بعد خطاب (البرهان) وتعليق (عرمان).. الرد والرد المضاد.. (أزمة الثقة) بين الفرقاء تتمدد


لا يبدو أن راهن الواقع السياسي ينبئ بان ثمة مؤشرات قد تفضي الى حل الازمة بشكل ناجع، عبر الاتفاق الإطاري المبرم بين العسكر وبعض القوى المدنية التي يتزعمها المجلس المركزي.
والمتتبع لتصريحات أطراف الازمة سواء كانوا جنرالات او نخباً سياسية يجد انهم يتصيدون الاخطاء كل للآخر، ولم تمض ساعات معدودة على خطاب قائد الجيش الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان بالمعاقيل أمس الاول الاربعاء، حتى خرج القيادي بمركزية الحرية والتغيير ورئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان، ليصف خطاب الاول بالتراجع والعودة الى ما قبل التوقيع على الإطاري.
نسف الاتفاق
وقطعاً يعبر موقف ياسر عن رأي كتلة المركزي التي سعت وسعدت جداً بالاتفاق الإطاري المبرم بينهم وبين العسكريين في محاولة لانهاء الازمة.
والشاخص لمآلات المشهد يلتمس ان خطورة نسف الاتفاق ليس في شيطان التفاصيل كما يظن البعض، وانما في الثقة المفقودة لدى الفرقاء، مع تزايد الكتلة الرافضة للإطاري التي تشمل بعض اطراف اتفاق جوبا باوزانهم الثقيلة على غرار جبريل ومناوي، كما تشمل ايضاً الاتحادي الاصل بثقله التاريخي برئاسة مولانا محمد عثمان الميرغني، كما تشمل تحالف نداء السودان الذي يضم الطرق الصوفية والادارات الاهلية وتياراً إسلامياً عريضاً.
في حين يظن كثيرون ان الاتفاق الإطاري قد يمثل طوق نجاة لحل المشكلة السودانية حال تحلت كافة الاطراف بمبدأ التنازلات وتقديم الحل الادنى.
ولكن آخرين اعتبروا أن رد عرمان يمثل خطورة بالاشارة الى وجوده في كابينة التنسيق بين الاطراف من جانب المجلس المركزي.
وكان البرهان بصفته العسكرية قائداً عاما للجبش قد خاطب أمس الاول جنوده بمنطقة المعاقيل العملياتية، وقال: (ليست هنالك تسوية بالمعنى الذي فهمه البعض، وإنما هي نقاط تم طرحها نرى أنه يمكن أن تساعد على حل التعقيدات السياسية الراهنة، وقد وافقنا عليها ضمن اتفاق سياسي إطاري يصب في مصلحة كل السودانيين دون إقصاء لأحد، وينبغي ألا تحاول أية جهة أن تختطف هذا الاتفاق لمصلحتها الذاتية دون الآخرين أو أن تسعى لاختطاف السلطة من جديد)، مشيراً الى ان القوات المسلحة لن توافق في مرحلة الاتفاق النهائي للعملية السياسية الجارية على أية بنود يمكن أن تنال من ثوابت البلاد.
رد سريع
ولم تمض ساعات قليلة حتى غرد رئيس الحركة الشعبية التيار الثوري الديمقراطي ياسر عرمان معلقاً على حديث رئيس مجلس السيادة، وقال: (عاد في خطابه اليوم لما قبل الاتفاق الإطاري).
واعتبر ياسر ان توقيع الاتفاق الاطاري لم يغير في طبيعة الانقلاب، وإلى حين تكوين حكومية مدنية بعد الاتفاق الكامل فإن الانقلابيين هم المسؤولون عن ادارة شؤون البلاد ولا دخل للحرية والتغيير في ما يجري الآن.
واشار عرمان في تغريدته الى ان ‏الاتفاق الإطاري حدد الأطراف المدنية ودورها بدقة بموافقة العسكريين، وتابع قائلاً: (إن حديث الفريق البرهان اليوم يشكل تراجعاً عن الاتفاق الاطاري ومحتوى العملية السياسية). وتابع قائلاً: (قضية الأطراف في العملية السياسية هي كعب أخيل وحصان طروادة، وإن لم يتم التمسك بالاتفاق الاطاري فإن ذلك يعني ببساطة عودة الفلول).
ويرى الخبير والمحلل السياسي د. حسن محجوب ان تعامل الاطراف بالمثل يعكس تبادل التصريحات وتصيد الاخطاء ولا ينبي بمؤشرات ايجابية حيال الاتفاق السياسي المبرم.
ويواصل محجوب في معرض افاداته بأن التصريحات والتصريحات المضادة حول الاتفاق الذي لم تمض عليه سوى عشرة ايام تؤكد فرضية موت الاتفاق في وقت وجيز، وهو ما يزيد ارباك المشهد المعقد منذ ٢5 اكتوبر.
وبرز عرمان كشخصية خلافية في العمل السياسي العام عبر مواقعه المختلفة مع اشارات لمحللين بأن الرجل بارع جداً في احداث انقسامات في اي كيان تنظيمي عمل فيه، وليس ببعيد انه ساهم في انشقاق الحركة الشعبية، كما حمله كثيرون أزمة حكومة حمدوك في أيامه الاخيرة لجهة انه كان مستشاره السياسي، وهذا غير تجارب اخرى لياسر في سنوات خلت وتحديداً في سنوات حكم البشير الثلاثين.
ويعود المحلل السياسي د. حسن محجوب ويشير الى ان اعطاء ياسر عرمان مساحات لصناعة الاتفاق في حد ذاته كان خطأً استراتيجياً، وما كان ينبغي لقوى سياسية كبيرة والوسطاء ان يمضوا فيه، خاصة ان عرمان عُرف عنه نزوعه للخلافات.
وخلافاً لتصريحات ياسر عرمان لم تصدر عن مؤسسات المركزي التنظيمية اية تصريحات في ما يخص خطاب البرهان بالمعاقيل.
واعلن حزب البعث انسحابه من مركزية الحرية والتغيير عبر بيان رسمي مساء الثلاثاء، ليعمق جراح قحت ويزيد ضبابية المشهد السياسي الذي لأول مرة يصطف فيه الشيوعيون والبعثيون والاسلاميون والحواضن الاجتماعية في صف المعارضة.
ولكن مراقبين اعتبروا أن فرص نجاح الاتفاق كبيرة، لجهة انه يحظى بدعم دولي كبير، وان نجاحه مرهون بضرورة عدم خوض الاطراف في التصريحات والتصريحات المضادة التي تسهم في تعقيد المشهد المحتقن اصلاً لما يزيد عن العام، وضرورة ضبط الاحاديث الاعلامية المتبادلة بشكل يعكس لغة التوافق لا الخصام الذي يعمق الازمة

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.