سبتمبر بدلاً من مايو.. لماذا اختار بايدن هذا التوقيت للانسحاب من أفغانستان؟
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت بغزو أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، واتخذ القرار الرئيس جورج بوش الابن معلناً “الحرب على الإرهاب”، وطوال عقدين من الزمان تحولت أفغانستان إلى الحرب الأطول في التاريخ الأمريكي، وباتت توصف بأنها “حرب أبدية” بعد أن عجزت ثلاث إدارات سابقة عن اتخاذ قرار بالانسحاب من أفغانستان وتنفيذه بالفعل.
وعلى الرغم من الرئيس الأسبق باراك أوباما كان قد وضع الانسحاب من أفغانستان كهدف استراتيجي أساسي ترشح على أساسه وفاز بالرئاسة لفترتين (2008-2016)، فإنه فشل في تحقيق الهدف، والأمر نفسه تكرر مع الرئيس السابق دونالد ترامب (2016-2020)، وإن كان قد وقع اتفاقاً مع حركة طالبان والحكومة الأفغانية يقضي بانسحاب القوات الأمريكية بحلول الأول من مايو/أيار المقبل.
وبعد أن تولى جو بايدن منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أصبحت قضية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تمثل مأزقاً حقيقياً لإدارته في ظل عدم وجود خيارات تعتبر مقبولة لجميع الأطراف الأمريكية، في ظل الانقسام المستمر بين العسكريين والسياسيين من جهة والجمهوريين والديمقراطيين من جهة أخرى.
بايدن اتخذ خياره الخاص بشأن أفغانستان
تزامناً مع الذكرى السنوية للاتفاق الذي أبرمته إدارة ترامب مع حركة طالبان نهاية فبراير/شباط الماضي، أعلنت الحركة التزامها بتنفيذ كافة بنود الاتفاق الموقع في العاصمة القطرية، ومؤكدة في بيان لها أن أي محاولة للبحث عن بديل للاتفاق ستؤدي إلى فشل جهود السلام.
وكان بيان طالبان قد جاء رداً على تقارير أمريكية صادرة عن إدارة بايدن تفيد بأنها بصدد مراجعة الاتفاق والبحث في خيارات بشأن تعديله، أو ربما التراجع عن الانسحاب بشكل كامل، وأشارت تلك التقارير إلى أن الفريق الأمني والعسكري والسياسي لبايدن قدم للرئيس ثلاثة خيارات بشأن أفغانستان.
الخيار الأول هو الالتزام ببنود الاتفاق الذي وقعه ترامب، وهو ما يعني سحب باقي القوات الأمريكية وقوامها 2500 عسكري من أفغانستان، بحلول أول مايو/أيار، والخيار الثاني هو الدخول في مفاوضات مع طالبان للسماح بمد مهلة بقاء القوات الأمريكية وباقي قوات التحالف لعدة أشهر أخرى، أما الخيار الثالث فهو التملص تماماً من الاتفاق الذي وقعه ترامب، ومواصلة العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، بحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي.
وفي هذا السياق، أعلن بايدن أمس الأربعاء 14 أبريل/نيسان قراره بشأن الملف الشائك، إذ قال إن إدارته ستنهي تواجد القوات الأمريكية في أفغانستان بحلول سبتمبر/أيلول المقبل، وذلك في مؤتمر صحفي للكشف عن الموعد النهائي لانسحاب القوات الأمريكية المتبقية في أفغانستان.
وقال بايدن: “قواتنا ستنهي انسحابها من أفغانستان قبل أن نحيي ذكرى هجمات 11 سبتمبر (2001)”، مضيفاً أن سحب القوات “سيتم وفق جدول زمني، يبدأ في الأول من مايو/أيار الماضي”، وشدد الرئيس الأمريكي على أن “للأفغان الحق في حكم بلادهم”، لافتاً إلى أن “القوات الأجنبية لن تخلق حكومة مستقرة”.
وتابع: “حققنا الأهداف التي ذهبنا من أجلها إلى أفغانستان، وسنطلب من دول الجوار الأفغاني دعم الحوار بين طالبان والحكومة”، وهذه النقطة تحديداً تستحق التوقف عندها، إذ إن غزو أفغانستان جاء في سياق “الحرب على الإرهاب” التي تسببت في تشريد عشرات الملايين حول العالم، ودمار دول كثيرة في إفريقيا وآسيا.
كيف انتصر بايدن على جنرالاته؟
توقفت وسائل الإعلام الأمريكية عند إعلان بايدن الانسحاب النهائي من أفغانستان من حيث الشكل، حيث اختار الرئيس نفس الغرفة في البيت الأبيض التي كان جورج بوش الابن قد أعلن منها الحرب على أفغانستان في 2001، وقال بايدن إنه أجرى اتصالاً هاتفياً ببوش الابن معلناً اتفاقهما على أنه قد حان الوقت لإنهاء تلك الحرب بصورة نهائية.
