التراجع في ظل التنافس.. ماذا تفعل واشنطن

سناء حمد

ان ميل الامريكيين الي تصنيف الآخرين وتأسيس علاقاتهم مع هذا الآخر وفقاً لهذا التصنيف الذي تبنوه ، والذي لا علاقة له بعلاقات الدول فيما بينها كما عرفها العالم وتواضع عليها ، ولكن له علاقة قوية بقضيتين :-
انغلاق الامريكيين على انفسهم ، واعتمادهم على الآخرين في تكوين تصوراتهم ، ولذلك رغم قوة الدولة ، لكن معالجاتها للسياسة الخارجية وعلاقاتها مع الدول فطيرة وتفتقد العمق الاستراتيجي ، وتميل لصناعة صور ذهنية ،غالباً تصنعها جهات داخلية امريكية ترغب في تسخير قوة الدولة لصالحها ، أو لاثبات صوابية افكار هذه المجموعة او تلك ،ولذلك كانت علاقات الولايات المتحدة بالآخر دوماً متقلبة ومتوترة وتسير دوماً في انحدار ، وطال الزمن ام قصر تكون هي الخاسرة . مهما حققت من اهداف سريعة ، في المرحلة الاولى وفي الغالب يحقق المحركون للتصنيف والمتحكمين في السياسة المعنية غاياتهم في هذه المرحلة من خلال عمليات خاطفة …ويتركون بعدها الدولة في شبكة من التعقيدات والاخطاء في محيط معادي ، لتحل ازمتها !!!
العنصر الثاني احساس الهيمنة ، الهيمنة التي تبيح لهم فرض ما يؤمنون به حتى وان لم يكن واقعياً او حوله شكوك ” كما حدث في حرب الخليج ” و انتهاك سيادة الاخرين والتدخل في شئونهم بل وتغيير معتقداتهم وافكارهم… ” قضايا المثلية / والعلمانية ” رغم ان امريكا دولة قامت على اساس ديني ووضعت قوانينها بحيث تحمي الدين من تدخل الساسة والدولة وليس العكس وعلاقة الرئيس بالدين واحدة من القضايا المهمة للغاية ،، من جهة اخرى فان قضايا المثلية والاجهاض هي محل عدم اتفاق حتى داخل الولايات المتحدة !!
العالم الان يتغيّر وقد ولى زمان القطب الواحد ، وتتراجع الولايات المتحدة الان اقتصادياً وسياسياً ، لم يبقى لها الا عصا التفوق العسكري ..الذي بات عدد من كبار الجنرلات الامريكيين يشككون فيه اليوم !! الجميع يرى ذلك عدا النخبة السياسية الامريكية التي يبدو انها ما زالت تعيش في حقبة الثمانينيات والتسعينات ..ولذلك لصالحنا وصالحهم نرى ان ننبههم ، افيقووو ا !!! نحن نعلم خطورة الفراغ الذي سينتج عن انسحاب اميركا تلفجائي ستكون له نتائج كارثية ، ولذلك من الافضل استمرارها مع تغيير سياستها .

