الإسلاميون والشيوعيون والبعثيون .. (الإخوة الأعداء) في قطار المعارضة ..!!

مع بزوغ صباح اليوم (الإثنين) تكمل ديسمبر الموسوم بـ التاسع عشر الذكرى الرابعة التي مرت خلالها الكثير من الاحداث تحت جسر (التغيير) الذي لم يكتمل بالشكل المأمول .
وخلال الأربعة اعوام تقلبت موازين اللعبة السياسية البلاد فظهرت مكونات سياسية وأفل نجم احزاب وتيارات واللافت كانوا لاول مرة بالتاريخ السياسي القريب اصطفاف تيار اليمين واليسار في صف المعارضة وهم يجابهون الاتفاق الاطاري المبرم بين المكون العسكري وقوى مدنية
وتبقى احد ابرز دلالات السنوات الاربع حالة التشظي وسط المكونات السياسية وبالمقابل استمرار ضبابية المشهد فيما يتعلق بالتيار الاسلامي واطروحاته وخياراته المستقبلية فيما يترأس الشيوعي تحالف الحل الجذري الذي يجمعه مع تجمع المهنيين السودانيين، وأسر الشهداء، ومفصولي الشرطة لاسقاط النظام
واتسمت الاعوام الاخيرة بظهور تحالفات سياسية عريضة افزرت حالة من المناخ السياسي المحتقن والمعقد لم تفلح كل الجهود المبذولة داخليا وخارجيا لوضع حد للازمة السياسية السودانية التي تبلورت على مدار اربعة اعوام باشكال مختلفة وآخرها ما عرف بقرارات الخامس والعشرين من اكتوبر.

الإسلاميون بين دهاء ( كرتي ) وصبر (البروف)

مع سقوط نظام البشير لم يظهر الاسلاميون بشكل مباشر وآثروا الانسحاب من المشهد خاصة بالعام الاول والذي وضع المؤتمر الوطني ومنسوبيه بمواجهة مباشرة مع لجنة ازالة التمكين تخلف عنها فصل اكثر من 17 الف موظف بالخدمة العامة
وخلال هذه الفترة تقلد رئاسة المؤتمر الوطني المهندس ابراهيم محمود ثم انتقلت الرئاسة لـ البروفسير ابراهيم غندور والذي اعتقل لما يقارب العام رفقة انس عمر وآخرين قبل ان يتم اطلاق سراحهم في رمضان الماضي ومؤخرا ظهر البروف غندور يدير زمام الامور بالوطني وعلي الصعيد الآخر ومنذ فجر السقوط يدير علي كرتي الحركة الاسلامية امينا عاما وتم التجديد له لدورة جديدة خلال الاشهر الماضية .
وظلت العلاقة ما بين الحزب والحركة موضع تساؤلات الكثيرين رغم التنسيق المحكم بين الجانبين الحزب والحركة على مستوى الهياكل التنظيمية ولا يبدو بان الاسلاميين عازمون على فرض تصورات جديدة بالمشهد لاعادتهم لساحة الحكم حيث ظل قادة الاسلاميين يتشددون بالحديث عن الانتخابات وعدم الجنوح لاي وسيلة تعيدهم سوى صندوق الانتخاب .
وبدأ التيار الاسلامي بالظهور رويدا رويدا وبرز حضوره بالمشهد المعارض في اعقاب اجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر حيث ظلو حضورا وهم يساندون الاجهزة النظامية رافضين الاملاءات الاجنبية وساهموا بمسيرات عديدة داعمة خاصة لمبادرة نداء اهل السودان والذي يتزعمه القطب الديني الشيخ الطيب الجد .
وقبل نحو شهر خرج قائد عام الجيش الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان مهاجما الاسلاميين بخطاب شهير بقاعدة حطاب حيث هاجم القوى السياسية وخص المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية بعدم التواري وراء القوات المسلحة ذلك الحديث الذي رسم جملة من التساؤلات حول مصير الاسلاميين بالعمل السياسي مستقبلا ووصلت ذروتها حينما اقدم البرهان ونائبه حميدتي على التوقيع بالاتفاق الاطاري المبرم قبل اسبوعين مع قوى المجلس المركزي واحزاب الشعبي والاصل وانصار السنة وهو ما جعل التيار الاسلامي يصوب هجوما شديدا على الاتفاق مع تحالفات سياسية اخرى اشهرها الكتلة الديمقراطية برئاسة جعفر الميرغني ومناوي وجبريل وآخرين مع تشدد الشيوعي في محاربة الاطارى وكذلك حزب البعث والذي خرج رسميا من تحالف الحرية والتغيير المجلس المركزي
ويبقى من الصعوبة بمكان التكهن بخيارات الاسلاميين في مواجهة الاتفاق الاطارى والذي حال مضى للامام بشكل فعلي سيعيد الوضع للوطني ومنسوبيه لما قبل الخامس والعشرين من اكتوبر ويضع التيار الاسلامي في مواجهة قوى اقليمية وعالمية وداخلية ، ومع ذلك يستبعد مراقبون خوض التيار الاسلامي اي مواجهة علنية مع البرهان او المكونات السياسية خشية وقوع البلاد في فوضى وبالتالي يراهن الكثيرون على انهم لن يلجأوا لخيارات الصدام على الاقل بالوقت الراهن مع تركيزهم على مراجعة تجربتهم وضمان تواجدهم بالمجتمع السوداني خاصة بالولايات والتي تعد مركزا حصينا للاسلاميين منذ سنوات طويلة وظلت عصية حتى على قحت وقوى ما بعد الثورة والتي تمركزت بالعاصمة فقط .
ورغم مضى اربع سنوات يرى المنتمون للحركة الاسلامية ان امينها العام علي كرتي استطاع قيادة دفة مركب الاسلاميين لبر الامان وجنبهم المعارك بالحكمة واستطاع ان يحفظ لهم تواجدا آمنا دون المساس بهم رغم انها ظل مثار اتهام الاسلاميين انفسهم قبل المعارضة بانحيازه وتواصله مع المكون العسكري ولكن الرجل اظهر دهاء كبيرا بمقابل صبر البروف غندور على الازمات والمحن رغم اعتقاله.

