إستراتيجية الغرب الإستعماري، بقيادة أمريكا وإسرائيل، نحو السودان

لم يدخل السودان ( وطن المكرمات، وموئل السماحات ) في تاريخه الطويل، متاهة ظلماء موحشة، كالتي يتوحَّل في مستنقعها الآسن، الآن وللعام الرابع، منذ أن سقط حكم الإنقاذ، برئاسة المشير، عمر البشير !!!
لقد انبهمت تماما في أجواء هذا التيه المعالم، وفقدت الأضواء الكاشفة للسائرين والعاملين، وغابت الوجهة أمام المُدلِجين، (وضاعت القبلة لدي الحاكمين وعامة المواطنين) !!!
وفي ذروة دورة هذه الدوامة الطاحنة، فقدت البلاد جواهر مقوماتها، وهويتها، ومشتركاتها، وثوابتها، وغالي أمنها وسلامها، وضروريات عيشها، واستقرارها، وقرارها، واستقلالها، حتى بدت لأهلها ( شبه عارية؛ من جلال حشمتها، ورفيع حيائها، وحسنة وقارها، ورزانة هيبتها، ورسوخ شموخها وعزتها، التي طالما عرفت بها، بين أهلها وسائر العالمين) !!!
في ظل ذلك الركام المهول، من الفشل، والتردي، والإخفاقات، ومع تعاظم المخاطر علي الحاضر والمآلات، تتضاعف المسؤولية الوطنية علينا جميعا كمواطنين، ألا نستبقي من القول الصادق الصريح، وألا ندخر من الراي الأمين الواضح الجريئ شيئا ( من أجل هذا الوطن، السودان، الذي له في رقابنا جميعا أيادي سلفت، ودين مستحق).
لا مراء أن تحالف قوى الحرية والتغيير، يتحمل العبء الأكبر من مأساوية الفترة الإنتقالية، وما لازمها من فوضى عارمة، وعشوائية مدمرة، أهملت قضايا المواطنين اليومية المباشرة المتعلقة بالمعيشة والخدمات، ( وبالأمن والسلام؛ الفردي، والأُسَري، والمجتمعي ) في ظل غياب كامل لخطة وميزانية، تحكمها رؤية كلية، للفترة الإنتقالية ومتطلباتها !
وقد كان متوقعا ومطلوبا ( من أجل هذا الشعب الذي أنهكته قسوة المعاناة، علي أيدي حكومة وقيادة، قوى الحرية والتغيير ) أن يجري تصحيح لذلك المسار الخاطئ المتعثر، في ظل انسداد كامل للأفق، أمام الجميع !!!
وجاءت حركة التصحيح التي قادها البرهان، وسط أجواء مفعمة بالترحيب، وحسن الإستقبال، وعالي الأمل، سادت غالب أهل السودان !!

في ضوء الحقائق والمعلومات، التي عايشها الجميع، وفي ظل التوقعات والمستجدات، والآمال والرجاءات، التي يتطلع الجميع لقطف ثمارها، والتي أرى أن نتائجها اليوم، أضحت مخاوف مرئية، لكل ذي بصر وبصيرة؛ بل وأن تحدياتها المقلقة الماثلة، تصادف وجود ( البرهان علي رئاسة الدولة السودانية، والقيادة العليا للمؤسسات القومية النظامية، العسكرية والشرطية والأمنية جميعا) من جهة، بينما الوطن المستهدف يعاني جراحا نازفة، وانهيارا شاملا، وانقساما وتشظيا حادا، في ظل صراع محتدم، شاغل وملهي، لمكوناته وتشكيلاته، من جهة أخرى !!!
ولعل من سوء طالع السودان المستباح، أن يكون على قيادته وهو يعاني أقسي محنته، شخص البرهان، الذي بكل صراحة ووضوح ( لا يملك المتطلبات اللازمة، لقيادة سفينة السودان، لما بقي من الفترة الإنتقالية، ومواجهة التحديات الكبرى، التي تهدد أمن الوطن وسلامته، ووحدة ترابه وشعبه، واستقراره، وتنميته، وقراره، واستقلاله، وأنه لا يقوى أيضا على التصدي الضروري والفوري، لمشروع التآمر المكشوف والمستتر، الذي يستهدف تفكيك القوات المسلحة خاصة، والأجهزة الشرطية، والأمنية النظامية القومية كافة) !!!
وها هي بعض الأسباب والعوامل العديدة والمتنوعة، لذلك :

