيلي إلى تهدئة الأمور مؤقتاً، لكن يظل التوتر قائماً، إذ جددت تلك الإجراءات الإسرائيلية واعتداءات المستوطنين المتطرفين مخاوف الفلسطينيين من أن تكون هذه بداية لإحكام قبضة الاحتلال على القدس الشرقية، وتحديداً البلدة القديمة والقضاء على ما تبقى من وجود أو مظاهر فلسطينية هناك.
وهذا ما عبَّر عنه أحد الشباب الفلسطينيين -سمى نفسه رامي- للصحيفة البريطانية بقوله: “كل ما نريده هو أن نتمكن من الجلوس على مدرجات بوابة دمشق ليلاً لنشرب الشاي والقهوة كما اعتاد والدي وجدي، وما تفعله الشرطة (الإسرائيلية) هو ببساطة محاولة لطمس هويتنا الفلسطينية”.
وعلى الرغم من خطورة ما يجري في القدس هذه الأيام، تتغاضى وسائل الإعلام الغربية عن تغطية ما يتعرض له الفلسطينيون من جانب الجماعات المتطرفة من المستوطنين -تحت حماية قوات الاحتلال- وهذا ما عبَّر عنه الصحفي الفرنسي دومينيك فيدال، حيث استنكر صمت وسائل الإعلام الدولية عن تغطية أحداث إغلاق القوات الإسرائيلية منطقة “باب العامود” وسط القدس أمام الفلسطينيين منذ بداية شهر رمضان.
وقال فيدال في مقالة له على موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي الأحد: “لماذا عندما تكون إسرائيلياً يسمح لك بارتكاب جرائم لا يعاقب عليها القانون وتنسى من قبل وسائل الإعلام الكبرى؟”، متابعاً: “أنا كصحفي فرنسي ويهودي أشعر بالعار”.
وأشار إلى أنه كمؤرخ يتابع القضية الفلسطينية منذ نصف قرن، مضيفاً: “وأنا مثلكم كنت شاهداً على أحداث مروعة لكنني لم أرَ مجزرة في القدس. وأنتم؟”، وأردف: “هل سبق أن شاهدت تسامح مئات رجال الشرطة الإسرائيلية بل ومساعدتهم لليهود النازيين الذين يمارسون العنف في القدس الشرقية ويصرخون الموت للعرب؟”.
وذكر فيدال أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستعد لبدء حرب مع إيران، وعرقلة الاتفاق بين واشنطن وطهران، وإشعال انتفاضة ثالثة من أجل الحفاظ على عرشه، وتوجه للصحفيين متسائلاً: “لماذا لا تقوم وسائل الإعلام الكبيرة التي تعملون لديها بتغطية أو إعداد القليل من الأخبار عن الخطر الذي يهدد الشرق الأوسط وينتهك حقوق الإنسان؟”، وأضاف أن الصمت الإعلامي يغذي معاداة السامية، وأن جماعات الضغط (اللوبي) قوية لدرجة إسكات وسائل الإعلام.
الانتخابات الفلسطينية والقدس
وهناك عامل آخر يضيف مزيداً من الأهمية لما يجري في القدس هذه الأيام وهو الانتخابات الفلسطينية المقررة في 22 مايو/أيار المقبل، حيث تصر السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس وكذلك حركة حماس على مشاركة سكان القدس المحتلة في تلك الانتخابات بينما لا يبدو أن إسرائيل ستوافق على ذلك.
ومن جانبه، أكد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، أنه “لا هدوء” مع إسرائيل إذا استمرت بـ”سياساتها العدوانية” تجاه مدينة القدس المحتلة، وقال في تصريحات نشرها الموقع الرسمي للحركة: “لا هدوء إذا استمر الكيان الصهيوني بهذه السياسة العدوانية في القدس”، موضحاً أن “القدس ليست وحدها في هذه المواجهة، وأن غزة حاضرة بمقاومتها الباسلة لحماية أهلنا في القدس المحتلة”.
ومع سعي نتنياهو للحصول على دعم حزب “الصهيونية الدينية” المرتبط بحركة ليهافا المتطرفة، لا يبدو أن رئيس الوزراء الساعي لتشكيل الحكومة ولم يتبقّ أمامه سوى أسبوع واحد لإنجاز المهمة التي لا تبدو ميسورة، سيقدم على كبح جماح تلك الجماعة المتطرفة وهو ما ينذر بتجدد الاعتداءات وعودة التوتر ربما بصورة أخطر هذه المرة، بحسب تقرير الإندبندنت.
وقد كتب المعلق السياسي الإسرائيلي ناداف إيال مقالاً في صحيفة يديعوت أحرونوت قال فيه: “السؤال الحائر في الخلفية حالياً هو إلى أي مدى تسبب فشل نتنياهو في تشكيل تحالف في تمهيد مشهد الاشتباكات (في باب العامود) ورد فعل الحكومة بخصوص تلك الاشتباكات”، مضيفاً: “القصة ببساطة أن هناك أعواد كبريت كثيرة جاهزة للاشتعال”.
أما خارج إسرائيل، فقد اجتذبت أحداث القدس رد فعل من الأردن، التي تتولى الإشراف على المسجد الأقصى، ومصر، حيث أصدر وزيرا خارجية عمان والقاهرة بياناً مشتركاً وجها فيه الدعوة للحكومة الإسرائيلية التدخل لمنع “اعتداءات المستوطنين والشرطة بحق الفلسطينيين في القدس المحتلة”.