الشرق الأوسط هو المنطقة الأهم لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية
أصبحت مبادرة الحزام والطريق رمزاً لقوة الصين وبزوغها كنجم ساطع في سماء القيادة العالمية التي تنفرد بها الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتولي بكين أهمية خاصة للشرق الأوسط في تلك الاستراتيجية، فما هي الأسباب؟
مبادرة الحزام والطريق هي أيقونة الاستراتيجية الاقتصادية والجيوسياسية التي تبناها الزعيم الصيني شي جين بينغ في عام 2013 وكان يشار إليها في البداية باسم طريق الحرير، والهدف منها إنشاء وتطوير مشاريع ضخمة للبنية التحتية في نحو 70 دولة حول العالم عبارة عن موانئ وسكك حديدية ومطارات لربط قارات العالم بشكل محوري انطلاقاً من الصين.
ويقوم هذا النهج التنموي الذي تتبناه الصين على إحياء مشروع طريق الحرير القديم من أجل تعزيز الترابط والاعتماد المتبادل نتيجة التغيرات الهائلة في الاقتصاد والتوازنات الجيوسياسية في العالم، وتستهدف الصين من تنفيذ هذا المشروع الوصول إلى أسواق جديدة، وتأمين سلاسل التوريد العالمية التي ستساعد في المقابل في توليد فرص مستمرة لنمو الاقتصاد الصيني؛ ومن ثم المساهمة في الاستقرار الاجتماعي في الداخل.
الشرق الأوسط المنطقة الأهم للمبادرة الصينية
لكن السنوات القليلة الماضية شهدت بروز منطقة الشرق الأوسط على رادار بكين بصورة لافتة، إذ عززت الصين انخراطها في المنطقة وأسست علاقات ودية مع مجموعة متنوعة من الدول، بما في ذلك تلك الموجودة على جوانب مختلفة من الانقسامات الإقليمية، من السعودية والإمارات إلى إيران ومن مصر إلى إسرائيل.
فبالنسبة للصين، يعتبر الشرق الأوسط من أهم المناطق لعدد من الأسباب أوردها موقع Modern Diplomacy في تقرير له رصد ليس فقط الأسباب ولكن أيضاً الاختلاف الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة في التعاطي مع المنطقة.
والسبب الأول يتعلق بجغرافيا الشرق الأوسط الذي يقع على مفترق طرق القارات الثلاث الرئيسية، أوروبا وإفريقيا وآسيا، إلى جانب البحر المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب وبحر قزوين، وقريباً من البحر الأسود أيضاً، ويُعتقَد أنَّ مشروع مبادرة الحزام والطريق يربط جميع هذه القارات معاً، وتقع هذه المنطقة أيضاً عند تقاطعات طرق النفط التي لها أهمية كبيرة للصين لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة. باختصار، يوجد في دول الشرق الأوسط أسواق الموارد المحتملة للصين، إلى جانب كونها بوابة إلى الأسواق الأخرى في العالم الدولي، ونتيجة لذلك، بدأت الصين في زيادة مشاركتها الاقتصادية والاستراتيجية والدبلوماسية مع هذه المنطقة.
الاقتصاد بوابة الصين للشرق الأوسط
ولا تخدم هذه الاستثمارات مصالح الصين فحسب، بل تخدم أيضاً دول الشرق الأوسط التي تحلم بتحسين اقتصاداتها وتعزيزها لدعم قاعدة الاستقرار الاجتماعي في الداخل، إضافة إلى ذلك، الشرق الأوسط هو الأقرب إلى القنوات البحرية الاستراتيجية الأربع البوسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق هرمز الذي تمر عبره معظم التجارة الصينية.
وتسهم هذه المنطقة أيضاً بدور رئيسي في التنسيق الأمني والتعاون الاقتصادي والتبادلات الثقافية تحت مظلة مشروع مبادرة الحزام والطريق، ويضاف إلى كل هذا، أنَّ هذه المنطقة الحيوية مصدرٌ لأكثر من 40% من واردات الصين من النفط وهي مزود رئيسي للغاز الطبيعي المسال.
وهناك سبب رئيسي آخر يجعل الشرق الأوسط جزءاً أساسياً من مبادرة الحزام والطريق، وهو الاهتمام بأمن الملاحة في الصين، وتمر معظم البضائع التي تحمل سفناً بين أوروبا والصين عبر العديد من نقاط الاختناق الموجودة في هذه المنطقة؛ لذلك من مصلحة الصين الأولى تأمين هذه النقاط، وبجانب هذا، يمر نحو ثلث النفط الخام المُصدَّر للخارج عبر مضيق هرمز قبالة سواحل إيران والإمارات العربية المتحدة.
وتسافر غالبية التجارة المنقولة بحراً بين الصين وأوروبا عبر مضيق باب المندب، قبالة جيبوتي واليمن، ويُعرِّض هذا المسار التجاري واردات الصين من الطاقة والسلع للانقطاعات والاضطرابات نتيجة ما يعانيه من القرصنة والتوترات الإقليمية والصراعات. ونتيجة لذلك، تولي الصين الأهمية القصوى لتأمين طرق التجارة هذه جنباً إلى جنب مع البحث عن طرق بديلة أخرى لتجنب نقاط الاختناق البحرية.
