ماذا يعني اتهام “هيومن رايتس ووتش” لإسرائيل بجريمة الفصل العنصري؟
اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، يوم الثلاثاء 27 أبريل/نيسان، سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتبنّي نظام الفصل العنصري، أو ما يُسمّى بالأبارتيد في تعاملها مع الفلسطينيين وتكون بذلك هيومن رايتس ووتش أول منظمة حقوقية دولية كبرى تقوم بفعل مماثل. لكن إسرائيل نفت هذه المزاعم نفياً قاطعاً، ووصفت تقرير هيومان رايتس ووتش المؤلف من 213 صفحة بأنه “منشور دعائي يفتقر لأدنى درجات المصداقية”، واتهمت المنظمة التي يقع مقرها في نيويورك بأنها “تعتمد أجندة معادية لإسرائيل منذ أمد بعيد”، بحسب تعبيرها.
ماذا يعني ذلك لإسرائيل؟
لكن هيومن رايتس ووتش ليست أول من استخدم هذا المصطلح المُدين، إذ كثيراً ما قال محللون وجماعات حقوقية فلسطينية إن تصرفات إسرائيل ترقى إلى مستوى الفصل العنصري، وكانت إسرائيل تعتبره “رأياً متطرفاً”.
وتقول صحيفة The Independent البريطانية، إنه أصبح من الصعب الآن القول إن هذا الأمر هو “رأي متطرف”، لأن أعداد الجماعات الحقوقية والخبراء الدوليين الذين خلصوا إلى نتائج مماثلة في تزايد مستمر.
ففي يوليو/تموز من العام الماضي، وبعده في يناير/كانون الثاني، نشرت جماعتان إسرائيليتان بارزتان من جماعات حقوق الإنسان، وهما “ييش دين” و”بتسيلم” تقريرين عن موقفهما، خلصا إلى أن إسرائيل نظام فصل عنصري. والآن انضمت “هيومن رايتس ووتش” إليهما.
وفي تقرير المنظمة -المعنون “Threshold Crossed”- تذهب هيومن رايتس ووتش إلى أبعد من هذه التهمة، لتطالب بالمحاسبة وفرض عقوبات وتأسيس هيئات تحقيق دولية، يمكن أن تنتهي بملاحقات قضائية وشرط صفقات الأسلحة والمساعدات العسكرية المستقبلية لإسرائيل بخطوات إيجابية تتخذها البلاد.
لكن هذه الإجراءات سياسية، وتتطلب وقوف حلفاء إسرائيل مثل المملكة المتحدة ضد ما قد يعتبرونه مصالحهم ومعتقداتهم الخاصة.
إذ تخضع السلطات الإسرائيلية بالفعل لتحقيق من المحكمة الجنائية الدولية، بخصوص جرائم دولية تُرتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة. غير أن إسرائيل رفضت هذا التحقيق رفضاً قاطعاً، قائلة إن “المحكمة الجنائية الدولية ليست لها سلطة للنظر في هذه المزاعم”.
وسارع حلفاء إسرائيل ولوبياتها أيضاً إلى دعمها بالقول إن المحكمة الجنائية الدولية تستهدف إسرائيل “جوراً وظلماً”. وزاد بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني على ذلك بقوله مؤخراً إن “هذا التحقيق يعطي الانطباع بأنه هجوم متحيز ومضر بصديقة وحليفة للمملكة المتحدة”، بحسب وصفه.
ولذا يُستبعد أن توافق حكومة المملكة المتحدة على تقرير هيومن رايتس ووتش، أو أن تلتزم بتوصياتها، بل ويستبعد أن تفعل أي دولة كبرى ذلك.
ماهي جريمة الفصل العنصري؟
تقول “ذي إندبندنت”، صحيح أن لدى المحكمة الجنائية الدولية سلطة النظر في جريمة الفصل العنصري في تحقيقها المقبل، لكن وفقاً لخبراء القانون الدولي لا توجد سوابق قضائية في هذه المسألة. ولا أحد يعرف طبيعة الأدلة التي سيطلبها القضاة لإثبات تورط دولة ما في جريمة الفصل العنصري.
