سنمار سورية الإخباري- لكيلا يجهد الصيام المتفاوضين

0

لربما تبدو طبيعية كل هذه الإثارة التي تنقلها العديد من التقارير والكثير من التصريحات، التي تحيط بحدث مفصلي ستكون الأزمة السورية على موعد معه ما بين 16 نيسان و16 أيار المقبلين وفقاً لما حدده الدستور السوري الذي قضت مادته الـ55 بوجوب إجراء الانتخابات الرئاسية قبيل انتهاء ولاية الرئيس بمدة لا تزيد عن 90 يوماً ولا تقل عن 60 يوماً، إذ لطالما كان الحدث هو الأهم في تاريخ الأزمة منذ أن اتخذت الأخيرة طابعاً انعطافياً بمقتضى التدخل الروسي الحاصل أواخر شهر أيلول من العام 2015، فالثمار التي تراكمت في الجعب تباعاً بعد هذا التاريخ الأخير سوف تحدد، وإلى حد بعيد، مدى صلاحيتها للطهي، وكذا للون ونكهة المائدة السورية الجديدة، والتي يراد لها أن تكون على غير ما كانت عليه على امتداد قرن من الزمن، أي منذ ولادة الكيان السوري بعيد استقلاله عن الحكم العثماني في تشرين ثاني من العام 1918.

ومن الطبيعي أيضاً أن نرى كل هذا الخلط المتعمد بين العديد من الملفات وبين ذلك الاستحقاق، وعلى رأسها ربط هذا الأخير باختراق تحققه « اللجنة الدستورية « المعنية بوضع دستور جديد للبلاد، أو إقرار آخر معدل للدستور الحالي، وهذا الخلط تتبناه جهات خارجية، وأخرى داخلية، خرج حراكها للعلن مؤخراً، وهي ترى أن الفرصة مواتية لإنضاج طبخة ولو بطريقة «طنجرة الضغط» القادرة على اختصار المدة الزمنية لتلك العملية بدرجة كبيرة، والاثنان يعملان على استغلال المساحة الضيقة التي باتت تفصلنا عن إطلاق ذلك الاستحقاق.

في السادس عشر من شهر آذار الماضي أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن الجولة السادسة من أعمال «اللجنة الدستورية» في جنيف ستنطلق في غضون شهر، وقبله، أو بالتزامن معه، كان نظيره الروسي سيرغي لافروف قد أعلن أن أعمال الأخيرة ستقلع قبل شهر رمضان، ولربما كان الأمر هنا مرتبطاً بمرمى ألا يشكل «الصيام» عامل إجهاد للمتفاوضين، على الرغم من أن المبعوث الأممي غير بيدرسون كان قد أطلق العديد من التصريحات التي أعقبت الجولة الخامسة، والتي وصفها بـ«المخيبة للآمال»، وهي في مجملها كانت تؤكد على وجوب التحضير جيداً للجولة المقبلة لكيلا تلقى هذه الأخيرة المصير الذي لقيته سابقتها، بل إن بيدرسون نفسه كان قد ذهب إلى حدود القول في 15 من آذار المنصرم إن «اللجنة الدستورية» عاجزة بمفردها عن حل النزاع في سورية.

صحيح أن لافروف كان قد قال في خطابه أمام نادي فالداي الذي انعقد في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي إن الجولة السادسة من «اللجنة الدستورية» ستكون «نوعية وجديدة»، مبرراً توصيفه ذاك بأنها ستشهد للمرة الأولى لقاء مباشراً ما بين رئيس الوفد المدعوم من الحكومة السورية، وبين رئيس وفد المعارضة، إلا أن حدثاً من هذا النوع من الصعب وضعه في خانة الاختراقات التي يمكن التعويل عليها، وهو، في أفضل حالاته، لا يتعدى من حيث النتيجة كسر «حاجز نفسي» كان قائماً على امتداد المرحلة لاعتبارات عدة، وهو من الناحية السياسية قد لا يكون ذا أثر كبير تجاه المسائل العالقة والتي تعتبر محورية لرسم صورة سورية المستقبلية التي ستكون محكومة بكل كلمة، إن لم يكن بكل حرف، سيجري الاتفاق عليه.

عكست الأيام الأخيرة من شهر آذار الماضي زيادة ملحوظة في التوتر الروسي الأميركي، والذي لا شك في أنه سوف ينعكس بدوره على مجمل الأزمات الساخنة على امتداد العالم، وفي الذروة منها الأزمة السورية، ففي الوقت الذي أعلن فيه لافروف من على منبر نادي فالداي آنف الذكر أن «الانتخابات السورية لا تشترط كتابة دستور جديد»، ثم أضاف: إن «الولايات المتحدة تستخدم تنظيم الدولة الإسلامية كأداة لعرقلة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية»، قبيل أن يمضي في توجيه اتهام للغرب بأنه «يضع شروطاً خاصة لإقامة علاقات مع النظام السوري»، في الوقت نفسه ذهب مؤتمر بروكسل بطبعته الخامسة التي انعقدت برعاية الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، والتي أنهت أعمالها يوم الإثنين الماضي، إلى تكرار السياقات التي ذهبت إليها طبعاته الأربع السابقة ما بين عامي 2017 و2020، فعلى الرغم مما احتواه بيانه الختامي من إيجابية التأكيد على «وحدة واستقلال سورية وسيادتها على أراضيها»، إلا أن الدعم المالي الذي تعهد الحضور الواسع، الذي ضم 52 دولة ونصف هذا العدد من المنظمات الدولية، بتقديمه جاء في سياق دعم بلدان اللجوء السوري، أو اللاجئين السوريين في الخارج كما ورد في البيان، وبمعنى آخر استبعاد الحكومة السورية من ذلك الدعم في محاولة لإضعافها، بما يتنافى مع الادعاءات سابقة الذكر، التي كانت تفترض، في حال صدقيتها، تعزيز مركزية الدولة وإنعاش مؤسساتها لتصبح أكثر قدرة على ممارسة دورها في إعادة اللحمة إلى النسيج المجتمعي السوري الذي أصابه الكثير من التهتك بفعل عوامل عدة كان الغرب منبعاً ثراً لتغذيتها، دون أن يغفل البيان التأكيد على حل مستدام للصراع السوري يقوم على بيان جنيف 1 للعام 2012 والقرار 2254 للعام 2015، والفعل أيضاً يمثل إشكالية أخرى حيث كلا «المرجعيتين» تحتاجان إلى توافقات حول العديد من البنود التي احتواها كل منهما على انفراد.

هذا كله يشير إلى بدء هبوب رياح حارة ربيع وصيف العام الحالي من المقرر أن تصل ذروتها في غضون الشهر المقبل، لكن العاصفة ستمر، فكم من عواصف جبتها هذه الأرض على مر مراحل التاريخ، وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة التي، لربما، كانت الأقسى بينها.

المصدر: سنمار سورية الإخباري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.