السودان يحتضر امام بصر ابنائه بسبب العقول السياسية المتحجرة التي جعلت الباب مواربا للتدخلات الخارجية الغربية في شؤونه الداخلية بلا حياء

الملاحظ بعد اندلاع ثورة 19 ديسمبر 2018 التي حظيت بمساندة الجيش السوداني الذي له القدح المعلا في الإطاحة بحكم نظام الإنقاذ، برزت التباينات حول رؤى الاحزاب السياسية على الساحة السياسية فتكتل بعضها وكون ما يعرف بقوى إعلان الحرية والتغيير (قحت) التي سيطرت على الساحة السياسة بعد توقيعها على الوثيقة الدستورية مع المكون العسكري التي مكنتها من تقاسم السلطة مع المكون العسكري طيلة الفترة الى ما قبل 25 اكتوبر 2021م، وهذا جعل مكون قوى إعلان حرية والتغيير منفردا بالسلطة في إدارة شؤون البلاد وحدث الإقصاء للمكونات السياسية الآخرى التي كثر انتقادها للحرية والتغيير بسبب اختطاف الاخيرة للمشهد السياسي لوحدها في البلاد واستوزارها بالسطلة لوحدها من غير تفويض شعبي ودفعت بعناصر تنقصها الخبرة الكافية لإدارة المؤسسات، واخيرا فشلت في حلحلت المشاكل السياسية والامنية والإقتصادية نتيجة لغياب الخطط والبرامج والرؤى العلمية التي من خلالها تعالج المشكلات.

شهدت فترة حكم الحرية والتغيير عمليات الإنتقام السياسي ضد خصومها من السياسيين فكثفت جهودها وشغلت نفسها بهؤلاء الخصوم ولم تعير اي اهتمام للاوضاع الامنية والإقتصادية في البلاد فضاقت احوال المواطنين المعيشية وتعرض عقد الامن لعملية شبيها بالإنفراط وإزدادت عمليات الجريمة المنظمة وبطرق دخيلة على المجتمع السوداني وحدث الخطف والنهب تحت وطئة تهديد السلاح داخل المدن نهارا وليلا، وارتفعت معدلات القتل واشتعلت الحروب القبلية والعرقية في بعض مدن ولايات السودان خلفت قتلى لا يعلم عددهم إلا الله وارتفعت نسبة الفقر الى نسبة مذهلة لا يتوقعها اكثر الناس تشاؤما واصبح الكثيرون يتباكون على الاوضاع التي كانت قبل سقوط حكم الإنقاذ بالرغم من اختلافهم مع حكم الإنقاذ، وكل هذا الانهيار المذهل هو مسؤولية مكون الحرية والتغيير الذي اساء إدارة شؤون حكم البلاد.

كما معلوم سياسيا بان الحكومات الإنتقالية لا تجرؤ للدخول في إتخاذ القرارات المصيرية التي عادة يتم تأجيلها الى حين تشكيل حكومات منتخبة، ولكن للأسف حدث التخبط السياسي بكل عشوائية ودخلت حكومة الحرية والتغيير في إتخاذ حزم من القرارات المصيرية فتم تغيير السلم التعليمي بالمدارس وايضا تم تغيير المنهج الدراسي ولم تحسنه، والغت بعض القوانين واصدرت تشريعات مخالفة للشريعة الإسلامية، وشرعت في التوقيع على جميع الإتفاقيات الدولية خاصة بعضها لا يتماشى مع معتقداتنا الدينية وقيمنا واخلاقنا المجتمعية الاصيلة، وصاحبت هذه الفترة عمليات تحشيد ترسخ لمعاداة القوات النظامية والتقليل من دورها، وظهر الإنحراف في المظهر العام للشباب وتغير شكل الشباب واصبح التنمر هو السمة الطاغية ضد كل من يتحدث عن هويتنا الإسلامية والاحتكام لشريعة الإسلام !! وهذا خلق بيئة خصبة للتدخلات الخارجية التي لا تريد ان يسود حكم شريعة الإسلام في السودان الذي تبلغ نسبة المسلمين فيه 98% بعد انفصال جنوب السودان، والامر الغريب هو الرفض المكر لقيم الإسلام وكأن الدين هو خاص بنظام الإنقاذ !!
حسب ظن البعض بان حكومة الإنقاذ لم تطبق حكم شريعة الإسلام على الوجه الصحيح، هل هذا بمثابة مسوغ يجعلهم يرفضون حكم الإسلام ؟ واقول اذا راي البعض بان هناك تقصير في تطبيق الاحكام الشرعية يجب عليهم ان ينادوا بمعالجة التقصير والمطالبة بالتطبيق كما ينبغي بدلا عن معاداة الشريعة الإسلامية التي امرنا الله بتطبيقها طالما نحن مسلمون.