وعقب تنفيذ مشروع مبادرة الحزام والطريق، حسَّنت الصين علاقاتها مع دول الشرق الأوسط لتصبح شريكاً رئيسياً في الاستيراد والتصدير لدول المنطقة، وأصبحت المملكة العربية السعودية اليوم واحدة من أهم الشركاء التجاريين في الشرق الأوسط، وواحدة من الموردين الرئيسيين لغالبية مبيعات الصين من النفط الخام؛ مما جعلها تحظى باهتمام خاص في عيون الصين.
وتقع الإمارات العربية المتحدة على مضيق هرمز الذي تمر عبره غالبية واردات الصين النفطية؛ لذلك من مصلحة الصين أن تكون هذه الطرق آمنة لضمان مرور سلس للسفن التي تنقل النفط إليها. وتعتبر الإمارات ثاني موقع استثماري مُفضَل لدى الصين في منطقة الشرق الأوسط. وبفضل الموقع الاستراتيجي لدولة الإمارات وبنيتها التحتية المتطورة، تكتسب جاذبية باعتبارها مركزاً للصادرات الصينية.
اتفاقية شراكة استراتيجية مع إيران
وتمثل إيران دولة مهمة بالغة الأهمية أرادت الصين تطوير علاقات ودية معها بهدف توسيع موردي الطاقة وتقليل الاعتماد على الطاقة السعودية، إضافة إلى ذلك، ينطوي التعاون مع إيران على أهمية تتعلق بالحد من مخاطر تعطل النقل البحري عبر مضيق هرمز، بحسب تقرير Modern Diplomacy.
فقد هددت إيران في بعض المناسبات، بما في ذلك مؤخراً، بإغلاق المضيق، الأمر الذي من شأنه أن يرفع أسعار النفط ويعطل إمدادات الطاقة، ومن ثم، تحرص بكين على تطوير علاقات تعاون مع طهران. بالإضافة إلى ذلك، تأمل بكين أن يُنقَل النفط الإيراني يوماً ما إلى الصين؛ مما يقلل الاعتماد على الشحن البحري وما ينطوي عليه من مخاطر، وفي هذا السياق يأتي توقيع الصين مؤخراً اتفاقية شراكة استراتيجية مع طهران مدتها 25 عاماً.
وتجعل أهمية قناة السويس لشحن البضائع الصينية إلى أوروبا من مصر دولة رئيسية أخرى، وإضافة إلى ذلك فإن موقع مصر الاستراتيجي يعني أنها محورية في طريق الحرير الصيني البحري، مما يدفع الصين للمساهمة بدور رئيسي في تسهيل بعض المشروعات الرائدة في مصر التي أُطلِقَت في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وفي إسرائيل، كثَّفت الصين من استثماراتها في تطوير البنية التحتية للنقل في محاولة لإنشاء طريق من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط يتجنب قناة السويس، لذلك، تعمل الصين على بناء خط سكة حديدية فائق السرعة من إيلات على خليج العقبة إلى ميناء أشدود على البحر المتوسط، فضلاً عن الاستثمار في توسيع الميناء. وتأمل الصين من ذلك في إتاحة شحن البضائع من هذه الموانئ إلى ميناء بيرايوس في اليونان الذي تديره شركتها China Ocean Shipping Company.
الحياد الصيني في قضايا المنطقة
ومن هنا، فإنَّ الأداة الدبلوماسية التي اعتمدتها الصين والتي تسهل هذا “الجلوس على الحياد” تتمثل في استخدام دبلوماسية الشراكة، بدلاً من التحالفات، ففي أي تحالف، يخشى الجانب الأقوى من التورط في صراعات الجانب الأضعف، بينما يخشى الجانب الأضعف من الهجران.
لكن، تزيل الشراكات الاستراتيجية هذه المخاوف عن طريق تقليل الالتزامات، إذ يتفق الجانبان على التعاون في مجالات المصالح المشتركة مع إدارة مجالات المنافسة المحتملة، ومن خلال العمل على المصالح المشتركة، تكون الأهداف هي القوة الدافعة للعلاقات بدلاً من التهديدات، وتتوافر كذلك مسارات نحو تحسين العلاقات فيما يتعلق بالقضايا الأخرى.
إنَّ استخدام الصين للشراكات الاستراتيجية له نطاق هرمي من العلاقات ينقسم من “شراكة تعاونية ودية” في أسفل الدرجات إلى “شراكة استراتيجية شاملة” في القمة.
ومن ثم، فإنَّ استراتيجية الصين التنموية المتمثلة في مبادرة الحزام والطريق تشير إلى أنَّ هذه القوة الاقتصادية الناشئة تطمح إلى بسط تأثير أكبر في المنطقة التي يُعتقد أنها واحدة من أهم المناطق في العالم، وتختلف تلك الاستراتيجية الصينية عن استراتيجية الولايات المتحدة التي كانت صاحبة النفوذ الأقوى في المنطقة لكن هذا النفوذ بدأ يتراجع بشكل واضح خلال العقد الماضي.