وتصنف المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “جريمة الفصل العنصري” ضمن الجرائم على الإنسانية التي تخضع لولايتها القانونية.
وتعرفها بأنها أية أفعال غير إنسانية ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام.
وتعرِّف الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة 1973 ودخلت حيز التنفيذ 1976) الفصلَ العنصريَّ بأنه “تهديد خطير للسلم والأمن الدوليين”.
وتنص المادة الثانية من نفس الاتفاقية على أن عبارة “جريمة الفصل العنصري” تنطبق على الأفعال اللاإنسانية المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية ما على أية فئة عنصرية أخرى واضطهادها إياها بصورة منهجية.
النشاط الحقوقي الدولي يتصاعد ضد إسرائيل
من جهته، يقول كيفن جون هيلر، أستاذ القانون الدولي والأمن في جامعة كوبنهاغن وأستاذ القانون في الجامعة الوطنية الأسترالية: “ليس لدينا أي اجتهادات أو سوابق قضائية في هذا الشأن”. وأضاف: “في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لدينا اتفاقية الفصل العنصري، لكنها جريمة جديدة تماماً من الناحية القانونية. فهي ليست جريمة مباشرة، وتعتمد بشكل كبير على الأوضاع الفعلية على الأرض”.
لكنه استدرك قائلاً إن العدد المتزايد من الجماعات الحقوقية التي تتهم إسرائيل بتبني سياسة الفصل العنصري قد يؤدي إلى “تصاعد النشاط الحقوقي” لدفع الدول إلى الاستعانة بالولاية القضائية الدولية، للتحقيق مع المتورطين ومقاضاتهم في محاكم بلدانهم، لكن هذا يستبعد حدوثه أيضاً، وسيلقى رفضاً من دول عدة حول العالم.
فعلى سبيل المثال، غيّرت الحكومة البريطانية بالفعل قانون المملكة المتحدة المتعلق بالولاية القضائية الدولية حين اضطرت تسيبي ليفني، الوزيرة الإسرائيلية السابقة، إلى إلغاء رحلتها إلى لندن، في ديسمبر/كانون الأول عام 2009، بعد صدور مذكرة توقيف بحقها من محكمة ويستمنستر. ويُلزم القانون البريطاني الآن بالحصول على موافقة مسبقة من مدير النيابة العامة، قبل إصدار أمر توقيف مرتبط بجرائم الحرب الدولية. وقد مُنحت تسيبي ليفني بعدها حصانة دبلوماسية مؤقتة خلال زيارة لها عام 2014.
تأثير مهم للمستقبل
ولذلك يقول خبراء القانون الدولي إنهم يرون أن لتقرير هيومن رايتس ووتش والعدد المتزايد من الجماعات الحقوقية التي تؤيد النقطة نفسها، تأثيراً رمزياً أكثر منه واقعياً.
فقد يؤدي إلى انتشار استخدام هذا المصطلح ويشجع الآخرين على نشره في المستقبل. ولهذا السبب على الأرجح نرى هذا الرفض القاطع من جانب أنصار إسرائيل ممن يختلفون مع نتائج هذا التقرير.
ووزارة الخارجية الإسرائيلية لم تستخدم كلمات متهاونة في رفضه. وجاء في بيانها: “هذا التقرير فصل جديد في الحملة المستمرة للمنظمة، التي يقودها أحد مؤيدي حركة المقاطعة المعروفون، دون أن يكون لها أي صلة بالحقائق أو الواقع على الأرض”. وجاء أيضاً: “وهذه المزاعم الخيالية التي لفقتها هيومن رايتس ووتش كاذبة ومنافية للعقل”.
وفي صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية، اتهم الأكاديمي الإسرائيلي جيرالد شتاينبرغ المنظمة الحقوقية الكائنة في نيويورك بتشويه صورة إسرائيل عمداً بـ”دعاية الفصل العنصري”.
ومهما كان رأيك في موقف منظمة هيومن رايتس ووتش، أو موقف المنظمات الأخرى التي توصلت إلى النتيجة نفسها، فهناك تغيير. ورغم أنه قد لا يؤدي إلى أي اختلاف فعلي في الوقت الحالي فقد يكون له آثار قوية في المستقبل، كما تقول الصحيفة البريطانية.