الأحزاب ولجان المقاومة.. علاقة من العسل إلى صراع حول السلطة

تبدو العلاقة بين الأحزاب السياسية وتحالفات قوى الثورة من جهة، وبين لجان المقاومة السودانية من جهة ثانية، متشابكة ومعقدة وقابلة في كل الأوقات للمد والجزر رغم تطابق الأهداف ظاهرياً.
منذ اندلاع شرارة الثورة السودانية في ديسمبر 2018، وتشكل تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، بدأت علاقته بلجان المقاومة في أبهى صورها، حيث شكلت اللجان ذراعاً ميدانية لتحريك الشارع ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير حتى سقوطه في 11 أبريل 2019، لكن سرعان ما بدأ شهر العسل في الانهيار، وتدحرجت كرة الثلج حتى وصلت قمتها في السادس والعشرين من الشهر الماضي، حينما دعت قوى إعلان الحرية والتغيير “المجلس المركزي” إلى موكب تحت اسم موكب (السودان الوطن الواحد) وحددت وجهته النهائية إلى “باشدار”، وهدف الموكب إلى إدانة أحداث العنف القبلي التي شهدتها ولاية النيل الأزرق ومناطق سودانية أخرى كانت محصلتها مئات الضحايا من القتلى والمصابين.
لجان مقاومة الديوم الشرقية وهي واحدة من أنشط اللجان في الخرطوم، لم ترضها الدعوة وأصدرت بياناً أعلنت فيه أنها لن تسير خلف قوى الحرية والتّغيير في أي من دعواتها، وقالت: “كل من يرغب في المشاركة في الفعاليات الثورية فمرحباً به ثائراً وليس قائداً”، ولم ينته موقف لجان مقاومة الديوم عند ذلك الحد، لكن بعض عضويتها تصدى لموكب الحرية والتغيير بالغاز المسيل للدموع والاعتداء على المشاركين من سياسيين وإعلاميين جاءوا لتغطية الموكب بالضرب والتنكيل، ليكون المشهد يومئذ معبراً عما وصلت إليه العلاقة بين لجان المقاومة والأحزاب السياسية خصوصاً تحالف الحرية والتغيير، ما يفرض أسئلة على شاكلة: لماذا وكيف ولما ذلك التضاد؟ وهل ثمة استقطابات حزبية تدير تلك المعركة؟ وقبل ذلك يعاد سؤال التعريف بلجان المقاومة.

أكثر تنظيماً:
نشأت لجان المقاومة في 2012م وكان أفرادها محدودين وتحيط نشاطها بسياج من السرية، لأن النظام السابق وأجهزته الأمنية كان قاسياً جداً في تعاطيه مع الأنشطة المعارضة له، وبعد احتجاجات شعبية قوية في سبتمبر 2013، بمختلف أحياء الخرطوم التي قتل فيها العشرات، تصاعد دور لجان المقاومة التي دعمت بلا مواربة عصياناً مدنياً نُفّذ العام 2016م.
في بداية ثورة ديسمبر كانت لجان المقاومة أكثر تنظيماً، وعملت بتنسيق مع تجمع المهنيين السودانيين دينمو الحراك حتى إسقاط نظام الإنقاذ، وتشكيل هياكل السلطة الانتقالية 2019، ومنذ ذلك الوقت دخلت العلاقة بين لجان المقاومة والحرية والتغيير نفقاً مظلماً بسبب اعتقاد اللجان بتباطؤ حكومة الحرية والتغيير في تحقيق أهداف الثورة وشعاراتها، وفي أكثر من مرة نظمت لجان المقاومة مواكب احتجاجية ضد الحكومة وتحالفها الحاكم حتى وقوع انقلاب “25 أكتوبر” الماضي.
ويقول عضو لجان المقاومة أسامة عمر لـ(السوداني) إن نشأتها كانت أقرب إلى نشأة لجان الأحياء، وتطورت فيما بعد وبدأ تشبيك مع لجان أخرى اشتهرت بحراك ثوري مثل بري والجريف شرق وشمبات وغيرها، وفي سبتمبر 2013م عندما قتل النظام السابق عدداً كبيراً من الشهداء مثّل الأمر صدمة كبيرة للجان المقاومة، وبدأت تنظم نفسها لمناهضة النظام الدكتاتوري.

