رسالة موجهة إلى بايدن من خلال استهداف إسرائيل لمفاعل إيران النووي

0

لماذا تسعى تل أبيب لعرقلة الجهود الأمريكية لإعادة إحياء الاتفاق النووي؟

كان المفاعل النووي الإيراني قد تعرض الأحد 11 أبريل/نيسان الجاري لانقطاع الكهرباء نتيجة لحادث وصفته طهران “بالإرهاب النووي”، واتهمت إسرائيل بالوقوف خلفه وتوعدت بالانتقام، فيما لم تعترف تل أبيب رسمياً ولم تنفِ مسؤوليتها عن الحادث الذي لا يزال حجم الضرر الذي تسبب فيه غامضاً.

وتسبب الحادث في في رفع حرارة الدراما عالية المخاطر المحيطة ببرنامج إيران النووي والمفاوضات الجارية حالياً في فيينا لمحاولة إعادة الاتفاق الذي انسحبت منه الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب وتسعى الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن لإقناع طهران بالعودة للالتزام به مقابل رفع العقوبات الأمريكية، وهنا جاء دور إسرائيل للتدخل في “التوقيت المثالي” لإفساد تلك المفاوضات.

ورصد موقع Responsible Statecraft الأمريكي الأهداف الإسرائيلية والتي يبدو أنها لا تتوقف عند حدود تدمير الاتفاق النووي فقط وإنما تتعداها إلى هدف أكثر عمقاً.

هل تحاول إسرائيل إفساد الاتفاق النووي؟

فالهجوم على منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، الذي نفذته إسرائيل على ما يبدو، سوف يوصف مراراً وتكراراً وعلى نطاق واسع في وسائل الإعلام الأمريكية بأنه خطوة تستهدف “انتكاس البرنامج النووي الإيراني”. لكن الأمر ليس شيئاً كهذا. إذ إن الهدف من وراء الهجمات الإسرائيلية الأحدث على المنشآت الإيرانية لم يكن انتكاساً لنوع ما من التقدم الوطني الذي تحققه إيران نحو نوع من فرضية امتلاك سلاح نووي، بل كان انتكاساً على صعيد الدبلوماسية، وكانت هذه الهجمات تكتيكاً يستخدمه الإسرائيليون منذ عهد طويل، بحسب تقرير الموقع الأمريكي.

وعلى مدى أكثر من عقدين من الزمان حتى الآن، كانت إسرائيل سريعة في محاولة إغراق أي خطوة قد تتخذها الولايات المتحدة وإيران في اتجاه حل خلافاتهما، وكانت تفعل ذلك دائماً في اللحظة الحاسمة التي يبدو فيها ثمة احتمالية لدفء العلاقات بين الطرفين تلوح في الأفق. ولعل القاسم المشترك الأكثر إذهالاً في هذه السلسلة من المغامرات، أنها في كل مرة تكشف إسرائيل أنها مُهددةٌ من احتمالية تطور العلاقات بين واشنطن وطهران أكثر من التهديد الذي قد تواجهه من احتمالية امتلاك إيران سلاحاً نووياً. 

ويرى تقرير الموقع أنه ثمة سبب بسيط لهذا، إذ تعرف إسرائيل أكثر من أي طرف آخر أن إيران ليست مهتمة بامتلاك الأسلحة النووية، وهي حقيقة عُرضت ووُثقت عن طريق صحيفة The New York Times في مارس/آذار 2012، لكن إسرائيل تعرف كذلك أن الاعتراف بهذه الحقيقة يمكن أن يزيل عوائق رئيسية أمام إنهاء الخصومة بين الولايات المتحدة وإيران ويفتح الباب أمام تطوير العلاقات بين البلدين.

إسرائيل لا تريد علاقات أمريكية – إيرانية طبيعية

يمكن أن يؤدي أي تطور إيجابي في العلاقات بين واشنطن وطهران على الأرجح إلى إعادة ترتيبٍ جوهريةٍ في السياسات الأمريكية بالشرق الأوسط، وبطريقةٍ قد تقلل أهمية إسرائيل بالنسبة لأمريكا، إذ إن النتيجة المرجوة دائماً بالنسبة لإسرائيل هي مناخٌ من التوترات المستمرة بين إيران والولايات المتحدة، بجانب العزلة الشديدة والعقوبات القاسية التي تأتي معها ضد الجمهورية الإسلامية. وأحد أسهل وأنسب الطرق للإبقاء على هذا المناخ، يكمن في التأكد من أن قضية امتلاك إيران السلاح النووي لن تموت أبداً.

ومن وجهة النظر الإسرائيلية، يمكن أن تبدو الهجمات التي على شاكلة استهداف مفاعل نطنز، خطوةً استراتيجيةً معقولة وواضحةً، ولأسباب عديدة. بادئ ذي بدء، تضع هذه الهجمات واشنطن في موقع صعب، حيث يكون لدى فريق الرئيس جو بايدن الآن خياران أساسيان للرد. فيمكن أن يصدر إدانة قوية معلنة، ويوضح أن واشنطن لا علاقة لها بالهجوم، لكنه إذا فعل، فإنه يواجه خطورة التعرض لانتقادات غاضبة من الداخل الأمريكي لانتقاده إسرائيل. الخيار البديل الذي يمكنه اللجوء إليه، هو ألا يقول شيئاً، وهو أسهل بكثير من الناحية السياسية. لكنه يخاطر حينئذ بخلق انطباع بأن واشنطن تتغاضى عن الهجوم (بل وأنها بطريقة ما ضالعة فيه).

