الاتفاق الاطاري والوضع الاقتصادي

الرعاية الدولية والإقليمية الواسعة لتوقيع الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري وقوي الحرية والتغيير المجلس المركزي وبعض القوي السياسية ، هذا الأمر جعل أسئلة معاش الناس والوضع الاقتصادي تتصدر المشهد الجديد لدى الرأي العام السوداني ، هل يمكن أن تعود المساعدات الدولية للسودان وينفتح الباب أمام الشركات العالمية ؟ وهل سينظم رعاة الاتفاق الاطاري مؤتمرا لاصدقاء السودان مثل الذي عقد في باريس في عهد رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك ؟؟ أم هو اتفاق لاعاظة فصيل سياسي معين للسبطة بعيدا عن اي التزامات مع اضافة حزمة جديدة من الاشتراطات تقيد سيادة البلاد وتجعلها تغؤق في مزيد من الارتهان للحلفاء الدوليين للمكون المدني والمحاور الاقليمية الراعية له؟؟
بعض الاقتصاديين يرون أن المرحلة المقبلة ستشهد انفتاحا سياسيا يعقبه انتعاش اقتصادي بحساب أن ما يمنع هذا الأمر هو العزلة الدولية (المتوهمة) التي فرضها العالم على النظام الحاكم برئاسة الفريق أول البرهان والذي فض شراكة الحكم مع الحرية والتغيير في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ، في حين أنه لا توجد عزلة دولية لأن جولات البرهان الخارجية شملت كل الدول الراعية الآن للاتفاق ، والبعض الآخر يرى أن شرط عودة الوضع الاقتصادي للاستقرار رهين باستكمال الاتفاق الإطاري واجمال القضايا العالقة فيه وتم توقيع إتفاق نهائي وتشكيل حكومة كفاءات لتسيير وإدارة الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات .
لكنه من غير العقلاني التعويل على أمزجة قادة المجتمع الدولي والمحاور الإقليمية فالمستجدات في الساحتين العالمية والاقليمية هي ما يؤثر في اتخاذ قراراتهم بشأن السودان ، فالصراع بين الغرب وروسيا والصراع بين دول الخليج حول الموارد في السودان وبين بعضها في حرب اليمن والموقف مم الإرهاب والتطبيق مع اسرائيل ، فهناك قضايا إستراتيجية وأخرى تكتيكي مرحلية هي ما يساهم في تكوين رأي الدول المستديرة في القرار السياسي السوداني ، وكذلك الدور المصري مهم لتحديد موقفها من الملف السوداني وموقف مصر مبدئي من الاستقرار في السودان رغم أن ملفي مياه النيل ومحاربة الإرهاب من القضايا ذات الأولوية لدى الحكومة المصرية.
وما يجمع مصر بدول المحور الإقليمي في الموقف من الشان السوداني مرتبط كذلك بمبادرات الأمن الغذائي والمائي إثر تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية وشح مخزون القمح العالمي ، ما يجعل توجهات هذه الدول منصبه بشكل أساسي حول المشاريع الاستثمارية وكذلك المواني بالنسبة لدولة الامارات العربية المتحدة .
وهذه الدول لديها دور مؤثر في قرار المجتمع الدولي في رفع تعليق المساعدات والتي أقرها البنك الدولي للسودان في أكتوبر 2020 حيث تم توقيع مذكرة بين حكومة السودان والبنك الدولي تنص على منح مساعدات تنموية من المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة بحوالي ( 2.7) مليار دولار، مع دعم إعفاء ديون السودان تحت ( مبادرة الهيبيك) المتعلقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وبدأ انسياب المعونات ووصل إعفاء الديون مرحلة اتخاذ القرار ، غير أن الأمر توقف مع قرارات اكتوبر 2021 .
مع الأخذ في الإعتبار أنه لا يمكن التعويل على المساعدات والمعونات فهي ليست الطريق الوحيد الخروج من الأزمة الاقتصادية في السودان ، والتجارب السابقة محليا وإقليميا ودوليا تؤكد ذلك ، هذا بالاضافة إلى أن هذه المعونات على ضآلتها وضعف تأثيرها تكون دائما مرتبطة بتوجيهات سياسية وأجندة وتدخل في الشؤون الداخلية للبلد ، بينما هناك مساحة للتوجه نحو دعم الإقتصاد من الداخل بحشد الموارد الذاتية وتوظيفها توظيفا يخدم أجندة التنمية ولو على المدى الطويل ، وذلك عبر التخطيط والشراكات البناءة مع الدول التي لديها رغبة في التعامل مع السودان ، والاجتماع الأخير لين الرئيس البرهان والرئيس الصيني على هامش القمة العربية الصينية يمكن أن يكون مدخلا لتلك التفاهمات ، وكذلك حديث المبعوث الروسي في مجلس الأمن عن رفضهم لربط المساعدات والتعاون الاقتصادي بالتغييرات السياسية في هيكل الحكم وكذلك رفض السفير الروسي للتدخل الغربي في الشأن الداخلي السوداني ، كل ذلك يمكن توظيفه لخدمة المصالح العليا للبلاد خصوصا أن روسيا الآن تخرج من جحيم مقاطعة أوروبية أجهدت اقتصادها المنهج بسبب الحرب في اوكرانيا .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.