إخوان السودان وسيف التاريخ.. شعارات باسم الدين لامتلاك الدنيا (2)

فيما لا يزال غبار الثورة السودانية الجارفة ضد حكم تنظيم الإخوان عالقا في الأفق، يعوق رؤية المستقبل، يبدو ماضي البلد أكثر وضوحا.

وأمام سيف التاريخ تقف جماعة الإخوان بعد سقوطها وقد تعرت من ورقة السلطة التي أخفت خلفها لعقود دورها الأسود في إفقار السودان وتجريفه وحبك أزماته التي قادت إلى حرب أهلية اكتوى

وعبر سلسلة من التقارير تنقب “العين الإخبارية” في مسيرة الإخوان، لكشف الأقنعة عن سوءات التنظيم الإرهابي الذي أحال حياة الشعوب إلى جحيم في العديد من البلدان وبينها السودان.

وتفكك الحلقة الثانية من السلسلة بعض الشعارات الرنانة التي استخدمتها الجماعة مكرا وخداعا للسودانيين، لاستغلالهم باسم الدين لتحقيق أجندة دنيوية.

“لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء”.. كان أول الشعارات المخادعة التي أطلقها إخوان السودان لحظة وصولهم إلى الحكم في يونيو/ حزيران 1989، عبر الانقلاب العسكري، ضد الحكومة المنتخبة برئاسة الراحل الصادق المهدي.

وقد أطلق إخوان السودان هذا الشعار في محاولة لخداع البسطاء من عامة الناس للالتفاف حولهم ودعم حكمهم، بينما يتفرق الحكام الجدد للإقبال على الدنيا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بحسب ما تكشف لاحقا من حقائق

وقد لخص أحد “ظرفاء المدينة” في البلد المكلوم، هذه المفارقة بقوله “الكيزان أدخلوا السودانيين المساجد ودخلوا هم السوق”.

وكانت 3 عقود قضاها التنظيم الإرهابي في السلطة بالسودان كفيلة بفضح هذه الشعارات الزائفة بعد تفريق منسوبي الجماعة لكنز الأموال، وتشييد البنايات وامتطاء الفارهات، في ممارسات دنيوية بحتة، تناقض أنشودة “لا لدنيا قد عملنا”.

وكشفت لجنة تفكيك الإخوان المجمدة خلال العامين الماضيين، أبشع صور الفساد والثراء الفاحش الذي مارسه قادة الجماعة، إذ وجدت أن أمين الحركة الإسلامية السياسية المكلف حاليا علي كرتي، يملك 99 قطعة أرض في أحياء راقية بالخرطوم، ونائب البشير، علي عثمان محمد طه يحوز منزلا بملايين الدولارات، والقيادي عبدالباسط حمزة فاقت ثروته المليار دولار.

وهذه نماذج فقط لأشكال الفساد الذي مارسه تنظيم الإخوان والذي تكشف عبر لجنة تفكيك التمكين، إذ شكل كنز الأموال والثراء هدفا خفيا لمنسوبي هذه الجماعة، بخلاف ما ترفعه من شعارات مخادعة، وفق خبراء.

يقول المحلل السياسي المتابع لنشاط إخوان السودان، علي الدالي، لـ”العين الإخبارية”، إن “الإخوان لم يفعلوا شيئا من أجل الدين طوال فترة حكمهم، بل على العكس تماماً كل شيء فعلوه كان من أجل الدنيا، بدءاً من مقولة (اذهب إلى القصر رئيسا وسأذهب للسجن حبيسا)، وهي كذبة يحرمها الشرع”.

وأوضح أن “كل أفعال الإخوان خلال فترة حكمهم كانت ضد الإسلام وضد الدين”، معددا منها “الفصل والتشريد من الخدمة المدنية، لصالح مشروع التمكين الكبير الذي ابتدعوه لصالح جماعتهم، على حساب الخبرات والكفاءات”.

وذكر أن “الفصل تسبب في ظلم عدد كبير من السودانيين الذين أخرجوا من وظائفهم، وهذا بالتأكيد ليس من أجل الدين وإنما لأجل الدنيا”.

وتابع: “الإخوان أثروا عن طريق التمكين في مفاصل الدولة ثراءً فاحشا، وتزوجوا مثنى وثلاث ورباع، وكان ذلك أكبر هزيمة لشعار لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء”.

وظلت رائحة البارود والدم تفوح طوال سنوات حكم الإخوان في السودان، التي امتدت نحو 30 عاما، حيث كان ديدنهم مواجهة الخصوم السياسيين بالرصاص والتعذيب بآلات صلبة حتى الموت.

ويقول علي الدالي: “ليس في هذه الأفعال شيئا من الدين وليست لها علاقة بالإسلام، وإنما كانوا يفعلون وفق أيديولوجيا الإخوان المنافية للعقيدة الصحيحة والدين القويم، لقد قتلوا 28 ضابطا في نهار رمضان، ودفنوهم في مقبرة جماعية، وتم استخراج رفاتهم بعد الثورة”.

وأوضح أن “إخوان السودان ابتدعوا قوانين مخالفة للدين وللشريعة الإسلامية، لأجل تمكين أنفسهم من الدنيا”.

وتابع: “ظهرت في عهدهم البينة المنتجة من إجراءات خاطئة، مثل الكمين واقتحام المنازل وانتهاك خصوصية السودانيين بواسطة قوات الأمن والشرطة، وهي أشياء مخالفة للشريعة ومحرمة بالأدلة”.

