الجنرال حميدتي في ١١ أبريل مواقف صنعت التغيير

في مثل هذا اليوم من اللحظات التاريخية التي ستظل خالده في ذاكرة المشهد السياسي وربما ستكون محطة بحث ودراسات في مراكز الدراسات السياسية لان أحداثه كانت غير متوقعة حتى عند اساطين الساسة فالثورة في هذا اليوم كانت في مفترق طرق وأن الهزه للحراك الثوري كانت في أشد مراحلها واقصد بذلك أن الثورة قد جمعت كل طاقتها وحشدت انصارها ورمت بثقلها نحو التغيير فكان الميدان قيادة الجيش وكان السلاح هو السلمية وأن اي تراجع في هذه اللحظة سيكون نكبه وإخفاق وضياع لتضحيات ضخمة فالجيش هو الركن الاخير الذي كان يرى الثوار بأن اي موقف منهم سيحدد نتائج هذه الثورة والجيش في تركيبته وما جرى عليه من عملية بناء في قيادته طيلة فترة حكم الإنقاذ كان أيضا هاجس يدفع للريبه ولكن كان لابد من اللجوء إليه فالملايين التي كانت تهتف جيشا واحد وشعبا واحد كانت حناجر صدعت وهزت أعمدة البناء للمؤسسة العسكرية فهنا بدأ التململ داخل الجيش وكان لابد لقيادة الجيش أن يكون لهم موقف وطنيا ولو للحظه وهم يعلمون بأنه من الصعب عليهم الخروج عن ولائهم الممتد لعقود لنظام البشير .
ولكن الأحداث المتسارعة احدثت إرتباك واضح في كل مؤسسات النظام العسكرية والسياسية وأن كل الأحداث كانت تشير إلى حتمية التغيير فبدأ التفكير يدور حول تغيير يحفظ للنظام الخروج بأقل الخسائر والعودة في اقصر وقت ولكن وجود قوة عسكرية كانت تمتلك من العتاد والعدة ما يجعلها طرف واجب إستشارته وأن اي موقف تتخذه هذه القوة سيكون هو الصانع الحقيقي للمشهد العسكري في التغيير فبعد مشاورات واجتماعات مغلقة اضطر قادة الجيش إلى عزل الرئيس البشير وكانت الخطه تكتيكيه بإمتياز حيث كان الدفع بالفريق اول /عوض إبن عوف ونائبه كمال عبدالمعروف هي اول الحلول التي وضعها العسكر الذين يدينون بالولاء المطلق للنظام ولكن دخول قوات الدعم السريع وتمركزها وإنتشارها في المواقع الحيوية و الإستراتيجية جعل موقفها حاسما في إزالة ذلك المجلس في بضع سويعات حينما قال قائدها الجنرال حميدتي بأن المجلس ضعيف لا يلبي طموحات الشعب السوداني وهي رسالة حمالة أوجه حيث فهمها العسكر بأن الرجل ليس راض عن هذه الخطوات وأن رفضه قد يسبب تصدع خطير داخل المنظومة الأمنية وفحواها للثوار بأنه قادر على الإلتفاف على العسكر إن هم أصروا على مجلسهم هذا فكان هذا الموقف في تلك اللحظة خطير على الجنرال حميدتي اولا وعلى السودان ثانيا بأن النظام ما زال لم يسلم عتاده وأن بمقدوره الإستمرار ولو بسياسة الأرض المحروقة وهم الذين اقصد النظام يعرفون هذا الرجل جيدا أن موقفه هذا نابع من روح الثورة وأنه مستعد للدخول في اي مغامرة من أجل الدفاع عن إرادة هذا الشعب وبعد تحليل إستراتيجي سريع لكبار رموز النظام علموا بأن اي صدام مع هذا الرجل ستكون عواقبه وخيمة وخصوصا أن السواد الاعظم من الشعب سيقف معه وما يترتب عليه ليس إعتقال رموز النظام فحسب بل ستكون كل السيناريوهات محتملة ومجهولة على كل مؤسساته وأشكاله وكانوا موفقين حينما أتخذوا هذا القرار لأن الرجل القادم من صحاري دارفور وأدغالها لن يتردد لحظة بعد تحديد موقفه التاريخي وتكاتفه مع الشعب ولكن هذا الموقف عند المنظومة الساقطة لن يمر مرور الكرام ولابد من السعي إلى توجيه ضربة قاضية لهذا الرجل على المدى القصير او المتوسط ولكن إرادة الله وحكمته القاضية بإنتهاء فترة النظام جعلت كل مخالبهم عاجزة عن إصطياده فوجهوا كل مؤامراتهم لتكبيل الدولة وجعل الفترة الإنتقالية محفوفة بالمصاعب والمتاعب.
