ماهي العقوبات الاقتصادية، ولماذا أصبحت الخيار الأمريكي المفضل؟

military budget concept, banknote with weapon shadow
0

تعد العقوبات الاقتصادية جملة من التدابير والإجراءات الاقتصادية والمالية التي تفرضها دولة أو دول أو منظمات أو هيئات دولية أو إقليمية على دولة أو تنظيم أو شركة أو غيره، على خلفية القيام بأعمال عدوانية أو تهديد للسلم الدولي، أو لحمل ذلك الطرف على تقديم تنازلات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.

وتعتبر أمريكا، الدولة “الرائدة” في فرض عقوبات اقتصادية على خصومها سواء أكانوا دولاً أم أفراداً أم كيانات. وإليكم في هذا التقرير كل ما نعرفه عن تطور العقوبات الأمريكية، بحسب ما نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية.

ماهي العقوبات الاقتصادية؟

يمكن أن تكون العقوبات واسعة النطاق؛ مثل الحظر المفروض على كوبا، أو مُحدَّدة الهدف، التي أصبحت نهجاً مفضلاً على نطاق واسع في العقود الأخيرة. وعندما تُصدِر الولايات المتحدة عقوبات ضد أشخاص أو كيانات، يُمنَع مواطنو الولايات المتحدة وشركاتها من التعامل معهم. وفي بعض الحالات، تذهب العقوبات إلى أبعد من ذلك، بمنع الأمريكيين من التعامل مع أطراف ثالثة تشارك في أعمال تجارية مع المستهدفين بالعقوبات.

ويمكن للعقوبات أن تحد من مجموعة من الفرص الاقتصادية والتجارية. وغالباً ما تشمل تجميد تأشيرات السفر والحسابات المصرفية. ويمكن إصدارها ضد الأفراد والبنوك والمؤسسات والحكومات والكيانات الأخرى، مثل السفن. ومع تزايد أهمية العقوبات في السياسة الخارجية، ازدادت كذلك الانتقادات بشأن مدى فاعليتها، والمخاوف من تداعياتها على السكان المدنيين.

لماذا أصبحت العقوبات الاقتصادية خيار واشنطن المفضل

يتمتع كل من رئيس الولايات المتحدة والكونغرس بسلطة إصدار عقوبات. ويسمح قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية لعام 1977 للرئيس بفعل ذلك بسهولة نسبية.

ونظراً لأنَّ درجة عالية من التجارة العالمية تعتمد على الدولار الأمريكي وتتدفق من خلال المؤسسات المالية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، تتمتع واشنطن بوضع فريد يسمح لها بفرض عقوبات وإنزال “قدر هائل من المعاناة الاقتصادية” من خلال تقييد الوصول إلى الأسواق العالمية، على حد قول علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها واشنطن، في حديث لواشنطن بوست.

تطور العقوبات الأمريكية

يقول جون سميث، المدير السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية -الذي يفرض عقوبات اقتصادية وتجارية- إنَّ العقوبات تحولت في العقود الأخيرة من “النمط القديم، والحظر على مستوى البلاد”، مثل تلك المفروضة على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، إلى الحظر “المستهدف” الذي يركز على الجهات الفاعلة الفردية.

وبدأ هذا التحول في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، عندما بدأت واشنطن التركيز على التمويل الدولي لجهود مكافحة الإرهاب، على حد قول بريان أوتول، زميل أقدم غير مقيم في مركز GeoEconomics التابع للمجلس الأطلسي بواشنطن.

وقال أوتول إنَّ هذه الجهود استفادت من الهيمنة المتزايدة للولايات المتحدة في مجال التمويل الدولي، التي ساهمت، مع التغييرات الفنية والقانونية، في صعوبة “نقل الأموال حول العالم دون التفاعل مع الولايات المتحدة”.

على مدار العقد الماضي، بدأت الولايات المتحدة أيضاً في الاعتماد على عقوبات ثانوية أو تتجاوز الحدود الإقليمية، التي تعاقب الأطراف الثالثة التي تتعامل مع شخص مُستهدَف بالعقوبات؛ مما يجبر الآخرين بفاعلية على الالتزام بسياسات الولايات المتحدة.

كيف كانت العقوبات في عهد ترامب؟

فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي فضل اتخاذ إجراءات رئاسية أحادية الجانب، مجموعة من العقوبات الاقتصادية أضرت الخصوم وهددت في الوقت نفسه مصالح بعض الحلفاء. وتراوحت أهدافه من إيران إلى المحكمة الجنائية الدولية وما وراءها.