  • برغم ما هو ثابت ومعلوم من أن ضباط القوات المسلحة خاصة، والأجهزة النظامية الشرطية والأمنية عامة، يخضعون لدورات أساسية، من بينها مواد تختص بمضمار علوم الإستراتيجية عامة، والعسكرية خاصة، إلا أن المقصود هنا عدم توفر ( البرهان كرئيس للدولة وقائدها العام ) علي الفهم (العميق) ” لخلاصة الدروس والعبر المستفادة، من تاريخ السودان القديم عامة، وإبان الدورة الإستعمارية البريطانية الخديوية، وعبر الإستقلال إلى اليوم خاصة، فضلا عن عدم إدراكه لتضاريس، ومنحنيات، واشتباكات خارطة المسرح السوداني المعقد، من تلقاء طبيعة وخصائص (وعلل وأدواء) مكوناته الأهلية، والطائفية، وتشكيلاته النقابية، ومنظماته المجتمعية، ( وأحزابه السياسية، وحركاته العرقية والجهوية، المتناسلة والمتكاثرة، على نحو يفوق الوصف والعد ) إلى جانب عدم درايته بحقيقة أوزان تلك المكونات وأقدارها بين الجمهور، في سائر أنحاء البلاد، مع جهله بإمكانياتها، وبمدى درايتها بواقع السودان، في ظل انعدام معرفته اللصيقة بتلك القوى ورؤاها، وبرامجها، واهتماماتها، وبقواعدها، وقياداتها، وبمدي حظها من المهارات الفنية والإدارية، وبقدراتها الفعلية والعملية، على حسن تدبير وترتيب أمور الوطن، بعيدا عن التهريج، والإرتجال، وعن العشوائية، والإدعاءات اللفظية، التي ظلت تبثها، تلك الجهات في الأجواء السوداء، التي سادت الساحة السودانية، منذ نجاح الإنقلاب على الإنقاذ، والذي برز خلاله نجم البرهان وقتها !!
  • عمومية وفوقية وسطحية الفهم والإحاطة، باستراتيجية ( الغرب الصليبي الإستعماري الصهيوني، الأوربي الأمريكي الإسرائيلي ) التاريخية والمتجددة، نحو العالم الإسلامي عامة، ونحو الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا خاصة ؟!!
  • ضبابية وغبش استيعاب (خطة ورؤية الغرب، بقيادة أمريكا وإسرائيل) بالإستخدام المشين ( لمصر، والسعودية، والإمارات، والعراق وسوريا، وإيران) لزعزعة أمن، واستقرار، ونهضة تلك المنطقة عالية الأهمية، وذات الموقع الجيوبوليتيكي الإستراتيجي الفريد، والسيطرة على ثرواتها الهائلة، ومقتنيات إرثها الغني، ( في ذات الوقت الذي يجري فيه استخدامهم ضد بعضهم، ترغيبا وترهيبا، إإلى جانب توظيفهم جميعا لخدمة جوهر الأطماع الإستعمارية الغربية، غير المشروعة، وذات الأغراض الخبيثة تجاه السودان ) !!!
  • فقدان الوعي (بدقائق غايات) إستراتيجية الغرب الإستعماري، بقيادة أمريكا وإسرائيل، نحو السودان خاصة (من وراء) ما قد يكون معلوما وشائعا لدى المهتمين، عن عظم وتنوع ثروات بلادنا البكر، ومحيطها الجواري المهم، وموقعها الإستراتيجي الحاكم، فضلا عن (سماتها ومقوماتها الأفريقية، والعربية، والإسلامية، التي تجعل دور السودان فاعلا، في تلك الأوساط والدوائر كافة
  • ** في عهد (البرهان) ( ارتكب حمدوك، رئيس وزراء “الثورة” الخيانة العظمي لوطنه ) بتنفيذ خطة الغرب الإستعماري، المقدمة بيدي سفيري بريطانيا وألمانيا، وذلك من خلال خضوع حمدوك للأمر الصادر منهما ( بإعادة إصدار خطابهما من مكتبه، باعتباره رئيس وزراء السودان، مطبوعا على أوراقه الرسمية المروَّسة، وبتوقيعه، وختمه، وتحويل ذلك الخطاب لسفير السودان المعتمد لدى رئاسة الأمم المتحدة في نيويورك، وتسليمه إلى الأمين العام، بطلب التدخل في السودان، تحت مظلة قرار يصدر من مجلس الأمن (بقصد إدارة شؤون البلاد وصاية) كما تكشَّف في القرار الخطير 2425 حيث لا يزال الوطن ضحية تلك الخيانة، التي جرت وقائعها ( تحت سمع وبصر ومرأى البرهان، رئيس الدولة، وقائدها العام، ودون مجرد مساءلة، ناهيك عن محاكمة) !!!

