علاقة قديمة بين أمريكا والحوثيين، فهل تعود من جديد؟
قبل الحرب اليمنية كان هناك تعاون غير معلن بين أمريكا والحوثيين، بالرغم من أن مجرد السؤال عن إمكانية أن تتعايش الولايات المتحدة مع الحوثيين أو أن تتعاون معهم يبدو غريباً، لكن في الحقيقة فإن العلاقة بين الطرفيين قديمة.
وبلغ هذا التعاون إلى حد أن الجنرال لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي الحالي، عندما كان رئيساً للقيادة المركزية غضب من التدخل السعودي في اليمن؛ لأن الأمريكيين كانوا يدعمون سراً قتال الحوثيين ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت”، وفقاً لتصريح مسؤول كبير في القيادة المركزية الأمريكية نقلته مجلة Foreign Policy الأمريكية.
واليوم من الواضح أن هناك صراعاً داخل الأروقة السياسية الأمريكية المعنية باليمن حول كيفية التعاون مع الحوثيين، فهناك قوى مقربة من دول الخليج، التي تسعى لتأكيد خطورة الحوثيين على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، بينما هناك قوى أخرى تقلل من خطورة الحوثيين وترى أن منطقة الشرق الأوسط برمتها تراجعت أهميتها بالنسبة لواشنطن.
لم يعد اهتمام أمريكا بالشرق الأوسط والنفط كما كان في السابق
في هذا الإطار يرى تقرير موقع Responsible Statecraft الأمريكي أن واشنطن عازمة على احتواء الصين التي يتنامى نفوذها في المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما يستلزم تحويل تركيزها العسكري والجيواستراتيجي بعيداً عن الشرق الأوسط. وهذا التحول السياسي مرتبط بتحول اقتصادي، حيث تحل الطاقات المتجددة محل الهيدروكربونات، في حين أن الاكتشافات الهيدروكربونية الأخرى تقلل من أهمية نفط الشرق الأوسط.
وهذا الاحتمال يثير قلق معظم القوى السعيدة بالوضع الراهن -الأنظمة العربية وإسرائيل- التي تخشى خسارة الدعم الأمريكي المطلق، وامتيازاتها معه. وللحيلولة دون ذلك، بدأت هذه الأنظمة حملة واسعة لضمان استمرار الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، من خلال أنشطة تخريب، وضغط- بشكل مباشر وغير مباشر- عن طريق المراكز البحثية، حسب تقرير الموقع الأمريكي.
وفي هذا التقرير يقلل موقع Responsible Statecraft من خطورة الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وينتقد موقع Responsible Statecraft تقريراً لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بعنوان “حزب الله الجنوبي في اليمن: تداعيات تحسينات الصواريخ والطائرات المسيرة الحوثية”، يحذر من مخاطر الحوثيين على المصالح الأمريكية، ويعتبر أن تقرير معهد واشنطن نموذجاً لمواقف القوى الأمريكية التي تحاول إظهار الحوثيين خطر على مصالح أمريكا، لتحقيق أهداف دول الخليج.
خطورة الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر
في معرض ردّه على الحديث عن خطورة الحوثيين على الملاحة في الخليج.. يرى موقع Responsible Statecraft أن الحوثيين كانوا دوماً قادرين على اعتراض “الشحن الدولي” نفسه في جنوب البحر الأحمر، إن أرادوا ذلك. ولكن حتى الآن، يهاجم الحوثيون أهدافاً عسكرية واستراتيجية إماراتية وسعودية (وبعض سفن البحرية الأمريكية خطأً)، لكنهم لم يهاجموا الشحن التجاري.
ويقر التقرير بأن سيطرة الحوثيين على مأرب قد تحكم على عودة هادي إلى السلطة بالفشل، ولكنه يرى أن سقوطها قد لا يُنهي الصراع. وقد يكون لدى الحوثيين طموحات في الشرق، رغم أن قدرتهم على تأمين بقية اليمن أمر مشكوك فيه.
ومن المعروف أن مأرب هي مقر هادي للعمليات العسكرية، على طول طريق الإمداد الرئيسي من السعودية إلى عدن. وتضم مأرب أيضاً 385 ألف نازح داخلياً.
علاقات أمريكا مع الحوثيين قديمة
من الواضح أن هناك أزمة داخل الأروقة الأمريكية بشكل الموقف من الحوثيين.
بالنسبة للأمريكيين، فإن ما يهمهم من اليمن هو حرية الملاحة، ومحاربة القاعدة وداعش، وعلاقة الحوثيين بإيران.
ويرى تقرير موقع Responsible Statecraft أن المصالح الأمريكية في اليمن ليست واضحة، باستثناء التصدي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وقبل أن تهاجم السعودية الحوثيين كان لدى الحوثيين طريقة للتعايش مع القيادة المركزية الأمريكية بمطاردتهم القاعدة في جزيرة العرب.
حتى الجنرال لويد أوستن، قائد القيادة المركزية الأمريكية وقتها، كان غاضباً من التدخل السعودي لأن الأمريكيين كانوا يدعمون سراً قتال الحوثيين على القاعدة في شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت.
ومن حينها، يقاتل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في تعز ومؤخراً في مأرب إلى جانب قوات التحالف بقيادة السعودية والمدعومة من الولايات المتحدة، ضد الحوثيين، حسب Responsible Statecraft.
ويقدم الموقع الأمريكي طرحاً صادماً في معرض مطالبته بالتفكير بطريقة جديدة في التعامل مع ملف الحوثيين، إذ يقول: “حقيقة الأمر أن التفكير في “المستبعد” في هذه الحالة من شأنه أن يعني تعاون الولايات المتحدة مع الحوثيين في القتال على القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية.
وهذا التحول الكامل في السياسة ليس من النوع “المستبعد” أيضاً، حسب تقرير الموقع الأمريكي الذي يردف قائلاً: “فكروا في عدد الجماعات -وخاصة الغوركا- التي قاتلت إلى جانب البريطانيين (جماعات هندية قاتلت البريطانيون ثم انضمت إلى جيوشهم)”.
ويرى التقرير أنه لا يوجد ما يربط الحوثيين لا عسكرياً أو دينياً أو اقتصادياً بالولايات المتحدة، وإنهم كانوا مصدر إزعاج محتمل لملوك العرب السنة”، حسب تعبيره.
ويضيف أن انتهاج واشنطن لسياسة الاحتواء مع الحوثيين من شأنها أن تقيد القوات الأمريكية بالمنطقة دون أن يعود ذلك بالنفع على الولايات المتحدة.
ويقدم اقتراحاً صادماً إذ يقول: “الحل الأمثل للمنطقة وواشنطن هو تمكين القوات المحلية والدولية من العودة إلى التوازن”. في إشارة إلى ترك الأطراف المحلية (أي الحوثيين مع السعودية) تتقاتل دون تدخل أمريكي.
ويجدر بدول المنطقة التركيز على التعامل مع التأثير الوشيك لثورة الطاقة وتغير المناخ، فيما يمكن للولايات المتحدة أن تحول تركيزها إلى تحديات جيوسياسية أهم.