الانتخابات المبكرة.. هل تكون الحل للمشهد المعقد؟

ها هو يوليو يضع أيامه على رزنامة الاشهر الميلادية، والبلاد تشهد حالة من الاحتقان السياسي الشديد الذي بلغت معه حداً من الانسداد والتمترس في المواقف جعل كل المحاولات لا تبارح (صفريتها)، كما فتحت في ذات الوقت الباب أمام مختلف الخيارات على رأسها قيام الانتخابات المبكرة. وفيما يستبعد كثير من المتابعين قيام الانتخابات في هذا التوقيت لاعتبارات كثيرة في أولها الترتيب لها، يرى بالمقابل البعض الآخر أن الانتخابات ضرورة ملحة لفك احتقان البلاد، وهو ما يتعارض مع رغبة كثير من القوى السياسية على رأسها قوى الحرية والتغيير التي تحاصرها المخاوف من عودة الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع التي تعتبر السبيل نحو الحكم المدني الديمقراطي. وفي ظل ما يعتري البلاد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية رغبتها في التعامل مع حكومة منتخبة في السودان، فهل ستدفع تعقيدات المشهد للمضي في هذا الاتجاه أم أن الأوضاع ستمضي في اتجاهات أخرى؟

عصا تخويف

منذ قرارات (٢٥) أكتوبر والانظار تتجه بكلياتها نحو قيام انتخابات تفك البلاد من ورطتها، قبل أن يعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان يوليو من عام ٢٠٢٣م موعداً لها، اي بعد نحو عام من الآن، مؤكداً وقتها ان اختيار التوقيت بهدف الترتيبات وتكوين المفوضية وإجراء التعداد السكاني، غير أن تعقيدات الأوضاع وتقاطعات المصالح مضت في اتجاه خطوة أخرى تعيد الشراكة مجدداً، وهو ما تحمله الآلية الثلاثية المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والايقاد على عاتقها، بحثاً عن نقاط التقاء بين الفرقاء. ومع عملية البحث المضني هذه تشدد لجان المقاومة وتجمع المهنيين وقوى الثورة الأخرى على رفض اية تسوية تضمن بقاء العسكر في الحكم، الأمر الذي يرفضه العسكر أنفسهم ويؤكدون على أن الابتعاد عن السلطة مرهون بتوافق وطني او قيام انتخابات. ويعتبر بعض المراقبين أن الانتخابات عبارة عن استهلاك سياسي وعصا تخويف يلوح بها العسكريون في وجه قوى الحرية والتغيير، فهي تبعدهم ايضاً عن سدة الحكم.

سدرة المنتهى

وفي ظل هذا المشهد المأزوم يرى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهم أن الانتخابات تعتبر سدرة المنتهى، وقد أبدت الولايات المتحدة الأمريكية رغبتها في التعامل مع حكومة منتخبة، وبحسب مسؤول أمريكي في وزارة الخارجية لقناة (الحدث) أن أمريكا ترى أن اي حكم ترأسه شخصية عسكرية غير مقبول وتريد التعامل مع حكومات منتخبة، الأمر الذي يفتح الباب لاستعجال قيام الانتخابات قبل موعدها المحدد لها.

ووفقاً للمحلل السياسي محجوب محمد فإن الانتخابات تعتبر الحل الامثل لإنهاء حالة العبث التي تشهدها البلاد، مؤكداً في حديثه أن الشعب السوداني هو الأوحد الذي يدفع ضريبة ما يجري في البلاد وليس سواه، وتابع قائلاً: (تصم القوى السياسية اذنيها عن المناشدات العالية بضرورة إعلاء المصلحة الوطنية وتتمسك بمطالبها وتنفيذ اجنداتها دون أي التفات للمواطن السوداني، وبما أن الأمر سيظل على ما هو عليه فيجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

وقال المسؤول الأمريكي ان اية حكومة غير مدنية فإنها لا تخدم مصالح واشنطون، وان الحكم المدني وحده الذي يضمن استقرار البلاد، مؤكداً أن المكون العسكري تعهد بتسليم السلطة للمدنيين.

اشتراط

وكثيراً ما يردد العسكريون تسليم قيادة البلاد عبر توافق وطني او انتخابات، وكان المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة العميد الطاهر أبو هاجة قد شدد على أن من يريد الحكم الديمقراطي عليه الاستعداد للانتخابات بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب.

وتعيش البلاد منذ قرارات (٢٥) أكتوبر الماضي وضعاً اقتصادياً متردياً فقدت البلاد على اثره الكثير، في وقت أعاد فيه البلاد إلى ما قبل اندلاع ثورة ديسمبر.

وشدد البرهان على ان القوات المسلحة وكل القوات النظامية والأطراف السياسية ملتزمة بعدم تسليم أمانة السلطة إلا لمن يأتي عبر الانتخابات أو التوافق السياسي.

وتتطلب العملية الانتخابية مطلوبات عدة في أولها التعداد السكاني والسجل الانتخابي وقانون للانتخابات، فضلاً عن انشاء مفوضية للانتخابات.

مستحيل

ومن جانبه يرى المحلل السياسي د. صلاح الدين الدومة أن قيام الانتخابات في هذا التوقيت أمر مستحيل، مؤكداً في حديثه أن العملية الانتخابية تتطلب إجراءات محددة في أولها تعداد سكاني صحيح يعقبه قانون انتخابي صحيح، وكذا سجل انتخابي لا يحدث به أي تلاعب، بالإضافة إلى تشكيل مفوضية للانتخابات. وقال: (الولايات المتحدة الأمريكية منقسمة بشأن السودان، فهناك من يريد حكومة مدنية بانتخابات مزورة ومشوهة وهو ما لن تقبله الجماهير)، واضاف قائلاً: (أمريكا ترى أن الديمقراطية لا تشبه دول العالم الثالث ناهيك عن السودان، ولذلك تريد اية حكومة وهو ما لن يرضى به الاتحاد الإفريقي، لأن الانتخابات تتطلب وجود حكومة، فضلاً عن ان عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي معلقة).

وتابع قائلاً: (إجراء انتخابات بحكومة (كيف ما اتفق) أمر يوحيه الإسلاميون للامريكان لكنه أمر مستحيل، والمشهد الآن يمضي إلى حالة تململ داخل القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى).

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.