سنمار سورية الإخباري- الجولاني يقدم أوراق اعتماده

0

يتعدى ما ذهب إليه رئيس «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في مقابلته الأخيرة مع الصحفي الأميركي مارتن سميث الذي قال إنه زار إدلب في شباط الماضي عبر تركيا وبقي فيها سبعة أيام، والتي نشرت شبكة FRONTLINE أجزاء منها في 2 من نيسان الجاري، المحاولة لتلميع صورة الرجل الذي أدرج اسمه في العام 2018 على لوائح الإرهاب الأميركية، بل أيضاً رصدت واشنطن مكافأة مالية بعشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، ليندرج، عبر المقاطع المختارة بدقة فائقة وقد ساعدت الوسيلة الإعلامية التي ظهر عليها في تغييب غير اللازم منها بالتأكيد، في سياق تقديم أوراق اعتماده للغرب عموماً وللأميركان على وجه الخصوص.

خرج الجولاني في مقابلته الآنفة الذكر بمظهر مختلف بدرجة كبيرة عن ظهوراته السابقة، وللمظهر لغة خاصة لها وقعها عند المتلقي الذي يراد له نسف الصورة القديمة وترسيخ أخرى جديدة لها، فهو حرص على ارتداء بدلة رسمية مع قميص أزرق يتناسب مع لونها، مع غياب كامل للعمامة، أو حتى أي غطاء للرأس، ليظهر الشعر مصففاً بمادة «الجل» التي تعطيه لمعاناً، ولتظهر اللحية مشذبة و«محناة» لتغييب الشيب الذي غالباً ما يعطي انطباعاً لدى المشاهد بتضاؤل نزعة «القوة» كتعويض عن ارتداء البزة العسكرية التي غابت للأسباب الآنفة الذكر.

لا شك في أن الجولاني يبدو مهتماً، هذه الفترة، بأدق التفاصيل التي تخرج عن واشنطن فتظهر من خلالها نظرتها المتحولة بين حين وآخر إلى ملفات عدة مثل إدلب وشرق الفرات، وهو وإن كان قد قال ما قاله قببل أن يسمع ما ورد على لسان جيمس جيفري المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية أمام الصحفي نفسه «مارتن سميث»، فلا شك أنه كان يتلمسه، أو أنه كان يصله عبر قنوات عدة مثل القناة التركية، ففي مقابلة أجراها الصحفي الأخير مع جيفري 8 آذار الماضي كان قد وصف «هيئة تحرير الشام» بأنها كانت «الخيار الأقل سوءا من بين الخيارات الموجودة في إدلب»، وأن إدلب حالياً هي «من أهم الأماكن في سورية، بل وواحدة من أهم المناطق في الشرق الأوسط».

ذلك التلمس، أو المعلومات الواصلة عبر القنوات، هو الذي شكل الدافع الأكبر لمجمل ما قاله الجولاني في تلك المقابلة التي أكد فيها أن «دخول الهيئة في تنظيم القاعدة انتهى، وحتى عندما كان ذلك قائماً فنحن لم نكن نؤيد الهجمات ضد الغرب»، والحقيقة أن ذلك كان يمثل سياسة معلنة لكل من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» اللذين وجدا أن من الأجدى الابتعاد عن استهداف المصالح الغربية، بعكس تنظيم القاعدة الذي ارتأى أن التفجير يجب أن يكون شمولياً ليطول تلك المصالح على امتداد العالم، كان ذلك افتراقاً بين الطرفين الأولين وبين الطرف الثالث بفعل المصالح وليس بفعل الإيديولوجيا التي كانت ذات منبع واحد مع اختلاف واضح في النظرة للوسائل المتبعة لتحقيق المرامي المرجوة منها.

في مقطع آخر مجتزأ قال الجولاني «إن هيئة تحرير الشام لا تشكل أي تهديد أمني أو اقتصادي للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، ويجب على هذه الدول مراجعة سياساتها تجاه الهيئة»، هنا يظهر «الغزل» جلياً، بينما الهدف منه هو اتخاذ وضعية «بندقية للإيجار» وهي جاهزة للاستخدام وفقا لما تمليه مصالح تلك الدول، في مقابل تغيير النظرة لـ«الهيئة» ودورها بشكل عام، وللجولاني بشكل خاص، والأمر يمكن أن يفهم على أن ثمة تخوفاً من ألا تستطيع «المظلة» التركية تحقيق المطلوب منها راهناً، أو في ظروف مقبلة وفق قراءة الجولاني، بل إن الأخير مضى في هذا السياق إلى مديات أبعد قائلاً إنه «سيمنح منظمات حقوق الإنسان الدولية حق الوصول إلى السجون»، ليصل «الغزل» ذروته في إطلاق الصحفي الأميركي بلال عبد الكريم في 17 شباط الماضي، أي في أعقاب أو في أتون تلك المقابلة التي حدثت لمرتين، بعدما كانت «الهيئة» قد اعتقلته في آب من العام الماضي.

ما بعد عرض أجزاء من مقابلة الجولاني أصدرت «هيئة تحرير الشام» بياناً قالت فيه «إن من الواجب علينا كسر العزلة وإبلاغ واقعنا بكل السبل الشرعية المتاحة، وإيصال ذلك إلى شعوب الإقليم والعالم بما يسهم في تحقيق المصلحة»، والبيان جاء ترسيخاً لدعوة الجولاني التي لم تكن جديدة هي الأخرى، فقد سبق أن أطلقها الشرعي العام للهيئة عبد الرحيم عطوان «الملقب بأبي عبد اللـه الشامي» في أيلول من العام الماضي حين قال إن الهيئة تسعى إلى «تطبيع العلاقات مع الدول الغربية».

مجمل السياقات السابقة توحي بأن الجولاني تخلى عن حلم «الإمارة الإسلامية»، لمصلحة تنامي غواية السلطة، ولذا فهو يمضي اليوم نحو الحصول على «النسغ الناقص» الذي يرى أنه موجود في الغرب فقط، لترسيخ سلطته كأمر واقع في المناطق التي يسيطر عليها، ولأمد تتيحه التعقيدات الحاصلة في الأزمة السورية والتي باتت تحتاج لرزمة من الحلول، ولم يعد يكفيها حل واحد.

المصدر: سنمار سورية الإخباري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.