ولكن المصير المشترك والاحداث المتسارعة جعلت هذا الخصم إضعافه خطرا على البلاد وقوته المطلقة خطرا على طموح النظام في العودة فما أغرب هذه الأحداث واعجب هذه الاقدار وما هو السر الذي يحمله القدر لهذا الرجل ولهذه البلاد وهو يسير بإرادة وقناعات جعلت التغيير ممكن.
فالصراعات السياسية وطبيعة الأحداث التي برزت ما بعد التغيير من ملفات أمنية واقتصادية وفرص تحقيق السلام وتصدر الرجل بتبنيه لملف السلام والوفاق السياسي في ظل تشاكس المكون المدني وتباعد الرؤى فيما بينهم تحمل الجنرال أعباء السلام وخاض حوار مع كل قوى الكفاح المسلح في جوبا افضت إلى سلام جوبا وهذا السلام جعله هو الضامن الوحيد له في ظل تردد المكون المدني وفقدانه لأي أرضية تمكنه من ضمان أي إتفاق سياسي او هذا الموقف جعل من خصماء الأمس شركاء يربطهم مصير مشترك مع هذا الرجل بينما كان اخرون غارقين في كيفية القضاء على الجنرال اوتحجيم دوره وإضعاف نفوذه والشارع كان متطلع إلى حلول سياسية سريعة تفضي إلى تحقيق مطالب الثورة من حرية وسلام وعدالة ونتيجة لتغلبات الوضع الاقتصادي والسياسي جعل من الرجل واقع لابد من التعامل معه على الاقل في هذه الفترة اما المدنيين الذين كانت تعبر عنهم قحت فهم ينظرون للمنظومة الأمنية برمتها بأنها أداة من أدوات النظام السابق ولكن إضعافها او إعادتها إلى ثكناتها يحتم عليهم عثرات ومتاريس لن يستطيعوا العبور بالبلاد وحدهم هذه الأحداث تجعل المتابع للمشهد السياسي يرى تحالفات تتشكل بطريقة سريعة وتختفي بصورة اسرع لان الكل يخطط لاضعاف الآخر ولأن الاحزاب السياسية التقليدية بدأت تنظر بأن الصعود السريع لهذا الجنرال وهو رجل لا يمتلك اي تاريخ نضال ضد النظام بل كان أحد أجزائه المقاتلة وهو الآن يمتطي صهوة التغيير جعلهم يطالبون تارة بدمجه للمنظومة الأمنية وتارة بوصفه الضامن للفترة للانتقالية كل هذا الإرتباك في هذه المواقف داخل منظومة قوى الحرية والتغيير يثبت شيء واحدا بأن هذا الجنرال معادلة صعبة صنعته صدامات غير متوقعة فالكل الان معتكف في محرابه وينتظر الفرصة للإنقضاض عليه بطريقة تحفظ له عدم اي إرتداد معاكس وهذا ما لا يحدث الان ولا أظن في المستقبل القريب.
فالرجل على الرغم من درايته بأن الجميع حريص على إقصائه إلا أنه ظل يردد وينادي بضرورة الوفاق السياسي وهذا الحديث لا يعجب الكثيرين لان اي وفاق في مفهوم خصومه إذا كان لا يعيد صياغة الدولة السودانية وفق الغطرسة التقليدية التي عانت منها البلاد لعقود أقعدت البلاد كثيرا وأضعفت مسيرة التنمية المتوازنة لكل اقاليمه هم يرون الرجل بأنه هو المخرج الوحيد لهذا الإحتقان الحاد والسيولة الأمنية ولكن الرجل يمتلك من القبول والعلاقات الداخلية والخارجية ما سيجعل التغيير ممكن ولكن اقناع النخب السياسية المتعطشه للسلطة قد يجعل هذا الميدان أمامه أشد واعنف من ميادين المدافع والنيران ولكن مع وضع صعوبة إعادة إنتاج الدولة بشكلها السابق بمفهومها النمطي منذ الاستقلال تشير كل المعطيات إلى صعوبته واستحالته فالوفاق الان هو الحل الأنسب والاسهل إذا كانت هنالك أذن صاغية او البديل هو الشتات وإختلاف الرؤى وإنسداد الأفق والتمترس حول صغار القضايا وتضيع آخر فرصة لبناء دولة السودان المتنوعة والقوية.

محمود مجدي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.