لاحظت ايضا كثر النقد على الوثيقة التي اعدتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين لعدم تضمينها هوية السودان الإسلامية، وانا هنا اتساءل :
من الذي فوض المحامين على إعداد هذه الوثيقة ؟
هل تم طرح الوثيقة للشعب السوداني لإبدأ رايه حولها ؟

ولاحظت ايضا كثر الحديث عن الحكم الديمقراطي المدني وانا لا ارفضه، وهنا اشير فقط الى التجارب الديمقراطية الثلاث السابقة التي اعقبت استقلال السودان والتي لم يكتب لها النجاح وجميعها اسقطت بإنقلابات عسكرية لفشلها في إدارة شؤون في البلاد وهي :
الديمقراطية الاولى: 1956 – 1958 اتت بعدها حكومة عبود العسكرية
الديمقراطية الثانية: 1964 – 1964
اتت بعدها حكومة نميري العسكرية
الديمقراطية الثالثة: 1985 – 1989
اتت بعدها حكومة البشير
ونجد حكومة المرحوم السيد الصادق المهدي وهي التجربة الثلاثة حيث تم تشكيل الحكومة فيها عن طريق الائتلاف، ولم يتمكن اي حزب بمفرده طيلة فترات الديمقراطية الثلاث التي شهدها السودان ان يحقق اغلبية تمكنه من حكم البلاد.
والامر المهم الذي اريد توضيحه عندما حدث الفشل المريع الذي لازم حكومة الصادق المهدي المتمثل في التردي الإقتصادي والامني في ظل تغلغل جيش الحركة الشعبية بقيادة قرنق الى الشمال وكان على مقربة من كوستي وكانت القوات المسلحة في اسوأ احوالها من حيث النقص في العتاد العسكري والمؤمن الغذائية بسبب الإهمال الذي طالها من قبل الحكومة الديمقراطية، والتساؤل المطروح :
اين دعم دعاة الديمقراطية من الدول الغربية لحكومة الصادق المهدي للحفاظ عليها من الفشل ؟

دون شك الدول الغربية لها اهداف واضحة وهي تريد ترسيخ العلمانية ومحاربة الإسلام عبر اكذوبة الحريات والمناداة بالحكم الديمقراطي، واذا هي حقا تريد سيادة نظام الحكم الديمقراطي في دول العالم، لماذا لم تتدخل في دول مثل الصين وروسيا وغيرها من الدول التي تطبق نظام الحكم الملكي ؟
السودانيون يتفاخرون بعبارة “معلم الشعوب” ولكن عجز معلم الشعوب ان يدير بلده في ظل فترة حكم إنتقالي مما استدعي ذلك وجود فولكر ورفاقه ليوفقوا بينهم وهذه فضيحة يسجلها التاريخ لان الذين يتصدرون المشهد السياسي جعلوا الباب مواربا للتدخل الاجنبي في بلد مستقل ويتمتع بكامل سيادته ولكن الآن حال البلد يفسر بانه موضوع تحت نظام الوصاية الدولي بامر ابنائه، وما يحدث حاليا للسودان شبيه بالاحتضار، واجزم اذا لم يتم تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة الضيقة والإبتعاد عن الإنتقام وتصفية الحسابات السياسية والاحتكام الى القانون ونبذ العنف والجهوية والعنصرية والطائفية ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية وعدم الخنوع والمهادنة مع الرجوع الى ما امر به الله، دون شك سياتي يوما ما تبكون فيه على السودان بعد تشييعه الى مقابر تفكيك الدول المنهارة ويتحول فولكر ورفاقه الى معزيين على الفقد الجلل.

احمد سليمان حامد

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.