قصة الأوكسجين الطبي المنقذ من كورونا وكيفية تجنب نقصه
تكررت حوادث نقص الأوكسجين أو نفاده ما تسبب في وفاة مرضى بكورونا، في مصر والأردن ودول أخرى، ومع التفشي المفزع للفيروس في الهند تصدر “النقص الحاد في الأوكسجين” المشهد، فما قصة الأوكسجين الطبي؟
وبعد أن كشفت الموجات الجديدة من وباء كورونا أو “كوفيد-19” في بلدان مثل الهند وكينيا عما وصفه، وقبلهما في دول عربية أبرزها مصر والأردن، عما وصفه كثيرون بسوء إدارة إمدادات الأوكسجين، أصبح البحث عن معلومات بشأن الأوكسجين الطبي وأنواعه وطرق توصيله للمرضى يتصدر المشهد حالياً في كثير من البلاد.
كوارث نقص الأوكسجين
ففي مطلع الأسبوع ومع تحول الوباء في الهند إلى حالة من التوحش في انتشاره، إذ سجلت الإصابات اليومية أرقاماً قياسية غير مسبوقة في أي دولة منذ تفشي فيروس كورونا خارج الصين مطلع العام الماضي، تحركت كثير من دول العالم لنجدة نيودلهي – مصنع اللقاحات في العالم.
وتصدرت أزمة نقص الأوكسجين المشهد في الهند، فبدأت بريطانيا منذ الأحد 25 أبريل/نيسان في إرسال أجهزة التنفس الصناعي وأجهزة تركيز الأوكسجين، ووصلت الشحنة الأولى من تلك المساعدات إلى الهند الثلاثاء، وشملت 495 مكثفاً للأكسجين، التي يمكنها استخراج الأوكسجين من الهواء عند نفاد أنظمة الأوكسجين بالمستشفى، بالإضافة إلى 120 جهازاً للتهوية غير الغازية و20 جهازاً يدوياً للتهوية، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وكانت مصر قد شهدت مطلع العام الجاري أيضاً أزمة كبيرة في الأوكسجين الطبي بعد انتشار مقاطع فيديو صادمة لوفاة مرضى بالوباء في العناية المركزة في مستشفيين بمنطقة الدلتا أظهرت حالة من الارتباك أثناء محاولات الطاقم الطبي إسعاف المرضى الذين فقدوا حياتهم بسبب ما قال أهاليهم إنه انقطاع في إمدادات الأوكسجين عنهم.
وارتفعت أسعار أسطوانات الأوكسجين في مصر بأكثر من ثلاثة أضعاف (من نحو 3 إلى 9 دولارات) بسبب الإقبال الشديد على توفيرها للمصابين من جانب الأهالي، بحسب تقارير إعلامية، ولكن الحكومة المصرية نفت أن يكون هناك نقص في إمدادات الأوكسجين.
والشهر الماضي شهد الأردن وفاة ستة مرضى بكورونا في مستشفى السلط بسبب انقطاع الأوكسجين في فاجعة هزت البلاد وأدت لتقديم وزير الصحة استقالته وأصدر رئيس الوزراء بتوجيهات من الملك قراراً بفتح تحقيق فيما حدث.
وقال الوزير نذير عبيدات يومها للصحفيين: “حدث نقص أوكسجين في هذا المستشفى ولمدة ساعة تقريباً وهذا ربما أدى إلى وفاة ستة أشخاص”، وأضاف: “هناك تحقيق جارٍ للتأكد من إن نقص الأوكسجين هو السبب الذي أدى الى وفاة هؤلاء الأشخاص الستة”، وتابع: “أنا كوزير صحة أتحمل المسؤولية الأخلاقية كاملة بهذا الخصوص وقدمت استقالتي لرئيس الوزراء”، بحسب تقرير لموقع دويتش فيله الألماني.
ما مصادر الأوكسجين وأدوات توصيله للمرضى؟
يستغرق تركيب أنظمة الأوكسجين القوية، التي من شأنها دعم الوباء، وقتاً، وأساس عمل هذه الأنظمة هو: مصدر الأوكسجين، وتشمل الخيارات أسطوانات الغاز ومُكِثفات الأوكسجين ومولدات الأوكسجين.
وتعتبر أسطوانات الأوكسجين صعبة من الناحية اللوجستية ومُكلِّفة للنقل من العديد من الموردين الخاصين في المدن الكبرى، وخاصة إلى المستشفيات البعيدة. وقد تدوم أسطوانة الأوكسجين المفردة، التي تزود شخصاً واحداً، ما بين 24 و72 ساعة اعتماداً على شدة نقص تأكسج الدم ومقدار الأوكسجين الذي يحتاجونه. ومع ذلك، غالباً ما يعاني الأشخاص المصابون بـ”كوفيد-19″ من نقص تأكسج الدم لأكثر من أسبوع، لذلك يمكن أن تنفد الأسطوانة.
