الغرب يعمل على ابتزاز الدول الضعيفة بقرارات المحكمة الجنائية

التقى يوم الأربعاء الماضي (15 مارس 2023) ملك بريطانيا – التي أصبحت تغيب عنها الشمس – الملك تشارلز الثالث حوالي الثلاثين من السودانيين ببريطانيا، قالوا إنهم يحيون ذكرى الإبادة في دارفور.

ووفقاً لإفادة من سفير سابق للسودان ببريطانيا، تقول إنه تلقى خطاباً موقَّعاً من أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني، الذي كان عضواً بإحدى جمعيات الرفق بالحيوان، يحتج فيه على سوء معاملة الحمير في دارفور!!!

قال السفير – ساخراً – إنه فكر في الرد على عضو مجلس العموم قائلاً إن حكومته تعتذر لكل الحمير الذين مثّلهم في خطابه!!!
وكان خطاب الاحتجاج ذاك من ضمن الحملة التي اتُهِمت فيها (حكومة الكيزان) بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بل تنفيذ إبادة جماعية «Genocide وتطهير عرقي «Ethnic Cleansing» واغتصاب جماعي في دارفور.
وقالو وقتها: إن الحكومة قتلت 300 ألف مواطن، ثم صعدوا هذا الرقم في 2015 حتى بلغوا به 400 ألف قتيل!!!

ويُفهم من خطاب عضو مجلس العموم «TheCommons» أنّ الإسلاميين لم يحترموا حتى الحمير!!! رغم أن العضو لم يفصح عن الحمير الذين أبلغوه بمآسيهم و«التهميش» الذي مُورس عليهم.

بدأت حملة الاتهام بالإبادة الجماعية من متحف الهوليكوست اليهودي بأميركا، وتحالف إنقاذ دارفور «Save Darfur Coalition» وعشرات المنظمات الغربية.
وبادرت بالحملة نفس الشخصيات التي كانت تروج ضد الحكومة السودانية إبان حرب الجنوب، مثل جون برندرقاست، وأريك ريڤز، والبارونة كوكس، وعضو مجلس العموم المِثلي وليام بين Baine وشخصيات من اللوبي اليهودي وغيرهم.

كانت الحملة ضخمة، قوية، وضارية، وغير قابلة للتشكيك أو النفي.. فلم يكن من المسموح مثلاً السؤال عن: مكان المقابر الجماعية ل 400 ألف قتيل!!! وما كان ممكناً الاحتجاج لعضو مجلس العموم بالسؤال عن المصدر من مملكة الحيوان، الذي أوصل احتجاجات حمير دارفور لمجلس العموم!!!

بدأت حرب دافور بهجوم الحركات المتمردة على مطار الفاشر العسكري، حيث دمرت طائرات حربية!
وامتد التمرد فاستهدف أبراج الاتصالات وخطوط نقل الكهرباء ومحطات آبار الشرب، واختطاف العاملين في مشروعات التنمية، بما فيهم الصينيين، ومهاجمة مراكز الشرطة في المناطق النائية.
وتواصل هجوم المتمردين ليشمل شاحنات نقل البضائع وشاحنات نقل الوقود الخاصة، بل مواشي الرعاة ومتاجر المواطنين في كُتُم، ومليط، وبُرام، وحمرة الشيخ، وأم برو، وكورنوي، وقرى لا تُحصى، حيث قتّلوا المواطنين ونهبوهم وشردوهم.

كان جون قرنق دائم الحديث عن ضرورة أن يقيم الجنوب منطقة عازلة «Buffer Zon» بينه والشمال.
ولهذا الغرض بادر، فأرسل قوات بقيادة داؤود بولاد، وأرسل ياسر عرمان (حتمي الوجود في كل جريمة) وأعانه الشيوعيون فأججوا نيران حرب في جبل مرة، وأشعل قرنق جنوب النيل الأزرق.
كانت توصية جون قرنق لقادة تمرد دارفور أن يخلقوا أزمة إنسانية؛ ليلتفت لهم (المجتمع الدولي) وليجدوا التعاطف والدعم.

وبمهاجمتهم لمرافق المياه والمدارس والكهرباء والمراكز الصحية وحرق القرى، فرَّ المواطنون العزل آلافاً إثر آلاف، فخُلِقت الأزمة الإنسانية التي أوصى بها قرنق، وخُلِقَت البيئة اللازمة للحملات الإعلامية ثم التدخل.
رفع المتمردون شعار: «التهميش» وادَّعوا أن ما يسمونه النخبة النيلية استهدفت دارفور حصراً بهذا التهميش. على أن التناقض يفضح من يدمر مراكز الخدمات ومشروعات البنية التحتية ثم يحتج بالتهميش!!
تصدَّت الحكومة، مدعومة من قوات حرس الحدود (بقيادة موسى هلال) ثم قوات الدعم السريع، للمتمردين.. ورافق هذا التصدي تجاوزات خاصة من الدعم السريع، وأضرار جانبية «collateral damage» وموت، وراح ضحية للصراع آلاف من الطرفين، وهو في كل الأحوال رقم ضخم ومؤسف، لكنها الحرب.
وفي كل الأحوال لم يصل عدد الضحايا تلك الأرقام الفلكية التي تحدث عنها الغرب المجرم.