معرجات العلاقة بين قحت والبعث ولجان المقاومة

في العام 2019 وعلى ضوء احتجاجات بالبلاد أنشأت قوى معارضة للانقاذ منصة قوى الحرية والتغيير والتي شملت تجمع المهنيين الذي مثل رأس الرمح وقتها، واحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني قادت الانتقال الاول برئاسة عبد الله حمدوك على المستوى التنظيمي على مرحلتين.
ويبدو أن أداء حكومة عبد الله حمدوك في فترتها الأولى والثانية كان كافيًا ومشجعا لنضوج الثورة، فكان الفشل ملازما للحرية والتغيير باعتبارها حاضنة للفترة الانتقالية بعد اتفاق مع المكون العسكري افضى للوثيقة الدستورية في اغسطس من 2019 وتلك المناسبة في حد ذاتها كانت اولى لبنات الانشقاق حيث اعترض عليها الحزب الشيوعي ورفض المشاركة بالحكومة رغم ارتباط وجوه تنفيذية بحكومة حمدوك الاولى والثانية بهم .
وخلال فترة حمدوك بدأت ساحة سجال جديدة بين العسكريين والمدنيين افضت لاحقا وبعد عامين الى قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر من العام 2021 والتي وضعت حدا للشراكة بين المكون العسكري والمدني افضت الى تجميد البرهان لبعض بنود الوثيقة الدستورية وحل الحكومة واعتقال قيادات الحرية والتغيير.
وفي خضم قرارات البرهان شهدت قحت انقساما حادا حيث اقصت الحزب الجمهوري وحزب البعث السوداني وآخرين من كتلتهم ومضت تحارب العسكر علنا وتفاوضهم سرا ولكنها بدأت تفقد رويدا رويدا زخم الثورة والشارع حتى طرد بعض قاداتها وابرزهم ياسر عرمان خلال تظاهرة موكب حراس العدالة في مارس الماضي ، مرددين هتافات مناوئة له .
العلاقة بين مكونات المركزي السياسية والقوى الشبابية شهدت منعرجات كبيرة ليضع الاتفاق الاطارى حدا لحالة الوصل بينهما برفض لجان المقاومة لـ ما جرى بالقصر الرئاسي واعتبرته بمثابة بيع دماء الشهداء فيما كان ذات المحفل بمثابة فراق بالتراضي بين البعث والمركزي .
وبالعودة قليلا لما قبل نحوي 11 شهرا وتحديدا اتفاق البرهان وحمدوك في نوفمبر 21 شكل الفارق الفعلي بين قوى الشارع التي تحرك المواكب والنخب السياسية لقوى الحرية والتغيير المتمثلة بالمركزي حيث وضع حدا فاصلا لجهة ان المكونات الشبابية شعرت بخداع القوى السياسية في حين انها قدمت ارواحا في سبيل ارجاع المدنية وانهاء قرارات البرهان وكان نتاجه اتفاقا وقع بين حمدوك وقائد عام الجيش والاول منذ ذلك التوقيع خسر ما كسبه من شعبية عدها المراقبون الاكبر بتاريخ الشخصيات السودانية
وفي سبتمبر من العام الجاري وقعت لجان مقاومة عبر اكثر من 50 جسما لها ميثاقا عرف بالميثاق السياسي لرسم خارطة الطريق لهزيمة اجراءات الخامس والعشرين تلك الخطوة التي رفضتها قوى المركزي وكانت مؤشرا واضحا على انهيار العلاقة بين الفعل الثوري المتمثل بالشباب والقوى السياسية التي ترسم وقائع الانتقال فلغة الثورات ظلت تمهر في كل الازمان ولدى الشعوب نضالات الشباب وجني المكاسب لـ النخب .
ولم يسلم تجمع المهنيين السودانيين من حالة التشظي رغم اسهاماته المقدرة لازاحة النظام عبر هيمنته كشبح حرك الشباب في تظاهرات ديسمبر حيث فقد المهنيون الكثير من ألقه وصل بهم المطاف للصراع على كود صفحة التجمع بالفيس بوك وانقسم لجسمين تجمع المهنيين السودانيين وتجمع المهنيين الاصل
وشهدت الحرية والتغيير ثلاث مراحل الاولى كانت قحت بكامل عتادها لقيادة الانتقال ثم شهد انقساما بخروج قادة الحركات من تحالفهم وتشكيل قوى الحرية والتغيير الميثاق الوطني ثم توسيعها لاحقا بعد متغيرات عديدة صاحبت المشهد للكلتة الديمقراطية وكذلك الحرية والتغيير المجلس المركزي الذي هيمن عليه اربعة احزاب واضحت الآن ثلاثة بعد رحيل البعث.