كذلك أقر الإخوان في السودان مواد ونصوصا بقانون الأحوال الشخصية تتعارض مع نصوص قطعية الثبوت والدلالة في الشريعة الإسلامية، وفقا للدالي.

وتابع: “لم نر طوال سنوات حكمهم تطبيقا للشريعة الإسلامية، وإنما كل أعمالهم كانت هدما للدين، وتجريفا للتدين الاجتماعي في نفوس السودانيين، لصالح أيديولوجيتهم التي لا علاقة لها بالإسلام، هؤلاء لا إخوان ولا مسلمون، وممارساتهم تؤكد ذلك، لقد فعلوا كل شيء مخالف للدين والأخلاق من أجل تثبيت قواعد حكمهم”.

وخلال 30 عاما من حكم إخوان السودان، ارتبطت تجربتهم بدعم الإرهاب العابر للقارات، وأدخلوا السودان في لائحة العقوبات الأمريكية التي لم يخرج منها إلا بعد سقوط النظام الإخواني في أبريل/نيسان 2019 بثورة شعبية.

ويقول المحلل السياسي، شوقي عبدالعظيم لـ”العين الإخبارية” إن “تاريخ إخوان السودان حافل بممارسة ودعم الإرهاب، وهو بالتأكيد من الممارسات التي لا يقرها دين”.

وأشار إلى تورط إخوان السودان في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عام 1995، في عملية إرهابية كلفت البلاد ثمنا باهظا، من خلال توتر العلاقات بين البلدين في ذلك الحين.

كذلك أشار عبد العظيم إلى تورط النظام الإخواني في تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في أغسطس/آب 1998، وتسببه في مقتل العشرات، بجانب تفجير السفينة الأمريكية المسماة “المدمرة كول” في خليج عدن عام 2000، ما أسفر عن مقتل 17 شخصا.

وأوضح شوقي أن “جميع هذه الأفعال لا علاقة لها بالدين الذي ادعى إخوان السودان العمل لأجله، لا لأجل الدنيا، وفق شعارهم المخادع”.

وقد أماطت لجنة التفكيك وإزالة تمكين نظام البشير، التي تشكلت في عهد حكومة عبدالله حمدوك الانتقالية، اللثام عن شبكة شركات يملكها النظام الإخواني ويخصصها لدعم وتمويل الإرهاب وقتل الناس.

وفي هذا الجانب يشير علي الدالي إلى أن لجنة التفكيك كانت قد كشفت هذه الشبكة ومنها شركات بواجهات مختلفة بعضها يعمل في السياحة، وجميعها مرتبطة بتمويل الإرهاب، وهو أمر مخالف للدين والشريعة الإسلامية وإنما من أجل تكريس الحكم الدنيوي.

وتابع: “الإخوان الآن من أغنى الناس في السودان، ولديهم شركات تعمل في جميع المجالات ويتحكمون في السوق ويحتكرون السلع”.

وأوضح شوقي عبد العظيم أن “شعار “لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء” ينم عن تحايل كبير على الدين، لأن السلطة والحكم أصلا للدنيا”، موضحا أن “المواطنين لا ينتظرون من حكومتهم إدخالهم الجنة وإنما توفير الخدمات والرفاهية في الدنيا”.

وتابع: “أوهموا الناس بالشعارات الدينية وصرفوهم عن المطالبة بحقوقهم في الخدمات، بينما هم حققوا ثراء فاحشا وصنعوا اقتصادا موازيا للدولة”.

وأشار إلى أن “علي عثمان محمد طه، نائب البشير، كان قد تحدث أمام البرلمان بأن راتبه فقط بضع جنيهات، ولكن عقب سقوط النظام الإخواني اكتشفت لجنة تفكيك نظام البشير، بأن طه يمتلك منزلا تبلغ قيمته ملايين الدولارات”.

وأكد شوقي عبد العظيم أن شعار “لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء” استخدم في قتل آلاف الشباب السودانيين فيما عرف بـ”الحرب المقدسة” في جنوب السودان، ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان.

وكان النظام الإخواني منذ وصوله إلى الحكم في السودان قد حول تمرد الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب قبل الانفصال، إلى حرب دينية.

وباسم الدين، فوج آلاف الشباب إلى ساحات الحرب، بـ”الترهيب والترغيب” بدخول الجنة، وفق خطاب “لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء”.

وأضاف عبد العظيم: “أطلقوا هذا الشعار لأن الشعب السوداني متدين بطبعه، ويمكن التأثير عليه بالخطاب العاطفي البسيط، وهو ما كان حيث تواترت الشعارات الدينية لمخاطبة مشاعر السودانيين واستغلال عاطفتهم الدينية مكرا وخِداعا لتحقيق أغراض دنيوية”.

وتابع شوقي: “قالوا للسودانيين إننا سنحكم العالم كله باسم الإسلام، وفق شعار أمريكا روسيا قد دنا عذابهما، في أكبر عملية خداع واستغلال باسم الدين”.

وأشار إلى أن “مخرجات كذب الإخوان وتجارتهم بالدين طوال 30 عاما كانت شبابا محبطا ونافرا من الدين، بعد أن ارتبط في ذهنه بالخداع والكذب، وفق ممارسات هذا التنظيم الإرهابي”.

وفيما بعد أصبحت قصص وحكايات الإخوان المخادعة خلال حربهم المقدسة في جنوب السودان، خير زاد لشباب ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 وهم يواجهون آلة قمعه بالهتافات السلمية، حتى أسقطوا رأسه في أبريل/نيسان من العام 2019، وما زالوا مستمرين في ثورتهم لتطهير أذياله في السلطة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.