لكن الحملة الإعلامية تركزت على الحكومة منفردةً. وغضت الطرف عن فظائع المتمردين التي كانت السبب الأساسي والمُتعمّد للجوء والنزوح، كأن المطلوب من الدولة ألّا تتصدى لتمرد يقتل ويدمر ويشرد، أو أن تقدّم باقات الورود للمتمردين، وإلاّ اتهمت بالإبادة والاغتصاب الجماعي!!

وتصاعدت الحملة وضغوط المنظمات إلى أن أوصل السودان للمحكمة الجنائية الدولية «ICC»، التي حصرت الاتهامات على الدول الأفريقية وحدها، بعد أن حصنت الدول الأوروبية وأميركا مواطنيها من أي اتهامات ومحاكمات، رغم ما ارتكبوه في أبو غريب وفي قوانتانامو، وسجن باغرام، وإبادتهم للبشر في العراق وأفغانستان، وما تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وصف بروفسر ممداني، العالم العَلَم، مؤلف «Saviors and Survivors» المحكمة الجنائية بأنها إحدى أدوات الغرب في نمط استعماره الجديد لإخضاع الدول الضعيفة.
فتحت الحملة أبواب الدول الغربية للجوء أبناء دارفور، بل كل السودانيين وأفارقة من تشاد ومالي والنيجر وإثيوبيا وغيرها للدول الغربية.. كلهم زعموا أنهم فروا من الإبادة في دارفور!!
ومارس معارضو الإنقاذ من الشماليين في الغرب وبعض أبناء دارفور أدواراً قذرة في التضليل، والتلفيق، والكذب، والفبركات، والمبالغات… يندى لها الجبين.

كان المعارضون الكبار من «أولاد البحر» في بريطانيا، يشهدون زوراً لأي مقدم طلب لجوء بدعوى أنه من دارفور.. وكان بعضهم يتقاضى نظير شهادة الزور تلك ما بين 500 إلى 1000 جنيه استرليني.
ورغم هذا العار لم يستحوا أن يهتفوا:
«يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور»

كان تمرد بعض أبناء دارفور في جانب منه تمرداً عنصرياً، استهدف فيه بالقتل من يُسمونهم: «أبناء الشريط النيلي والجلابة».
وكمثال، أسرت قوات متمردي دارفور الشرتاي آدم صبي و«الجلابي» ضابط إداري كُتُم مصطفى عبد الرحيم، لكنها أطلقت سراح الشرتاي آدم صبي، وقتلت «الجلابي مصطفى عبد الرحيم»!!
بالطبع هذا مجرد مثال.

ولا يزال بعض أبناء دارفور في أوروبا وأميركا يبثون مقاطع فيديو تتوعد الجلابة بالقتل والتصفية، وتسبهم بكل قبيح بذيء مستنكر من القول.

ووفقاً للديلي ميل (15 مارس 2023) فقد لبّى الملك تشارلز الدعوة لحضور «الذكرى العشرين للإبادة في دارفور»!!! التي أقامها له بعض السودانيين في لندن، وعلى رأسهم بعض أبناء دارفور.

قدمت الدعوة لملك بريطانيا إحدى بنات دارفور تُسمى «أمُّونة آدم»، إبان حضورها لذكرى المحرقة اليهودية (هوليكوست) في قصر بكنقهام في يناير الماضي.. وزعمت أنها فقدت 150 فرداً من عائلتها في دارفور!!!! وأن الملك تعاطف معها، لذا استجاب للدعوة!!

أمُّونة ورفاقها يودون تكريس فكرة أن ما حدث في دارفور يساوي ما حدث في محرقة اليهود «Holocaust» على أيدي النازيين.

وكما ابتُزّت ألمانيا مالياً ومعنوياً، يريد هؤلاء أيضاً استمرار ابتزاز السودان.
وفي المناسبة، أسمع الحضور «مآسيهم» للملك، وطالبوه بالتدخل لمنع الحرب والقتل، الذي لا يزال يجري في دارفور.. وقصوا قصصاً، نعرف نحن السودانيين ما يشوبها من تلفيق ومبالغات.. ولكن الملك «الحِنيّن» أعرب عن ألمه وتعاطفه معهم. لكنهم لم يقولوا له إن القتل الذي يجري حالياً يمارسه بعض أبناء دارفور أنفسهم. ولم يقولوا له إن النازحين – والحرب في أوجها – كانوا يلجئون لمناطق قواعد جيش الحكومة التي يتهمونها بالإبادة!!!

أليس مؤسفاً مواصلة البعض لمثل هذا السقوط؟؟

لعل العدل والمنطق يطالب جماعات المتمردين في دارفور وهؤلاء الناشطين، بالاعتراف والاعتذار للسودانيين، للابتزاز وللضرر الذي ألحقوه بدارفور والصورة القبيحة التي ألصقوها ولا زالوا يُلصقونها بالسودان.
يجب أن يعتذروا للبشر في دارفور..

         ياسر أبّشر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.