ويمكن أن تخدم مُكثِفات الأوكسجين ما يصل إلى خمسة أطفال، أو شخص أو اثنين من البالغين المرضى في وقت واحد. وهي توفر مصدراً مستمراً للأوكسجين مأخوذ من الهواء؛ لذلك لا تحتاج إلى إعادة التعبئة. إلى جانب أنها رخيصة نسبياً، لكنها تتطلب مصدراً موثوقاً للطاقة، وبعض التدريب للموظفين، والصيانة. وقد طُوِرَت لتوفير مصدر تجاري للرعاية المنزلية للبالغين المصابين بأمراض الرئة المزمنة.
وتمثل مولدات الأوكسجين طريقة أخرى لتوفير الأوكسجين. وهي آلات كبيرة تولد الأوكسجين من الهواء، بسعة نحو 5000 لتر في الساعة، ويمكنها ملء ما بين 30 و50 أسطوانة في اليوم. لكن مولدات الأوكسجين باهظة الثمن (بتكلفة نحو 100000 دولار أمريكي) وتتطلب فنياً متخصصاً في الطب الحيوي، ومع ذلك، يمكن اعتبارها استثماراً طويل الأجل.
تتمثل إحدى الفوائد الرئيسية لمولدات ومُكثِفات الأوكسجين في قدرتها على تزويد منطقة كاملة أو منظومة خدمات صحية باحتياجها من الأوكسجين وكأنها شركة غاز خاصة مستقلة.
ما الذي يمكن فعله لتحسين الموقف؟
كل حالة ستكون مختلفة. من أجل تطوير نظام الأوكسجين، يجب الوصول لفهم جيد للسياق المحلي. ويتضمن ذلك الأنظمة المستخدمة بالفعل، والمزودون المحليون، وقدرات فنيي الطب الحيوي، وموثوقية إمدادات الطاقة (غالباً ما تكون إمدادات الطاقة غير منتظمة ويمكن أن تؤدي زيادة الطاقة إلى إتلاف المُركِزَات، لكن الطاقة الشمسية أكثر استقراراً)، وحجم السكان المحليين، واحتياجات الأوكسجين المتوقعة.
على سبيل المثال، سيحتاج مستشفى متوسطة الحجم (الذي يعالج من 15 إلى 20 مريضاً بالأوكسجين يومياً) إلى ما يزيد على 40 ألف لتر يومياً. ولتلبية هذه الاحتياجات، يجب توفير الأوكسجين باستخدام مُكثِفات ومولدات الأوكسجين من خلال بعض الأسطوانات المخصصة للاستخدام الفوري في حالات الطوارئ، مثل النقل في سيارة إسعاف.
أما في الوقت الحالي، فيجب على الحكومات والخدمات الصحية الاستثمار في مُكثِفات ومولدات الأوكسجين، التي توفر الرعاية السريرية، لتلبية احتياجات مستشفى أو منطقة صحية بأكملها. ويجب على الوكالات العالمية أن تدعم ذلك بطريقة مماثلة لتوسيع نطاق اللقاحات من خلال الشراكات العالمية مثل “كوفاكس”.
وهناك العديد من الشركات المُصنِّعة العالمية لمُكثِفات الأوكسجين ومولدات الأوكسجين، وتضع منظمة الصحة العالمية مواصفات محددة لهذه المعدات. ويعاني السوق من معروض شحيح في الوقت الحاضر، لكن الإنتاج آخذ في الارتفاع. فقد أعلنت الهند، مثلاً، مؤخراً عن استيراد 10000 مُكثّف أوكسجين.
ويجب على هيئات الخدمات الصحية وشركائها إجراء برامج تدريبية للعاملين في مجال الرعاية الصحية على استخدام تكنولوجيا الأوكسجين. ويمكن فعل ذلك في وقت قصير نسبياً بالتخطيط والإدارة الجيدين.
وفي العديد من الأماكن، لن يكون استخدام أجهزة التنفس الصناعي -الآلات التي توفر ضغطاً إيجابياً للممرات الهوائية والرئتين من خلال أنبوب- مناسباً. فهي تتطلب تخديراً أو مهدئات، ومراقبة دقيقة في وحدة العناية المركزة، والقدرة على اكتشاف المضاعفات والتعامل معها، بما في ذلك التأثيرات في القلب والدورة الدموية، وهي سمة رئيسية لعدوى “كوفيد-19” الخطيرة. وقد يُلهِي الدافع للحصول على أجهزة تهوية ميكانيكية عن السعي لزيادة إمدادات الأوكسجين.
ومن ثم، يجب أن تكون الأولوية لزيادة إمدادات الأوكسجين وجودة الرعاية والمراقبة. وهناك طرق ونماذج مناسبة لفعل بذلك، حتى في أماكن الرعاية الصحية ضعيفة الموارد. “كوفيد-19” هو معركة طويلة الأمد؛ وكان من الأفضل لو بدأ وقت تنفيذ أنظمة الأوكسجين الفعالة منذ عدة سنوات مضت، لكن الوقت المناسب التالي هو الآن.