كيف نحتفل بالاستقلال وفولكر بين ظهرانينا

تحتفل البلاد هذه الأيام بالذكرى السابعة والستين لاستقلال السودان المجيد، ولو قُدّر لأحد رواد الاستقلال أن يُبعث ويعيش بين ظهرانينا هذه الأيام، لاستنكر احتفالنا بذكرى استقلال لم يعد لنا منه إلا اسمه؛ ولتحسر على الجهود الذي بذلها جيله لإخراج المستعمر الغربي من السودان ذليلا طريدا؛ إذ سيراه قد عاد إلينا اليوم في صورة البعثة الأممية برئاسة فولكر، وهي تمثل أبشع وجود الاستعمار الغربي.
والحقيقة أن قدوم فولكر المشئوم إلى السودان كان إحدى المآزق والأفخاخ التي ارتكبها حمدوك رئيس الوزراء السابق؛ إذ هو ومن وراء المجلس السيادي قام باستقدام البعثة الأممية إلى السودان، وفتح الباب أمام فولكر المشئوم ليمارس أعماله الاستعمارية في بلاد ظن أهلها أنهم مستقلون لأكثر من ستة عقود.
ولم يكتف فولكر بممارسة أعماله الاستعمارية وحده، بل تم تكوين الآلية الثلاثية من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيقاد، لتشرف على العملية السياسية في السودان، وتستقل بالقرار دون أهل السودان، وتقابل من تشاء وتسافر إلى أي جهة تريدها داخل السودان، بل وتقابل المتمردين على الدولة الذين يرفعون السلاح في وجه القوات المسلحة السودانية، وكل ذلك باسم الآلية الثلاثية وهي الوجه الآخر للاستعمار الخارجي للسودان.
ولم تقف المصائب التي خرقت استقلالنا عند هذا الحد، بل نشأت اللجنة الرباعية، وهي تضم سفراء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهي دول عريقة في استعمار الشعوب واستنزاف خيراتها، وأضيفت إليها سفراء المملكة العربية والإمارات العربية، وهاتان كنا نظنهما من الدول الشقيقة، لكنهما بوضع أيديهما في أيدي الدول الاستعمارية، خذلتا جموع الشعب السوداني، والتحقتا بركب الدول التي تنال من استقلال السودان وتتدخل في شئونه الداخلية دون وجه حق. مع العلم بأن الرباعية التي كونها سفير الولايات المتحدة بالخرطوم ليست جهازا تابعا لأي مؤسسة دولية أو إقليمية، ولم يصدر بتكوينها أي قرار من الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية أو حتى الإقليمية، وهي من هذه الجهة تختلف عن الآلية الثلاثية برئاسة فولكر التي تختبئ خلف منظمات دولية وإقليمية.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد ابتلينا هذه الأيام بأناس من بني جلدتنا ويتحدثون بلغتنا وتشبه سحنتهم سحنتنا، هذه الشرذمة من مستجدي السياسة و(برالمة) العمل العام، هؤلاء وبسند دولي وإقليمي ظاهر او مستتر؛ أصبحوا يوزعون صكوك الوطنية وشهادات الاشتراك في النظام السياسي القادم، وأصبحوا يحددون من هو السوداني كامل الحقوق الذي يمكن أن يساهم في العملية السياسية القادمة، ويشترك في تقرير مصير بلاده، ومن الذي سيكتب عليه العزل السياسي والطرد من شهادات الوطنية والمشاركة السياسية، هؤلاء (الطحالب) كما وصفهم صديقنا الكاتب عمر كابو؛ أصبحوا يملأون القنوات الفضائية ضجيجا وصياحا ويهرفون بما لا يعرفون، ويرغون ويزبدون، ويبرقون ويرعدون، ويهددون ويتوعدون، كأن أمر البلاد أصبح بأيديهم، وهم فقط من يحق لهم تقرير مصير البلاد، وتحديد معايير الوطنية، ومقاييس المشاركة في النظام السياسي القادم، وفي تشكيل الحكومة القادمة…فأي مصيبة أكبر من هذه؟
خلاصة الأمر أن وجود فولكر وأليته الثلاثية، ووجود اللجنة الرباعية برئاسة الولايات المتحدة، كل هذه تقدح في المعاني السامية للاستقلال وتجعل البلاد مباشرة تحت الوصاية الدولية، ولا معنى للاحتفال بالاستقلال في وجود هذه المصائب الدولية، وعلى الخارجية ان تستنفر جهدها بواسطة مستشاريها القانونيين وخبراتها الدبلوماسية ـ وما أكثرها ـ لتضع حدا لهذا العبث الذي اقترفه حمدوك، وتشرع فورا في خطوات تؤدي إلى طرد فولكر وآليته الثلاثية، وكبح جماح الرباعية، وإلزام السفير الأمريكي وجماعته من سفراء الرباعية حدودهم الدبلوماسية، وإلا فالطرد مصير كل من يتجاوز قوانين البلاد والأعراف الدبلوماسية الدولية.
أما (طحالب) الداخل الذين اشرنا إليهم آنفا، فهؤلاء أمرهم يسير ومقدور عليه، وإنما يستمدون قوتهم من القوى الدولية والإقليمية؛ فإذا تم طرد فولكر وآليته الثلاثية، وتم إلزام سفراء الرباعية حدودهم، فهؤلاء (الطحالب) سيعودون كالطحالب التي انحسر عنها الماء، فجفّت ثم لا تلبث أن تنحسر وتتلاشى وتلاحقها اللعنات.

حسن

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.