حتى لا تتفاجأوا من الدور الأمريكي.. أمريكا ليست مع الديمقراطية
بقلم: رمضان أحمد
عندما سلم السفير الأمريكي في الخرطوم “جون جودفري” أوراق اعتماده لرئيس مجلس السيادة الفريق البرهان منتصف هذا الأسبوع اضطربت مواقف القوى السياسية. فالبعض رأى أن أمريكا تخلت عن قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت) واعترفت بـ”الانقلاب” بينما رأى آخرون أن أمريكا ستعمل على تحقيق الحكم المدني وإنهاء “الانقلاب”، خاصة بعد أن قام السفير الجديد بزيارة بعض أسر الشهداء والتقى ببعض المجموعات الثورية.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل فعلاً الولايات المتحدة الأمريكية جادة في مسألة الحكم المدني والديمقراطية؟ وهل هناك شواهد في المنطقة العربية تؤكد هذه الجدية؟
المواقف الأمريكية الحقيقية لا تؤخذ من تصريحات المسؤولين الأمريكيين ومن بيانات البنتاقون وإنما من السلوك الأمريكي على الأرض. قد يتفاجأ السودانيون المتفائلون بمجيء السفير الأمريكي عندما تتبدى المواقف الحقيقية للأمريكيين تجاه السودان بخلاف كل الغبار المثار حالياً والتصريحان الرنانة لزوم التخدير.
لعل النموذج المصري هو نموذج صارخ تتجلى فيه المواقف الأمريكية الحقيقية. فعندما انقلب عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب قامت الدنيا ولم تقعد. وجاءت الوفود تلو الوفود وقابلوا الرئيس المنقلب عليه وأبلغوه بضرورة الاستسلام وقبول الواقع الجديد. ثم توالت الإدانات وقررت الولايات المتحدة إيقاف المساعدات التي كانت تقدمها للجيش المصري وما إلى ذلك من الإجراءات والتصريحات. بالطبع، ظن الإخوان المسلمون – وبعض الظن إثم – أن الولايات المتحدة ستنتصر لـ”قيم” الديمقراطية وحقوق الإنسان!! وخاب ظنهم وانتظر العالم ليترشح السيسي ويصبح رئيساً “منتخباً” لتعود المياه إلى مجاريها بينما تتكدس السجون يومياً بمزيد من النزلاء. لم يسلم من البطش حتى القوى العلمانية واليسارية التي كانت تهلل وتكبر فرحاً بما نزل بالإخوان المسلمين من بطش. بالغ النظام “المنتخب” الجديد لدرجة أنه حاسب حتى الذين لم يصفقوا بما فيه الكفاية.
كل هذا حصل ومات الناس في السجون بما فيهم الرئيس المنتخب – رحمهم الله جميعاً – ناهيك عن أحكام الإعدام بالجملة التي خالفت كل الأعراف والقوانين الدولية. حصل كل هذا والولايات المتحدة الأمريكية – راعية حقوق والإنسان وناشرة الديمقراطية والحكم الرشيد – غاضة الطرف تماماً كما لو أن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد.
تركيا التي جاء رئيسها إلى الحكم عن طريق صندوق الاقتراع تعرض لأكثر من محاولة انقلاب فضلاً عن محاولات عديدة لزعزعة الاقتصاد التركي حتى ينهار النظام. ولكن الشعب التركي وقف بصلابة في وجه أزلام الولايات المتحدة. على الرغم من أن أردوغان فاجأ الغرب عموماً بأنه كان يرفع شعار العلمانية لكنه كان يطبق علمانيته التي تختلف تماماً عن علمانية الغرب. ولما أدرك الغرب أن علمانية أردوغان شيء مختلف قد فات الأوان لأن تركيا بلغت مرحلة من التقدم والتطور لا يمكن أن يستخدموا معها نفس الأساليب التي يستخدموها مع غيرها. وعلى الرغم من أن أردوغان استطاع أن يحقق تنمية مستدامة ورفع شأن تركيا في مصاف الدول العظمى إلا أن الولايات المتحدة ليست راضية عنها، مع أنها دولة ديمقراطية! إذن الولايات المتحدة ليست معنية بالديمقراطية والحكم المدني.
لقد اتضح بما لا يضع مجالاً للشك ووفقاً للسلوك الأمريكي على أرض الواقع أن الفريق البرهان هو سيسي السودان المقبل. لماذا؟ ويدعم هذه الفرضية سعي أمريكا لتحقيق الاستقرار النسبي في السودان باعتبار أن حصول أي اضطراب في السودان سيعتبر صباً لمزيد من الزيت على النار في إقليم مضطرب. تسعى أمريكا دائماً للاعتماد على أصحاب الملفات الشائكة داخلياً وتوفر لهم كل الضمانات بحيث يستعموا لها جيداً وينفذوا ما تريد منهم. وأعتقد أن البرهان هو الأنسب لهم بالنظر إلى ملفاته الداخلية سواءً أكان في مسألة فض اعتصام القيادة وما صحابه من مجازر أو دوره في ملف دارفور وهو الشخص الرئيسي في ذلك. لذلك أرجو أن لا يتفاجأ السودانيون عندما يعلن البرهان ترشيح نفسه رئيساً للجمهورية غداً ويأتي المجتمع الدولي كله مصطفاً ليبارك له فوزه في الانتخابات المقبلة.
لذلك فإن أي تحرك يقوم به السفير الأمريكي في الخرطوم وأي تصريحات تصدر منه لابد من وضعها في هذا السياق، أي سياق أنه يريد أن يخدر الناس ليحقق ما يريد.
التحدي الأكبر يقع على عاتق القوى السياسية السودانية لترتقي إلى مستوى التحدي وتمعن النظر في التجربة المصرية ثم لتدرك أن الاختلافات السياسية مهما استفحلت لابد من ضبطها بالحد الأدنى من المشتركات الوطنية. وعلى القوى السياسية أن تدرك أيضاً أن اختلافاتها هي الوقود الذي تستخدمه المؤسسة العسكرية لتقديم نفسها بديلاً مقبولاً. سيظل الحل الأمثل للمشكلة السودانية سودانياً خالصاً بإرادة سودانية. وإذا جاء الحل من الخارج فسيأتي بملحقات الخارج. فالدول ليست منظمات خيرية وإنما مصالح وليس غير المصالح.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.