الإخضاع والبيادق

  

اعترف توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، أنه أخطأ وكذب بشأن امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل Weapons of Mass Destruction، وأنه يستطيع حشدها وإطلاقها على الغرب في 45 دقيقة.
واعترف أخونا كولن باول، وزير الخارجية الأمريكية، بمثل ما اعترف به توني بلير.
واعترف دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، في مذكراته Known and Unknown أنهم رشوا المُلاّ آية الله السيستاني بمبلغ مائتي مليون دولار ليغض الطرف عن غزوهم للعراق.
ومعلوم أن توني بلير أمر الصحافة وأجهزة الإعلام البريطانية بالسكوت وإخفاء ما يُسمّى «صفقة اليمامة» التي رافقها فساد ضخم، لكنها تَدُرَ مئات الملايين على الخزينة البريطانية. وأخفت كل الصحف وأجهزة الإعلام الفساد، ولم يُعلم إلاّ عبر تسريبات، وبعد سنوات من حشو الخزينة بالملايين.

واعترف جون بولتون، اليميني الأميركي المتطرف، وكان مندوب أميركا في الأمم المتحدة، وأخيراً أحد كبار مساعدي ترمب، أن أميركا نظمت عشرات الانقلابات حول العالم.

وخاضت أميركا 90 حرباً وعدواناً حول العالم.. فقد قضت 222 عاماً في الحروب، علماً أن عمرها حوالى 250 عاماً، بدأتها عام 1833بغزو نيكاراغوا.

وسبقتها الدول الأوروبية باستعمار دول عديدة حول العالم، ونهبت ثرواتها.. ول ايزال الطرفان على جانبي الأطلنطي يفعلان.

كانت أهم الدروس التي خرج بها الغربيون من حربي أفغانسان والعراق، أن الغزو المباشر مكلف مادياً وبشرياً، بالإضافة إلى تكلفته السياسية الباهظة.
وأن الأفضل هو الاستفادة من «التجربة السيستانية»: (الرشوة الدولارية توفر دماء المعركة) فقط يجب تجهيز العملاء !!!

جماهير الغربيين وسوادهم غافلون ومشغولون بأمر المعاش في الطاحونة الرأسمالية. وهناك قلة هي المتحكمة وهي جبارة متكبرة. والمتكبر الجبار في الغرب هو «الملأ» The Establishment.
وفي أميركا، حذر الرئيس (الجنرال) أيزنهاور، في خطبة وداعه، في 17 يناير 1961، من تأثير فساد المجمع الصناعي العسكري the Military Industrial Complex وهو «الملأ»، الذي بدأ يطل برأسه وخشي منه وقتها.. لكن قومه لم يستبينوا النصح إلاّ ضحى الغدِ.
وهذا الملأ/ المجمع، هو الذي يسيطر على مقاليد الأمور الآن في أميركا.. وهو المستفيد الأول من النظام الاقتصادي، بل المستفيد الأول من الحروب التي تشنها أميركا وحليفاتها الغربيات.

والذين يعرفون أميركا من الداخل يعلمون أن هذا «الملأ» هو من يحدد من يترشح للرئاسة ومن يفوز.
فهذا التجمع هو الذي يملك المال، ويسيطر على أجهزة الإعلام، وما الانتخابات إلاّ مسرحية أُحْسِنَ إخراجها، وينفق في حملاتها مئات ملايين الدولارات.
وللوبي اليهودي تأثير كبير على العملية، كما أوضح بروفسر جون مارشيماير وبروفسور ستيڤن والت، في كتابهما الخطير The Israel Lobby.. أو كما بيّنه عضو الكنجرس السابق بول فيندلي في كتابه They Dare to Speak Out .

وتجد قوة «الملأ» في بريطانيا كذلك. ومصداق ذلك ما لاقاه جيرمي كوربن Jeremy Corbyn الذي كان رئيس حزب العمال وزعيم المعارضة في البرلمان البريطاني.
كان جيرمي كوربن مؤمناً بتبني سياسة خارجية سلمية محترمة وشريفة وأخلاقية Peaceful , Decent , Ethical Foreign Policy، ولذلك كان يدافع عن حقوق الفلسطينيين، ويناهض سباق التسلح النووي.. وداخل بريطانيا، كان يدعو لفرض ضرائب أكثر على الأغنياء، وإلى أيلولة إدارة المرافق الحيوية مثل هيئة الصحة العامة NHS، والسكك الحديد ومؤسسات الغاز والكهرباء، ، وما إليها، إلى الدولة. يبتغي من ذلك رفع أجور العاملين بها وتقديم خدمات أفضل، ومحاربة الفساد والمفسدين المحتكرين.. كما كان يدعو إلى إلغاء الرسوم الدراسية.
وتحدث عن ضرورة إعادة توزيع الثروة والسلطة، وهذا حديث خطير !!!