الشعارات الموحدة :
سقط النظام، ثم سقط النظام الجديد بانقلاب “25 أكتوبر”، وعلى عكس كل التوقعات الخاصة بإعادة اللحمة بين مكونات الثورة، ارتدّت العلاقة بين الحرية والتغيير ولجان المقاومة إلى الأسوأ رغم الشعارات الموحدة لإسقاط الانقلاب، وانعدمت الثقة تماماً وما حدث في نكبة “باشدار” حدثت قبله كثير من الوقائع، في حين لم ييأس تحالف الحرية والتغيير من إعادة ود العلاقة، ونجح إلى حد ما في كسب ود عدد من اللجان المناطقية، وبعد الانقلاب أصبحت لجان المقاومة هي القائد للحراك في الشارع، ومتمسكة بالتغيير الجذري وعودة الحكم المدني الديمقراطي، ويتوافق طرحها مع بعض الأحزاب السياسية، لكن لديها موقفاً مع بعض الأحزاب والقوى السياسية التي ساهمت حسب تقديرها في منح العسكر فرصة الانقلاب.
هذا الوضع، والتماهي بين لجان المقاومة، جعل البعض يظن أن اللجان اختُطفت بالكامل لمصلحة قوى التغيير الجذري وعلى رأسها الحزب الشيوعي، لكن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف، قال لـ(السوداني) إن لجان المقاومة مستقلة ولا يمكن أن يتم استقطابها، مستدركاً: “لكن ما يثير تلك الأقاويل هو أنه وفي بعض الأحياء غلب انتماء أعضاء اللجان لحزب من الأحزاب ما أظهرهم كأنهم يسخرون اللجان لمصلحة ذلك الحزب”.
وأكد يوسف أن لجان المقاومة تقود الحراك في الشارع لإسقاط انقلاب “25 أكتوبر”، وأنها لعبت دوراً في التحول المدني الديمقراطي، وقدمت تضحيات كبيرة، مشيراً إلى استهداف أعضائها وقتلهم في المواكب، ويُقيّد البلاغ ضد مجهول.
في حين يقول الناطق باسم لجان مقاومة الخرطوم عمر زهران في تصريح لـ(السوداني): “ليس لدينا تحالف أو علاقة هيكلية مع الأحزاب السياسية”، مشيراً إلى أنه توجد إجراءات بناء ثقة مطلوبة من كل القوى السياسية حسب ميثاق سلطة الشعب، من بينها النقد الذاتي وكيفية إسقاط الانقلاب وتقديم رؤية لما بعد الانقلاب لإدارة الفترة الانتقالية، لافتاً إلى أنه ليست لديهم أية علاقة مع الأحزاب التي تدعو إلى التشاور مع الأحزاب والقوى السياسية التي دعمت انقلاب “25 أكتوبر”. وأضاف إن الشعب السوداني قام بثورات عظيمة لاسترداد الديمقراطية، ونهدف إلى كيفية تحصين البلاد من الانقلابات، وهذا لا يمكن أن يتحقق بوجود مكون أو حزب سياسي واحد.

أي صراع؟
مع التطور في تفكير لجان المقاومة وتبنيها مشاريع سياسية مثل ميثاق سلطة الشعب، برزت كمنافس قوي للأحزاب السياسية وتجاوزتها، ويرى عضو مقاومة النيل الأزرق صالح عيسي (الراعي) أن الخلاف بين لجان المقاومة والأحزاب السياسية ليس في السلطة، لكن في وجهات النظر وكيفية إدارة الدولة، وتعمق الخلاف أكثر مع بعض الأحزاب السياسية التي ترعى ضرورة وجود العسكر في المشهد السياسي، فيما تطالب لجان المقاومة بحكم مدني كامل، وتستخدم الوسائل السلمية من أجل تحقيقه.
الراعي أشار إلى أن الأحزاب السياسية تعتقد أن لجان المقاومة ليست منظمة ولا يمكن أن تحقق الثورة، وتعدها أداة لإسقاط الحكومات الدكتاتورية أو الانقلابات العسكرية، ويتهم الأحزاب السياسية بأن همها السلطة فقط، ولا يهمها أن تكون الدولة عسكرية أو مدنية، مشيراً إلى تمسك لجان المقاومة بتحقيق شعار ثورة ديسمبر المتمثل في الحرية والسلام والعدالة.

مجموعات ضغط:
يتساءل كثيرون في ظل ضعف الأحزاب السياسية وإصرارها على استخدام أدوات العمل القديمة، هل يمكن أن تحل لجان المقاومة مكانها؟ خاصة أنها أثبتت وقوفها مع مطالب الشارع السوداني في تحقيق التحول المدني الديمقراطي.
الناطق باسم لجان مقاومة الخرطوم عمر زهران قال لـ(السوداني) إن لجان المقاومة لا يمكن أن تحل محل الأحزاب السياسية، مشيراً إلى أنها مجموعات ضغط سياسي وتملأ الفراغ الموجود في الفضاء المدني لتحقيق التوازن المطلوب، موضحاً أن خروجها عن هذا الدور مضر بها وبالأحزاب السياسية، وقال إن تمدد لجان المقاومة في الفترة الأخيرة جاء نتيجة لضعف الأحزاب السياسية وعجزها عن القيام بدورها، مشيراً إلى أن الأحزاب بطبيعتها تبحث عن السلطة، ولجان المقاومة أجسام غير سلطوية تضغط على السلطة لتحقيق مطالب الشعب، وتساءل: إذا لعبنا دور الأحزاب فمن سيضغط على السلطة؟

مستقبل العلاقة:
أستاذ العلوم السياسية صلاح الدومة، أشار في تصريح لـ(السوداني) إلى أن العلاقة بين لجان المقاومة والأحزاب السياسية إحلالية استبدالية، لكن لجان المقاومة هي الأقوى والكل بدأ يخطب ودها بما فيهم الأحزاب السياسية، وأصبحت رقماً لا يمكن تجاوزه ويُعطى قدراً عالياً من الاعتبار، وقال: “سيكون لها مستقبل أفضل من الأحزاب السياسية، ومستقبلاً ستتحول إلى حزب سياسي راديكالي يكتسح الساحة السياسية”.

بعد أشهر من الاتهامات المتبادلة والمعارك الصامتة والمعلنة، يؤكد مراقبون أن الهوة بين الحرية والتغيير ولجان بدأت في تذايد واضح وأصبحت لجان المقاومة لا تعترف بالقحت ولا باقي الأحزاب السياسية الأخرى وهنالك أصوات تدعو إلى تكوين حزب خاص بالشباب.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.