العنف القبلي يحرّق “النيل الأزرق”… وجيش “البرهان” منشغل بقمع الاحتجاجات

في وقت يشكو فيه أهالي إقليم النيل الأزرق شرقي السودان، من تباطؤ أجهزة الأمن في حسم صراع قبلي دموي راح ضحيته نحو 31 مواطناً؛ أقدمت السلطات الأمنية في العاصمة الخرطوم على إغلاق جسر النيل الأزرق، وعدد من الجسور النيلية الرابطة بين مدن العاصمة (الخرطوم، بحري، أم درمان)، استباقاً لمواكب احتجاجية جديدة وجهتها القصر الرئاسي، للمطالبة برحيل النظام العسكري.

وباتت الأوضاع في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرق السودان، على شفا الحرب الأهلية، بعد امتداد الصراع بين قبيلتي الفونج والهوسا، من محلية ود الماحي، ليصل إلى أهم مدن الإقليم: الروصيرص، والدمازين وقيسان.

بدأ الصراع في النيل الأزرق، قبل عيد الأضحى، بمطالبة الهوسا بمنحهم إمارة “تنظيم ذو طابع أهلي”، وهو أمر يرفضه الفونج، بدعوى أنهم هم سكان المنطقة، وأن الهوسا “محض وافدين” للإقليم ولا يملكون أراضٍ فيه، وبالتالي لا يحق لهم الانتظام في سلك الإدارة الأهلية.

وفي أول أيام الأضحى، 10 يوليو/ تموز، انفجر الاحتقان القبلي بمقتل أحد الرعاة بمحلية ود الماحي، ما أدى إلى سلسلة من الهجمات الانتقامية بين المكونين، توسع نطاقها لاحقاً ليصل مدينتي قيسان والروصيرص.

وانضم إقليم النيل الأزرق المتمتع بالحكم الذاتي، إلى قائمة طويلة من الأقاليم التي تعاني صراعات قبلية دموية في ظل الاضطراب والغموض السياسي الناجم عن انقلاب البرهان- حميدتي في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وبالفعل عاد شبح الحرب مؤخراً إلى إقليم دارفور غربي البلاد، بعد تنامي خطاب الكراهية المتأسس على القبيلة، وانتشار السلاح في أيدي المواطنين، وزاد من التوتر ظهور الذهب بكميات كبيرة في الإقليم.

وانتقل الصراع القبلي الذي عادة ما يكون محوره الأرض والزعامة إلى إقليم كردفان، والإقليم الشرقي الذي يحتضن موانئ السودان على البحر الأحمر.

يُحمّل الباحث المتخصص في النزاعات، أحمد زين العابدين، سلطات الانقلاب مسؤولية كافة التفلتات الأمنية الجارية بالبلاد.

وقال لرصيف22 إن انشغال سلطات الانقلاب في قمع الحراك الاحتجاجي المتواصل منذ صبيحة 25 أكتوبر/ تشرين الثاني، “أدى إلى تراخي القبضة الأمنية في الأطراف”، الأمر الذي تحاول أطراف قبيلة استغلاله لزيادة نفوذها، على حساب بقية المكونات السكانية.

وتابع: “كذلك فإن تبني مسؤولي الانقلاب لخطاب عنصري وجهوي، وبحثهم عن إيجاد حاضنة سياسية، أدى لارتفاع صوت القبيلة بشكلٍ ملحوظ”.

واستدل زين العابدين بما جرى في فترة الأعياد، حيث خاطب البرهان سكان مسقط رأسه في ولاية نهر النيل، داعياً إياهم للتعاضد، قائلاً لهم إن “الآخرين لا يشبهونهم”.

يعتقد الناشط في السياسي بولاية النيل الأزرق، حمدان موسى، إن تنظيمات الإدارات الأهلية، “هي أُس المشاكل القبلية في السودان”.

وقال لرصيف22 إن سلطات الانقلاب “وبحثاً عن الشرعية، قامت بشرعنة التنظيمات القبلية، تارة بالعطايا والامتيازات والمناصب، وتارة بغض الطرف عن تورط قادتها في أحداث عنف قبلية”. مضيفاً: “هذا مع التغافل عن تدخل بعضهم علانية في تسمية قادة العمل التنفيذي، وليس نهاية بتهديدهم الأمن عبر إغلاق المشاريع القومية، أسوة بما جرى لموانئ البلاد الرئيسة على البحر الأحمر قبل عدة أشهر”.

وطالب موسى بحل الإدارات الأهلية بصورة فورية، وقال إن بقائها شر مستطير، في طريقه لتمزيق اللحمة الوطنية بين السودانيين، ما لم يتم تدارك الأمر بصورة عاجلة.

المرعب في أمر الصراع في إقليم النيل الأزرق، إنه تأكيد جديد أن القائمين على أمر البلاد حالياً، لن يتحركوا قيد أنملة لحسم الصراعات القبلية إلا في حال حصولهم على اعتراف من السودانيين بشريعة نظامهم العسكري. وما لم يحدث ذلك فإن القوى الأمنية سوف تأبى إطلاق رصاصة واحدة لإرداء من يمارسون القتل على الهوية صراحةً، وإن كانت لا تخفي استمرارها في رفع غلتها من قتلى الاحتجاجات السلمية لأكثر من 114 شاباً وطفلاً كل سلاحهم الهتاف والنداء بالحكم المدني.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.