أحمد قطان يعيد فتح دفاتر أخطر ملفات القاهرة والرياض
في حديث صادم لوزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقية أحمد قطان، قال فيه أنّ “شفيق الرئيس الشرعي لمصر، والجيش المصري تآمر على مرسي”، والذي يؤشر إلى وجود أزمة بين السعودية ومصر.
وجاء في الحديث (الذي لا يمكن اعتباره عفوياَ)، عن لسان قطان الذي كان سفير السعودية السابق في القاهرة، إنه تم إبلاغه رسمياً خلال عمله في مصر، أن أحمد شفيق هو الفائز بالانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012 أمام محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين آنذاك، وهو أمر من شأنه التشكيك في شرعية الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي عيَّنه مرسي وزيراً للدفاع قبل أن يعزل السيسي مرسي من الرئاسة عقب مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013.
مؤامرة على مرسي
ومن اللافت أن قطان قال إنه أبلغ وزيرة الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، هيلاري كلينتون، خلال اجتماع في واشنطن، أن القوات المسلحة المصرية لن تسمح للإخوان بأن يحكموا مصر، وهو ما يحمل في طياته تفسيراً بأن الجيش تآمر على الإخوان منذ ما قبل وصولهم للحكم وليس لأخطائهم خلال فترة حكم مرسي، واستجابة لمطالب قطاعات واسعة من الشعب، كما يردد خطاب المؤسسة العسكرية المصرية دوماً وعلى رأسها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
المثير للانتباه أيضاً، أن المذيع الذي حاوره في لقاء مطول بقناة روتانا الخليجية، علّق على كلامه عن فوز أحمد شفيق، بالقول: إذن “شفيق هو الرئيس الشرعي لمصر”، ثم ختم الحلقة بمخاطبة المشاهدين بلغة استعراضية، قائلاً: “انقلوا عن الوزير أحمد قطان، أن أحمد شفيق هو من فاز بالانتخابات، وسط ضحكات قطان”.
ويمكن أن يفهم من كلام قطان أن ما حدث في 30 يونيو/حزيران 2013 من حراك بالشارع لم يكن سوى جزء من مشهد انقلاب سبق أن دعمته بلاده، وأنها أوصلت السيسي إلى السلطة، وبالتالي فهي تتوقّع أن يكون هناك ردّ للجميل، حتى مع تغيُّر القيادة السعودية في عام 2015، حسب وصف صحيفة أخبار اللبنانية.
قرار الرياض الأخير يظهر التنافس الإقليمي مع القاهرة
في ظلّ التنافس بين مصر والسعودية على المكانة الإقليمية، قد يكون قرار السعودية إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية، لها مقر إقليمي بالمنطقة، ليس مركزه السعودية، يأتي في إطار هذا التنافس بين البلدين، رغم أنه يُنظر إليه على أنه موجَّه لمدينة دبي الإماراتية بالأساس، ولكن القاهرة مقر إقليمي للعديد من الشركات الدولية أيضاً.
وتفيد تقارير بأن قنوات الاتصال بين القاهرة والرياض تكاد تكون مقطوعة في الوقت الراهن، بسبب مواقف بن سلمان التي يرى السيسي أنها تضرّ بدول الجوار، وآخرها سعيه إلى إلزام الشركات بنقل مقرّاتها الإقليمية إلى المملكة.
اختلافات عدة بين البلدين
دعونا نقول أن هنالك اختلافات وليس خلافات بين البلدين الحليفين.
في مقدمة هذه الملفات الخلافية حرب اليمن، فبعد أن كان السيسي قد قال كلمته الشهيرة “مسافة السكة” عقب 30 يونيو/حزيران 2013، فيما فُهم منه أنه تعهُّد ضمني من القاهرة بسرعة إرسال الدعم (العسكري) إلى دول الخليج، خاصةً السعودية، في مواجهة أي تهديد خارجي (لاسيما الإيراني الذي يُنظر إليه على أنه التهديد الأساسي لمنطقة الخليج).
ولكن عندما بدأت السعودية حرب اليمن، وأعلنت تشكيل التحالف الإسلامي لدعم الشرعية في اليمن، وأعلنت انضمام مصر إليه، فإن القاهرة لم تستجب وردّت بكلام حمّال أوجه، وأعلنت عن قيامها بضمان حرية الملاحة في مضيق باب المندب أمام سواحل اليمن باعتبار ذلك جزءاً من الأمن القومي المصري، وفعلياً رغم هذا الإعلان فإنه لم يُعرف قيام البحرية المصرية بأي خطوات في حرب اليمن، إضافة إلى عدم وجود أي مشاركة عسكرية مصرية، رغم أن دولاً كانت أبعد عن الرياض في العلاقات، مثل المغرب وقطر، شاركت في التحالف لفترة. كما لم يتبنَّ خطاب القاهرة السياسي والإعلامي مواقف حادة ضد الحوثيين، باستثناء انتقاد هجماتهم على السعودية ودعوتهم إلى الاستجابة لعملية التسوية.