يتضح تماماً ما الذي يعنيه هذا للمحادثات النووية مع إيران. إذا كان هناك أدنى انطباع بأن واشنطن تعطي بطريقة ما “ضوءاً أخضر” لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، فيمكن أن تتهم إيران الولايات المتحدة بالتفاوض بنية سيئة هذا الأسبوع في فيينا.

وعلى كل حال، كانت السياسة الرسمية لإدارة بايدن تدور حول الالتزام بإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحب منه الرئيس ترامب في 2018، وأظهرت إدارة بايدن في الأيام الأخيرة جدية بشأن اتخاذ خطوات قوية لحدوث هذا. فكيف سيكون رد أعضاء مجموعة 5 +1 (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) على الأنباء الواردة التي تقول إن هذا كله كان مجرد دبلوماسية زائفة، وإن واشنطن كانت تدبر سراً هجمة مفاجئة ضد إيران طوال الأسبوع؟

مأزق إدارة بايدن

بكل تأكيد، ثمة خيار ثالث، وهو أن تقدم الإدارة تطمينات هادئة أو عبر قناة خلفية بأنها لم تكن متورطة في الهجوم ولا توافق عليه، لكن هكذا مسار ينشئ مشكلة محرجة. دعونا نتذكر أن الهجوم وقع في غضون ساعات من زيارة رفيعة المستوى إلى إسرائيل من جانب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وهي زيارة كان الهدف منها تعزيز موقف واشنطن الراسخ بالالتزام بالدفاع عن إسرائيل في المنطقة. ولذا فإن أي اعتراف غير رسمي مترهل وخجول بأن واشنطن لم تكن تعلم بشأن الهجوم المخطط، أو أنها عرفت ولم تحاول إيقافه، لن يضع قائد البنتاغون في موقف جيد.

الصورة الكبيرة هنا بكل تأكيد تشير إلى أن إسرائيل تُعقِّد عودة واشنطن إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وتُعقِّد كذلك التزام طهران المتجدد بحدود التخصيب. دعونا نتذكر برغم كل شيء أن موقف الإدارة الجديدة كان دائماً أنها لا تستطيع العودة إلى الاتفاق إلا إذا عادت إيران هي الأخرى إلى الالتزام ببنوده. ولكن ما هي الحكومة التي يمكن أن تقدم تنازلات كهذه بينما تتعرض منشآتها النووية حرفياً للهجوم؟ لا يتضح في هذه المرحلة ما إذا كانت إيران سوف توافق على تقليص تخصيب اليورانيوم بدون إشارة واضحة من واشنطن وبقية دول مجموعة 5+1، بأنها لم تكن متورطة في الهجوم.

وهذا التطور هو ما حدث بالفعل، إذ أعلنت إيران الثلاثاء 13 أبريل/نيسان -عشية اجتماعات مقررة الأربعاء في فيينا لتقييم مسار المفاوضات الجارية- أنها ستبدأ في زيادة تخصيب اليورانيوم نبسبة 60%، وهو ما يمثل رداً متوقعاً من جانب طهران على حادث نطنز النووي.

ويصبّ كل هذا في صالح التكتيك الذي لا تستطيع دولة أخرى غير إسرائيل أن توظيفه، فعلى الرغم من أن هناك دولاً أخرى في المنطقة ترغب أيضاً في تخريب المحادثات النووية، لكن دعونا نتخيل ما الذي سيحدث إذا هاجمت السعودية المنشآت النووية في إيران. سيكون هناك عاصفة من الإدانة بين المشرعين الديمقراطيين الغاضبين من إبداء عدم احترام السياسة الخارجية للرئيس بايدن من جانب حليف رئيسي للولايات المتحدة. وبكل تأكيد، لن يكون هناك أي عاصفة من الانتقادات التي تُوجَّه إلى إسرائيل.

وفي واقع الأمر، إذا كانت إسرائيل هي التي تقف وراء الهجوم فقد حصلت لنفسها على نوع فريد من النفوذ. صحيحٌ أن إسرائيل رسمياً ليست عضواً في مجموعة 5+1 التي تتفاوض على الاتفاق النووي، بيد أنها أظهرت قدرتها، لأسباب عملية، على ممارسة حق النقض ضد قرارات الأعضاء الآخرين، أو على الأقل تعقيدها. ولعل هذا هو أقوى تأثير لأفعالها، فمن خلال اتخاذ خطوات عدائية ضد إيران، وهي خطوات تعجز واشنطن عن منعها أو لا ترغب في ذلك، فإن إسرائيل تشتري لنفسها فعلياً مقعداً على طاولة مجموعة 5+1، لم تكن ستحصل عليه بأي طريقة أخرى.

قد يكون كل هذا خطوة بارعة، إذا كان هناك أي شيء جديد حولها. لكنها كانت كتاب اللعب بالنسبة لإسرائيل منذ بداية القرن الجديد على أقل تقدير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.