أما من حيث المضمون، فقد ألقى تقرير لمجلة Politico الأمريكية الضوء على خلفيات اتخاذ القرار رصد موقف جنرالات وزارة الدفاع الأمريكية الرافض لانسحاب نهائي من أفغانستان وكيف أن موقف العسكريين بالأساس كان السبب في فشل أوباما ثم ترامب في تنفيذ ذلك القرار، لذلك وصف التقرير “قرار بايدن بأنه هزيمة للعسكريين”.
وبحسب التقرير نفسه، يرجع السبب الرئيسي لاختيار بايدن لويد أوستن وزيراً للدفاع في إدارته لالتزام الأخير بتنفيذ الأوامر التي يصدرها الرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، إضافة إلى أن أوستن كان قائداً للقوات الأمريكية في العراق وبارك قرار الرئيس الأسبق أوباما عام 2011 بالانسحاب من هناك وأشرف أوستن على عملية الانسحاب بشكل ممتاز.
كما رصدت شبكة CNN في تقرير لها نفس الموقف من جانب الجنرالات والذين كانوا يفضلون الإبقاء على بعض القوات الأمريكية في أفغانستان بصورة دائمة، مبررين ذلك بأن الحكومة الأفغانية لن تتمكن من احتواء حركة طالبان وأن الحركة سوف تسيطر على البلاد كما كان الحال هناك وقت حدوث هجمات سبتمبر/أيلول 2001 وهي الهجمات التي تبناها تنظيم القاعدة ورفضت الحركة وقتها تسليم قياداته إلى الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من إصدار البيت الأبيض تصريحات ينفي فيها اعتراض قيادات البنتاغون على قرار الانسحاب النهائي من أفغانستان، فإن تأكيد بيان البيت الأبيض على أن القرار صدر من جانب الرئيس بعد الاستماع لوجهات نظر العسكريين والسياسيين يشير بوضوح إلى وجود ذلك الاختلاف في وجهات النظر.
وعلى الجانب السياسي، أصدر زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل بياناً وصف فيه قرار بايدن الانسحاب من أفغانستان “بالخطأ الضخم”، في إشارة واضحة على أن قرار بايدن لا يحظى بإجماع داخل أروقة صنع القرار سياسياً وعسكرياً، وإن كانت استطلاعات الرأي تظهر تأييداً شعبياً واضحاً للانسحاب من أفغانستان.
ما فرص نجاح الانسحاب من أفغانستان هذه المرة؟
التصريحات الصادرة عن حركة طالبان تصب في مسار تمسك الحركة بتنفيذ الانسحاب الأمريكي نهائياً بحلول الأول من مايو/أيار المقبل، بحسب الاتفاق الموقع مع إدارة ترامب، وهذا أيضاً ما عبر عنه متحدث باسم الحركة عبر حسابه على تويتر بعد ساعات من إعلان بايدن سبتمبر/أيلول موعداً للانسحاب، وليس أول مايو/أيار.
كما أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً نددت فيه بإعلان بايدن ووصفته بانتهاك للاتفاق الذي وقعته الإدارة السابقة مع حركة طالبان، وفي السياق نفسه أعلن مسؤول في الحكومة الأفغانية استياء كابول من قرار الانسحاب الأمريكي ووصفه بأنه قرار يتسم بـ”الأنانية”، بحسب تقرير لموقع دويتش فيله الألماني.
لكن كثيراً من المراقبين يرون أن ردود الفعل الصادرة حتى الآن عن طالبان وموسكو وحتى الحكومة الأفغانية تعتبر طبيعية ومتوقعة، مقللين من فرص إقدام طالبان على مهاجمة القوات الأمريكية بعد الأول من مايو/أيار كرد فعل على عدم الالتزام الأمريكي بالاتفاق الموقع مع الإدارة السابقة، إذ إن ذلك قد يؤدي إلى وقف عملية الانسحاب وإرسال المزيد من القوات الأمريكية هناك على الأرجح.
ويدلل أصحاب هذا الرأي على ما أعلنه بايدن نفسه عندما قال إن عملية الانسحاب ستبدأ في الأول من مايو/أيار وتكتمل قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وهو ما يمثل مخرجاً -ولو شكلياً- أمام الإدارة الأمريكية للقول إن تأخير إكمال عملية الانسحاب ليس تراجعاً متعمداً عن الاتفاق بقدر ما هو ناتج عن إجراءات لوجستية تتعلق بضمان إكمال عملية الانسحاب بشكل منظم، ومن أجل مزيد من التنسيق مع الحلفاء في الناتو، على أساس أن قرار الانسحاب اتخذته إدارة ترامب دون القيام بالتنسيق مع الحلفاء.
ومن ناحية طالبان، فإن الحركة على الأرجح ستفضل القبول بذلك الطرح الأمريكي في ظل وجود موعد محدد لإكمال عملية الانسحاب، على أن تشعل الأمور بمهاجمة القوات الأمريكية على الأراضي الأفغانية، بحسب المراقبين.