الإطاري.. هل هو اتفاق بـ (الحبر السري)؟
مازال الاتفاق الإطاري الموقع بين العسكريين والمدنيين في الخامس من ديسمبر الجاري، يمثل نقطة تحول كبيرة وفارقة في العلاقة بين المكونين، وذلك بعد أكثر من عام من إطاحة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م ائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير الحاكم، وإلقاء القبض على عدد كبير من قياداته والزج بهم في السجون، وإصدار قرارات جُمدت على إثرها لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م. وفي ذات الوقت أثار الاتفاق الإطاري الكثير من الضجيج والاستهجان والرفض ومازال هناك عدد من مكونات اجتماعية وقوى سياسية مناهضة للاتفاق، فيما وصفته قوى أخرى بأنه اتفاق سري، وهو الاتهام الذي ترفضه قوى الحرية والتغيير وتنفيه ويتبرأ منه البرهان أيضاً.
تضارب الأقوال
وحدثت عملية (تشويش) في أذهان عدد كبير من المواطنين السودانيين المتابعين لمجريات ما يحدث في الساحة السياسية من مناورات وتصريحات بعضها متضاربة بين قوى الحرية والتغيير ونقصد هنا المجلس المركزي والمكون العسكري الذي يمثله البرهان قائد الجيش ونائبه محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، فيما يسعى رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس بكل ما أوتي من قوةٍ لعملية التوقيع النهائية على اتفاق المدنيين والعسكريين. وثمة سؤال يطرح نفسه بقوة في الأذهان، مع وجود تضارب الأقوال والأفعال بين الموقعين، عمن يقول الحقيقة؟ وهل بالفعل الاتفاق مغلق على جهاتٍ محددة سلفاً؟ وما هي تأثيرات التوقيع النهائي في الساحة السياسية في ظل وجود قوى كبيرة تقاطع الاتفاق وترفض الحرية والتغيير ولوجها فيه؟ وهل يكون السودان سوريا أُخرى حال عودة المجلس المركزي للحكم مرةً أخرى؟
اتفاق مغلق
وفي غضون ذلك قال الناطق الرسمي للحرية والتغيير المجلس المركزي جعفر حسن في مقابلة مع “الانتباهة”، أمس، إن أطراف الاتفاق الإطاري محددة من قبل أن يبدأ، وأنهم لن يغرقوا العملية السياسية بأية أطراف أخرى. وأوصد الباب أمام محاورة الحرية والتغيير أية كتلة عدا حركتي العدل والمساواة وجيش تحرير السودان لاعتبارات سلام جوبا، في وقت ذكر فيه أن رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل هو عرّاب انقلاب 25 أكتوبر2021م، لذلك تم رفض انضمامه للاتفاق الإطاري. فيما توقع أن يتم إنجاز الحل السياسي في نهاية يناير المقبل.
قوى سياسية كبرى
وبالمقابل يرى محللون سياسيون أن الاتفاق الإطاري لن يصمد كثيراً وسينتهي لا محالة. وعضدوا رأيهم ذلك بأن قوى سياسية كبرى ولها وزنها تم استبعادها من الاتفاق، الشيء الذي ينبئ ويشير بوضوح إلى أن تلك القوى لن تصمت وتقف مكتوفة الأيدي أمام ما يجري مما وصفوها بالمحاصصة بين المدنيين والعسكريين في التشكيل الحُكومي المزمع في يناير القادم حسب تصريحات الناطق الرسمي للحرية والتغيير، لفئة قليلة لا تمثل كل الشعب السوداني.
غير أن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أكد في وقت سابق خلال مخاطبته حشوداً عسكرية في ختام مناورة رايات النصر (4) بمنطقة (المعاقيل) العملياتية شرقي مدينة شندي بولاية نهر النيل بكل وضوح، أكد على أنه ليست هنالك تسوية بالمعنى الذي فهمه البعض، وإنما هي نقاط تم طرحها يرى أنها يمكن أن تساعد في حل التعقيدات السياسية الراهنة، وأضاف قائلاً: (وقد وافقنا عليها ضمن اتفاق سياسي إطاري يصب في مصلحة كل السودانيين دون إقصاء لأحد، وينبغي ألا تحاول أية جهة أن تختطف هذا الاتفاق لمصلحتها الذاتية دون الآخرين، أو أن تسعى لاختطاف السلطة من جديد).
أقوال متضاربة
واتفق أستاذ العلاقات الدولية بروفيسور صلاح الدين الدومة في حديثه لـ (الانتباهة) مع ما ذكره المتحدث الرسمي باسم الحرية والتغيير المجلس المركزي جعفر حسن، واعتبره موضوعياً وعقلانياً في آن واحد، وهو الصحيح الذي يجب أن يكون. ويعزز كلام جعفر حسب الدومة، منسق الآليتين الثلاثية والرباعية فولكر بيرتس، التي لها الكلام الفصل. فيما أشار إلى أن تصريحات البرهان المتناقضة تكذبها الأفعال، في حين سيوقع البرهان على الاتفاق النهائي الذي قد يبطئه التنسيق مع الدولة العميقة بوضع المتاريس لتأخير التنفيذ. فما عده الدومة خيانة، قال إنها لن تمنع النصر لكنها قد تأخره. وشن هجوماً عنيفاً على حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي واعتبره (مؤتمر وطني) أكثر من المؤتمرجية أنفسهم، ويتم تكليفه بمهمة معينة ليؤديها، وأضاف قائلاً: (أخشى أن يقع المثل السوداني (أدوهو ليها مملحة أباها وكاسا ناشفة) على مناوي عديم السند الجماهيري والكاريزما والقوات الضاربة).
ولفت الدومة إلى أن انفصال الدعم السريع عن الجيش تم بإيعاز من القوى الغربية العظمى التي لن تترك السودان في حالة من السيولة السياسية إلى ما لا نهاية لتعطي الفرصة لغرمائها الصين وروسيا. وأضاف قائلاً: (إذا استنجد البرهان بروسيا ونجح في ذلك، فسيتحول السودان إلى سوريا أخرى، وبالتالي من الأفضل حسب الدومة أن يقاتل الناس البرهان، لا أن تتحول البلاد لسوريا أخرى).
غير أن أستاذ العلوم السياسية د. عبد الرحمن أبو خريس له رؤية مغايرة حول التصريحات المتضاربة بين المكونين. ففي اعتقاده حسبما قال لـ (الانتباهة)، أن الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري كانت تعول على الضغط الدولي للقبول به، لكن استخبارات الجيش عملت على قياس الرأي الذي أثبت عدم القدرة على إجبار جبريل ومناوي على التوقيع على (بياض) في الاتفاق دون مناقشة.
لذلك فحديث جعفر عن إغلاق الاتفاق صحيح، في وقت تتمدد فيه القوى الرافضة للاتفاق وتتوسع، وتبعها رفض (ترِك) وتهديده بالانفصال وإغلاق الشرق. وبالتالي جاءت تصريحات الجيش بأن الاتفاق مفتوح. واعتبر تصريحات جعفر قد زادت الشُقة بين الموقعين على الاتفاق نفسه، مشيراً إلى وجود خلاف خفي بين أطراف الاتفاق، وغالباً سيضعف الاتفاق ويصبح مثل الاتفاقيات السابقة، ويصير كمبادرة للحل يعززها تراجع فولكر من خلال تصريحاته بأن الشارع لا يقبل بالاتفاق، كأنه يريد التبرؤ من الاتفاق ويضغط على المجلس المركزي لفتح الاتفاق
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.