*** ومع كل هذه الأهوال المفزعة، والأوضاع المتفجرة، ومصائر الوطن المستهدف المرعبة، يتولى الناشطون العابثون (بين يدي القائد العام البرهان) وعلى مسمع منه ومرأى، يتوَلّون حملات التشنيع، وتصويب السهام الدقيق على ركائز (المشتركات الوطنية) وأركان (الثوابت الدينية) ومرعيات (الأعراف المجتمعية) الممسكة بوحدة الوطن القومية، والملهمة لتوجهاته الإستراتيجية، التي هي واسطة عقد (العواصم من القواصم) التي لا يمكن، ولا ينبغي السماح لبعض الناشطين، من غلاة العقائديين المتطرفين، ولا لسواهم، كائنا من كان (( المساس بها، أو التشكيك فيها، أوفي مرجعيتها، أو السعي لتغييرها، أو إلغائها )) (( في فترة إنتقالية، إلا بعد استفتاء عام للشعب، صاحب السلطة والقرار، أو على يد حكومة وبرلمان منتخبين في انتخابات حرة ونزيهة، ومراقبة، إقليميا ودوليا )) !!!

***
ولكن ما يستوجب النظر الآن، وفي هذه اللحظات الختامية، هو أنهم، ينتفعون اليوم غاية الإنتفاع بما قاموا به من قبل، وهو أخطر على البلاد من مجرد الفصل، وذلك (لأنهم كانوا قد ملأوا تلك المواقع الإستراتيجية والمفصلية، في الدولة وأجهزة الحكم الحيوية وقتها ((بأهَمّ عناصرهم، وأعتى كوادرهم (غير المعروفة للعامة ) في الوزارات، وفي جهاز الخدمة المدنية، ومؤسسات الدولة، ودواوينها، وسائر مرافقها، وفي ( مجالات الخدمات الأساسية، خاصة الماء، والغذاء، والدواء، والكهرباء ) !!!
وهؤلاء هم الذين ظلوا يفشون أسرار الدولة، ودقائق معلوماتها، للفضائيات والإسفيريات، ولبعض الجهات الإستخبارية، ولسفارات بعض الدول الأجنبية، وفق ما هو مطلوب !!!

*** ولعل من أخطر التطورات التي أضحت مرئية للعامة قبل الخاصة، وضجّ منها الشعب السوداني الأبيّ، ولم تعد تحتاج للإيضاح أو لطويل بيان، أو لمجادلات، تلك التدخلات الخارجية الكثيفة، والإملاءات المهينة والمخيفة، وغير المسبوقة، في أخص شؤون الوطن الداخلية والخارجية، والتي باتت تأتي من بعض دول الجوار، والإقليم، والعالم، بل ومن ممثل الأمم المتحدة، فولكر بيريتس على وجه أخص، (حتى هان أمر السودان أمام العالمين، بل أمام كل رويبضة، جهول، حقير ) !!!

مهدي ابراهيم

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.