الشيوعي في خانة الرفض المطلق

وبالمقابل ظل الحزب الشيوعي في خانة الرفض لـ المكون العسكري منذ الوثيقة الدستورية ومضوا في سبيلهم بعيدا عن المركزي حتى ظهروا بتحالف الحل الجذري الذي جمعهم شنالحزبالشيوعيالسودانيوتجمعالمهنيينالسودانيين،وأسرالهداء،ومفصولوالشرطة،والبعث السوداني،تحالفاًسياسياًجديداًلإسقاطالانقلابالعسكريواستلامالسلطةفيالمركزوالولايات.
ويعول هذا التحالف على الشارع وتحديدا لجان المقاومة التي ظلت ترفع شعارات لا شرعية ولا تفاوض وهو ما يتمثل في ذهاب العسكر بعيدا عن العملية السياسية وتسليم السلطة للمدنيين وظل الحزب العجوز يعتمد على لجان المقاومة والقوى الشبايبة باعتباره المنفذ الوحيد لتحقيق هدفه بعد ان تفرقت كل القوى السياسية التي كانت حليفة له ابان سقوط الانقاذ واليوم حليفة لـ البرهان فيما يعرف بالاتفاق الاطاري.
وظلت العلاقة بين الشيوعي ولجان المقاومة مثارا للتساؤلات حيث ان القوى السياسية بما فيها المنضوية تحت تحالف المركزي ظلت تتهم الحزب الشيوعي بسيطرته على لجان المقاومة رغم نفي شباب الحراك الثوري وتأكيدهم على انهم مستمرون لإزاحة العسكر من السلطة.
وبعد مرور اربعة اعوام من الثورة يلتقي الشيوعيون والبعثيون والاسلاميون في قطار المعارضة المتوجه صوب الاتفاق الاطاري موحدين رايات اسقاطه كل لاسباب يعلمها وتقديرات يرسمها لكيانه التنظيمي وتبقى الخلاصة ان اربع سنوات شهدت اختفاء الاسلاميين ثم ظهورهم بشكل كبير وتشظي قوى الثورة التي ازاحت البشير ولكنها لم تصمد على وفاق لادارة الانتقال وتقسمت ما بين موالين للعسكر وآخرين في المعارضة ويبقى الحال كما هو عليه الى حين اختراق بالعملية السياسية سواء بالاتفاق الشامل أو الانهيار الكامل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.