ووجدت أفكار كوربن والتي تبناها حزبه (العمال) قبولاً وشعبيةً واسعة، خاصةً من قِبَلِ الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة.. وكان الرجل قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح رئيس وزراء بريطانيا.

وهذا عينه ما أخاف «الملأ» البريطاني.
فشُنت حملة شعواء ضد كوربن ومقترحاته، ووصف بأنه معادٍ للسامية Anti Semitic , ويالها من تهمة خطيرة مدمرة هناك.. واتهم بأنه يريد التفريط في سلامة وأمن بريطانيا والتخلص من أسلحتها، وأنه غير مؤتمن عليها، ووصف مساعدوه بأنهم شيوعيون. وأوحى جهاز الأمن للصحفيين أنه لن يترك كوربن يصبح رئيساً للوزراء. وأخفيت جراء ذلك المعلومات الحساسة التي ينص القانون على إتاحتها لزعيم المعارضة.
لم تبق صحيفة كبيرة أو وسيلة إعلام مؤثرة إلاّ واشتركت في الحملة ضد كوربن.

كان ما يدعو له كوربن مهدداً لأصحاب الاحتكارات وأصحاب المصالح، الذين يريدون استدامة الأمر الواقع Status quo. أو بلغة كوربن: يريدون المزيد من ماكدونالدز Macdonslds وليس المزيد من بنوك الطعام Food Banks للفقراء.
ولم يقتصر الهجوم على الرجل على الأدوات والأجهزة الواقعة تحت سيطرة «الملأ» البريطاني، بل ساهمت فيها تلك الأمريكية، وحتى ترمب ونيتانياهو صرحوا ضد أفكار كوربن «الخطرة»!!
وكتبت الصحافة البريطانية تصريحاً لجنرال كبير لم تُسمّه قال:
British Army could Stage Mutiny under Corbyn».. إلى هذا الحد.

كانت الحملة والإجراءات التي اتخذت ضد السيد زعيم المعارضة مُعَارِضة تماماً لأسس وقواعد الديمقراطية والنظام الليبرالي في بريطانيا وفي أميركا، اللتين تدعيان زعامة «العالم الحر»!!!

وصلت الحملة درجة تصوير جنود بريطانيين يتدربون في تصويب بنادقهم على صورة لزعيم المعارضة جيمي كوربن.
وصرح جنرالات كبار للصحافة أنهم لن يدعوه يصبح رئيس الوزراء.
وسرب جهاز الأمن معلومات ليتهموه بتسريبها ، وأنه غير مؤتمن على الأسرار الكبرى، وأنه مهدد للأمن القومي للبلاد.
وتلقى الرجل ذو المنصب الرفيع تهديدات عديدة بالقتل، وكذلك تهديدات لمساعديه، ولم تقم السلطات المختصة بأي إجراءات ضد ما تعرضوا له.
وهكذا، فإن القوى الجبارة (The Establishment / الملأ) المسيطرة على الدول الكبرى نفسها، هي نفسها التي تمارس الهيمنة على دولنا.

ولتحقيق تلك الغاية، فهي تجند أمثال كرزاي، والسيستاني، وحمدوك، وأبو سن، وخالد سلك، وأمجد فريد، وعرمان، ومن على شاكلتهم.. تنفق عليهم دولارات ليديروا بلدنا وفق أهواء وسياسات السادة بعد أن تبعد كل وطني بأساليب مخزية متعددة ، تماثل وتفوق أساليب الحملة على كوربن .

وليس مطلوبا منهم تنميةً ولا تطويراً.. كل المطلوب أن يبعدوا القوى «المشاغبة»، حتى يجري تنفيذ الأجندة بيسر وسهولة. وأهم بنود الأجندة الاستلاب الثقافي والإخضاع السياسي Political Subjugation .

          ♦️ياسر أبّشر 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.