أزمة سد النهضة
لا يمكن استبعاد أن هناك استياءً مصرياً من عدم دعم السعودية (وأيضاً الإمارات على الأرجح)، للقاهرة بملف سد النهضة، في ضوء النفوذ السعودي والإماراتي بإثيوبيا، في ظل استثمارات البلدين الكبيرة بإثيوبيا.
وكان لافتاً في المقابل، أن الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، وزير الخارجية السعودي، في كلمته، باجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري في دورته الـ155، أكد أهمية التوصل إلى اتفاق عادل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة بما يحقق مصالح جميع الأطراف.
وهو ما يُظهر أن السعودية تقف على قدم المساواة من أطراف النزاع حول النيل، رغم أنه يُفترض أنها تدعم الموقف المصري السوداني، لاسيما أنهما دولتان عربيتان، والقاهرة حليف مقرب للرياض، والدولتان تشكوان من تجاهل أديس أبابا للقوانين الدولية وتتلاعب بالوساطات.
قطان يهاجم الجامعة العربية
ومن بين الملفات الخلافية التي تطرق إليها قطان، ملف الجامعة العربية.
وهناك خلاف سعودي مصري مزمن حول طريقة إدارة الجامعة العربية وميزانيتها، غير أنَّ تناول قطان لهذا الخلاف وحديثه عن وضع الجامعة العربية بدا فجاً للجانب المصري والأمين العام للجامعة العربية الحالي أحمد أبو الغيط، والأمناء العامين السابقين، وكلهم من المصريين منذ عودة الجامعة إلى القاهرة في نهاية الثمانينيات.
ووصف الجامعة العربية بأنها “منظمة بلا أنياب”،وإضافة إلى طلبه تعديل النظام الأساسي، فإنه انتقد ما اعتبره إسرافاً في الجامعة وأعداداً كبيرة من الموظفين بها، مطالباً بإعادة هيكلة وإصلاح الجامعة العربية، ويُنظر إلى فكرة إعادة الهيكلة على أنها سوف تقلل عدد الموظفين المصريين، لأن مصر تخطَّت حصتها، إضافة إلى وجود عدد كبير من الموظفين غير المثبَّتين من المصريين.
وبدا أن قطان يحاول جلب السخط الشعبي العربي على الجامعة العربية عبر إبراز ضخامة رواتب العاملين فيها، قائلاً إن “الأمين العام لجامعة الدول العربية يتلقى أجراً شهرياً قدره 25 ألف دولار، ومتوسط ما يحصل عليه الأمين العام للجامعة العربية 70 ألف دولار”، (مستدركاً بأن الأمر لا يتعلق بأبو الغيط وحده).
وتابع قائلاً: “مرتب الموظف في أول السُّلم الذي يعمل بالجامعة العربية، يصل إلى 3600 دولار”.
واعتبر أن هذا استنزاف لمخصصات الجامعة العربية، قائلاً: “أنفقنا منذ تعييني إلى اليوم ملياراً و600 مليون دولار”. (لم يوضح هل هذا تمويل السعودية أم مجمل الدول العربية؟).
هل يصل الاختلاف إلى أزمة ؟
يشير حديث قطان إلى خلاف واضح بين الدولتين، قد تصل إلى أزمة بين السعودية ومصر، ولكن هذا لا يعني انفضاض التحالف بينهما على الأغلب، أو الفراق النهائي بينهما.
والدليل على ذلك أنه بعد حديث قطان، التقى الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية السعودي، نظيرَه المصري سامح شكري، على هامش اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته الـ155 العادية، والذي انعقد بمقر الجامعة العربية في القاهرة، الأربعاء، كما وافقت السعودية على التجديد للأمين العام الحالي أحمد أبو الغيط (المصري الجنسية)، الأمر الذي يؤشر إلى أن هناك حدوداً لهذا الخلاف.
كما أن كلا النظامين يرغب في نيل دعم الآخر في مشكلاته، ولكن دون تقديم مقابل كافٍ، ويبدو أن هذه الإشكالية تشمل الإمارات أيضاً، التي لم تقف مع مصر في أزمة سد النهضة، فيما لم تبدِ القاهرة أي دعم فعلي لأبوظبي في مواجهة إيران.
ومع المصالحة الخليجية وتهدئة الصراع مع تركيا، تبدو القضايا التي توحّد القاهرة والرياض تتراجع أهميتها لصالح المشكلات الحقيقية التي تواجه البلدين، فما زالت حرب اليمن مستمرة، وما زالت إثيوبيا تواصل تلاعُبها في أزمة سد النهضة، وهاهو تقرير خاشقجي يضيف أزمة جديدة للسعودية، فضَّلت القاهرة تجنُّب التدخل فيها؛ حتى لاينالها نصيب من الانتقاد الأمريكي لملفها المُتخم في مجال انتهاكات حقوق الإنسان.