السودانيون في السعودية يترقبون بقلق ويتحسرون على عهد البشير

في وقت متأخر من الليل يجلس السوداني عصام (61 سنة) أمام مقهى شعبي يبيع الشاي في مدينة جدة السعودية متحسراً على عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، قائلاً “لا أعرف حتى النوم. لا نريد رفاهية ولا ديمقراطية، نريد أن نعيش بأمان كما كنا في عصر البشير”.

عصام الذي جاء رفقة عائلته لأداء العمرة، ترك بلاده “على ما يرام” لكن الحياة انقلبت رأساً على عقب حين كان يهم بالعودة إلى السودان بعد عمرة وزيارة استغرقتا أياماً.

ويقول لـ”اندبندنت عربية”، “كنا نخطط للعودة إلى الديار في خامس أيام عيد الفطر، 25 أبريل (نيسان) الماضي لكن كما تشاهد أبدو عالقاً في لحظات انتظار لا تطاق… لا أعرف ما الذي يخبئه القدر”.

قوة متمردة

السوداني الذي لا يثق بقنوات التلفزة لأنها تصف قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” بغير وصفها، بحسب تعبيره، فهو يقول إنها “قوة متمردة لا تملك أي شرعية… 80 في المئة منها هم من دول وقبائل نازحين ولا يحملون الجنسية السودانية”.

يتحدث الرجل، الذي يعتمر طاقية والثوب السوداني الفضفاض، وعيناه وعقله يتتبعان أخبار بلده المضطرب أمنها عبر “فيسبوك”. ويستعرض خلال حديثه أحد المتاجر التي تم اقتحامها متسائلاً “هل تريدنا أن نثق في قوة تتعامل بوحشية وسلب ونهب؟ قوات الجيش لا يمكن أن تفعل هذا”.

وعن الـ40 يوماً التي قضاها ولا يزال في السعودية يقول “لا شيء، هل تعرف معنى تمضية الوقت قلقاً؟”. ويضيف “أحاول أن أبدو متماسكاً أمام أسرتي لكن أحياناً ينكشف أمري. نحن جميعاً قلقون ولا نكاد نفارق الفندق الذي نسكنه”.

ويسكن عصام في فندق على نفقة وزارة الحج والعمرة السعودية، كما يقول. ولا ينسى الرجل الستيني فضل أبناء بلده العاملين في السعودية ويقول “هنا فور سماع أبناء بلدي عن هارب جديد من جحيم الحرب يسارعون لزيارته وضيافته”. وبحسب آخر إحصاءات رسمية يعمل في السعودية نحو مليون سوداني.

لا نريد سوى الأمن

أما محمد (43 سنة) فهو الآخر يعيش في الفندق نفسه ويواجه القدر نفسه. إذ كان قادماً من بلاده في رمضان لأداء العمرة لكنه لم يتمكن من العودة بعد نشوب النزاع بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الذي أسفر عن سقوط نحو 700 قتيل وآلاف الجرحى، بحسب مجموعة بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه (أي سي أل إي دي).

يقول محمد الذي يندب عصر البشير “حتى إن كان لا شيء فيه يعتبر مثالياً سوى الأمن فهذا يكفي”. ويتابع “في أبريل 2019 أسقط البشير وفي أبريل 2023 تسقط أرواح وممتلكات الشعب… أبريل شهر مشؤوم”.

وفي الوقت الذي تعرضت فيه مصانع وبنوك ومتاجر للنهب والتخريب في أنحاء الخرطوم وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه يتابع محمد تطبيق بنك أودع فيه أمواله ويقول “في كل ساعة أتفقد أموالي التي تعبت من أجلها… المستقبل مظلم هناك”.

الرجلان اللذان فضلا عدم إجراء اللقاء مرئياً خشية أي ضرر قد يلحق بهما يقولان “في الحقبة التي كان فيها البشير رئيساً كنا نشاهد الباعة يتركون بضاعتهم في الشوارع للذهاب للصلاة والعودة من دون أن يتجرأ أحد على المساس بها، لكن الوضع اليوم بات مختلفاً فالمحال تنهب في وضح النهار وتسلب بقوة السلاح”.

وفي وصف ساخر يقول محمد “هل تصدق أن 40 شخصاً يعرفون باسم (قحت) أضاعوا مستقبل 40 مليون سوداني، أليس الأجدر أن يطلق عليهم قحط”، وفق تعبيره.

و”قحت” اسم اختصار لـ”قوى الحرية والتغيير” التي تضم “تجمع المهنيين” و”الجبهة الثورية” و”تحالف قوى الإجماع الوطني” و”كتلة التجمع الاتحادي” و”كتلة قوى نداء السودان” وهي مكونات سياسية تشكلت بالتزامن مع الاحتجاجات السودانية نهاية 2018 وصاغت “إعلان الحرية والتغيير” و”ميثاق الحرية والتغيير” اللذين دعوَا في 2019 إلى إقالة عمر البشير من السلطة.

مبادرة سعودية – أميركية منتظرة

ويتحدث السودانيان قبيل ساعات من استضافة مدينة جدة طرفي النزاع بمبادرة سعودية – أميركية مشتركة في محاولة للحد من التوتر ويقولان “لا نعلم ما الذي سيحدث لكننا ننتظر ما الذي سيسفر عنه الاجتماع، قد يكون بارقة أمل”.

والجمعة، قالت السعودية إن وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن ناقشا في اتصال هاتفي مستجدات مبادرة مشتركة لاستضافة طرفي الصراع.

وقالت القوات المسلحة السودانية إنها أرسلت وفداً إلى جدة الجمعة في إطار المبادرة. ولم يصدر أي تعليق بعد من قوات الدعم السريع، لكن الجانبين قالا إنهما سيناقشان وقف إطلاق النار للأغراض الإنسانية فحسب وليس إنهاء الحرب.

وبحسب بيان رسمي أصدرته وزارة الدفاع السعودية يوم الجمعة، بلغ عدد رحلات عمليات الإجلاء 19 عملية إجلاء بحري منذ بدء الأزمة السودانية قبل 21 يوماً، شملت نحو 7839 شخصاً منهم 247 مواطناً ونحو 7592 ينتمون إلى 110 جنسيات

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.