تحتاج الولايات المتحدة الا تخرج من اللعبة في مناطقنا هذا ، افريقيا والشرق الاوسط ، رغم ان هناك انظمة حليفة تاريخياً للولايات المتحدة تتململ الان من سياساتها وتدخلاتها وشروطها وعدم الموضوعية في سياستها الخارجية ، التي اصبحت اقرب لطريقة النشطاء من الرصانة المعهودة فيها ،ومع استمرار التوتر مع دول لم تكن علاقتها جيدة بها ، تنظر بريبة لكل ما يصدر عن واشنطن ..ولا تثق فيها !! هذا يجعل الاعداء اكثر من الاصدقاء !!! على الامريكيين سؤال انفسهم ، لماذا اصبح هناك ميل في هذه المنطقة بلا استثناء سراً او علانية للمحور الصيني الروسي ..؟ ببساطة لانه يقدم نموذجاً مختلفً يراعي سيادة الدول وبعلي من شأن المصالح المتبادل والشراكات ومن ثم يسهم فعليا في تحقيق التنمية وتحسين حياة الشعوب ، التي رغم شعارات الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان التي ترفعها الولايات المتحدة لم يجد هذه الشعارات في ارض الواقع بل وجد سياسة قاسية وساسة ودبلوماسيون متعجرفون ومتقلبون ، تسببوا في حالة عدم استقرار واسعة بسوء تقديراتهم ، وخسروا الجميع !! ولولا بقيةٌ من خوف لكشف الجميع وجوههم الحقيقية لكم.
” اذكر قبل سنوات استقبلت موظفاً دولياً ..وخلال الحديث تطرقت للعلاقة مع الولايات المتحدة وسعينا لتطبيعها ، فأجأني الضيف الزائر ، بسؤال ! لماذا تريدون تحسينها ، العالم يبحث عن وسيلة تبعد الامريكيين عنه وعن بلاده وانتم تريدون تطبيع الغلاقات معهم ..هم لن يصلوا معكم لحل نهائي ابداً لسببين الاول ان تلك الدولة ليس فيها مركز متماسك ومتابع لاتخاذ القرار ، بل هي مجموعة وكالات واجهزة متنافسة ، وساسة محدودي القدرات .
السبب الثاني ان الامريكيين اذا مددت يدك لهم معتذراً ، يظنون ان من حقهم قطع يدك هذه ووضعها كمكسب لهم ويعيدونك مرة اخرى لذات النقطة التي بدأت بها معهم ، نصيحتي لا تحاوروهم ولا تدخلوهم بلادكم ..او سيمزقونكم ارباً وانتم تنظرون بلا حول ولا قوة ” ، ولقد صدق المسؤول الدولي !! ربما تجربة د. عبدالله حمدوك وقضية العقوبات خير مثال ، اذا لم نعد للبشير والمفاوضات الماراثونية مع الولايات المتحدة .
إن عليكم التوقف قليلاً والتفكير في استراتيجية جديدة للتعامل مع هذا العالم المتغير الذي يتحرك بسرعة ، ابدأوا بوضع سياسية خارجية اقل تعجرفاً ، لا تتدخل في شئون الدول وتقوم على احترام سيادتها ، وقبل ذلك الابتعاد عن التصنيف غير الموضوعي والتنميط السطحي والمبتذل للدول والانظمة .
من المعلوم انه في ظل ما يجري في اوروبا ! وما تبع الحرب الروسية الاوكرانية من تداعيات ، وفي ظل التنافس مع الصين ، فإن السودان كموضوع بعيد عن ذهن متخذ القرار وصانعي السياسات الان ، فهو ليس ضمن اولويات ادارة بايدن ، وتتحرك فيه جهة واحدة يسيطر عليها النشطاء وهي المعونة الامريكية !!
على الولايات المتحدة ان تبني سياسة جديدة تقلل حجم الكراهية الشعبية لها في هذه المناطق الواسعة ، باعادة تقييم اداء عدد من مؤسساتها وازرعها الخارجية تحديداً ، ومنهم وكالة المعونة الامريكية التي تجاوزت الدور المنوط بها وتحولت لمؤسسة ينظر لها الميع بريبة ، فقد اصبحت آلية امريكية لزعزعة استقرار الدول والتدخل في شئونها وفرض اجندتها عليها ، ، وبالطبع ما كان لموظفي USAID ممارسة هذا الدور الا بتنسيق داخلي ، لكنهم في السودان اصبح لهم نفوذ كبير وقدر عالٍ من السيطرة ، لانها وموظفيها وجدوا بلداً هشة ونخب مأزومة وضعيفة … كما وجدوا البلد بلا قيادة فتوسعوا ، هذا المظهر المضطرب في السودان يتحمل الامريكيون جزء كبير من المسئولية فيه ! ولذلك عليهم التدخل بعقلانية لنزع فتيل التوتر وعليهم الابتعاد من القضايا التي يمكن ان تفجر الاوضاع في وجهههم وتتمدد الى مساحات اوسع من السودان ، وهي تفتح الباب لمنافسيهم بالتقدم وتحقيق وجود ، استحقوه بحسن تعاملهم وتفهمهم لخصوصيات الدول والشعوب .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.