تقول جوليا فريدلاندر، الزميلة البارزة في المجلس الأطلسي التي عملت على سياسات العقوبات في وزارة الخزانة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما وترامب، إنَّ “الفوضى” التي اتصفت بها “عملية صنع السياسات شديدة التجزئة” التي يتبعها ترامب ساعدت في جعل العقوبات بديلاً مفضلاً.

ما الجديد في عهد بايدن؟

على عكس ترامب، يتوقع سميث، المدير السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية، من بايدن اتباع نهج متعدد الأطراف فيما يخص فرض العقوبات والاعتماد عليها اعتماداً أقل مما فعله ترامب.

وقال سميث إنَّ “إدارة بايدن، مثلها مثل الإدارات الأخرى قبلها، ستهتم كثيراً بمحاولة تنسيق نهج العقوبات قدر الإمكان (مع الدول الأخرى). وكلما كانت العقوبات متعددة الأطراف، زادت فاعليتها”.

يُذكر أنَّ بايدن وقَّع، في اليوم التالي لتنصيبه، سلسلة من الأوامر التنفيذية، منها أمر دعا إلى تقييم تأثير العقوبات الأمريكية على الاستجابات العالمية لوباء فيروس كورونا المستجد.

الدول التي من الممكن أن تشملها العقوبات في عهد بايدن

فرضت إدارة بايدن لائحة غير بسيطة من العقوبات على روسيا في يوم الخميس 15 أبريل/نيسان، التي تشير إلى أنَّ المزيد قادم. وبالنسبة لسياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا وكوريا الشمالية، حيث تعامل ترامب بنهج أكثر تعددية، يتوقع المحللون أن يواصل بايدن الاعتماد على العقوبات.

لكن من المتوقع أن يتخذ بايدن نهجاً أكثر عدوانية تجاه روسيا مما فعل ترامب. وكان الكونغرس هو الذي أقر في النهاية عقوبات تتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 وكَبَح سلطة الرئيس في إلغائها.

بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في 2018، أعاد إصدار مجموعة من العقوبات ضد إيران. وقبل مغادرته منصبه، أضاف عقوبات وأهدافاً جديدة إلى القائمة المتزايدة؛ مما أدى إلى تعقيد هدف بايدن المُعلَن المتمثل في العودة إلى الاتفاقية.

وفي هذا السياق، يقول علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إنَّ النقطة الشائكة هنا هي أنَّ بعض هذه العقوبات لا تمثل انتهاكاً مباشراً لاتفاق 2015، لكنها تخنق إيران حالياً بدرجة كبيرة.

إصلاحات على نظام العقوبات تدرسها واشنطن

يريد بعض الخبراء والمدافعين إصلاحاً جذرياً لآلية تطبيق العقوبات الأمريكية. من الناحية العملية، يقول فايز إنَّ العقوبات الأمريكية نادراً ما حققت أهداف السياسة الخارجية المُعلَنَة.

وأوضح أنَّ هذا يرجع جزئياً إلى أنَّ واشنطن ليس لديها إطار واضح لتقييم فاعلية العقوبات وما إذا كانت أهداف السياسة الخارجية قد تحققت أم لا، إضافة إلى أنها لا تمتلك آلية لمتابعة تنفيذ الوعد بتخفيف العقوبات إذا كان المُستهدَفين بالعقوبات قد غيروا سلوكهم بالفعل.

وأضاف فايز: “إنَّ العقوبات فعَّالة فقط بقدر احتمال تخفيفها استجابةً للتغييرات في السياسة”. مشيراً إلى أنَّ الكونغرس يمكن أن يضطلع بدور في هذا الإصلاح من خلال سن تشريع يحدد معايير واضحة لرفع العقوبات وتخفيفها.

وتقول جماعات حقوق الإنسان إنَّ العقوبات الأمريكية في بعض الدول، من بينها العراق وإيران وفنزويلا، أدت إلى تفاقم الأزمات الإنسانية من خلال عزل المدنيين عن الأنشطة الاقتصادية الحيوية؛ مما أدى إلى نقص في الأساسيات مثل الأدوية. وكان بعض الديمقراطيين في الكونغرس يضغطون من أجل سن تشريع لضمان وجود استثناءات إنسانية لإيران أثناء الوباء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.