أرقام مرعبة لإصابات كورونا في الهند.. أخطاء كارثية ودروس لباقي الدول
تحمل المشاكل التي تشوب استجابة الهند للموجة الثانية الفتاكة لفيروس كورونا المستجد تحذيراً صارخاً للدول الأخرى. وبالعودة إلى الوراء كان من الواضح أنَّ الأرقام الخاصة بالإصابات الجديدة التي أبلغت عنها الهند، في يناير/كانون الثاني، وفبراير/شباط، ربما كانت جيدة جداً لدرجة يصعب تصديقها؛ إذ شهد بلد يزيد عدد سكانه عن 1.3 مليار شخص انخفاضاً في عدد الإصابات به عن ذروته الأولى في العام الماضي، والتي تجاوزت 100 ألف حالة في اليوم إلى أقل من 10 آلاف إصابة.
ثم تناقلت التقارير أنباء أعداد الإصابات وكأنها أشبه بالمعجزة. وصرح جيشنو داس، خبير الاقتصاد الصحي في جامعة جورج تاون الأمريكية، لإذاعة NPR في أوائل فبراير/شباط: “ليس الأمر أنَّ الهند تشهد إصابات أقل، أو لا يُبلَغ بما يكفي عن الأوضاع هناك، بل إنها (الإصابات) ترتفع، وترتفع، ثم الآن فجأة اختفت! فاستخدام وحدات العناية المركزة بالمستشفى قد انخفض. يعكس كل مؤشر انخفاض الأرقام”.
ما الذي يحدث في الهند؟
مع ذلك الفيروس لم يختفِ. وتقول صحيفة The Guardian البريطانية، إنه من المحتمل أن يستغرق تفكيك الغموض حول أسباب هذا الوهم سنوات، لكن من الواضح أنَّ نظام مراقبة الفيروس في الهند أخطأ في رصد مدى انتشاره الحقيقي في وقت سابق من هذا العام، حتى في الوقت الذي احتفل فيه الناس بانخفاض الإصابات، إلى أن فات الأوان.
وفي حين كان التركيز الأكبر على أحدث نسخة هندية من فيروس كورونا، يرجع السبب في معظم إصابات الموجة الأخيرة أيضاً إلى مزيج من السلوك الاجتماعي ونقاط الضعف في النظام الصحي الهندي والقرارات الخاصة بالسياسة المتبعة.
ومع إخبار العامة بأنَّ الدولة تغلبت على الفيروس، أو أنَّ بعض المناطق اقتربت من تحقيق مناعة القطيع، وأنَّ التطعيم كان وشيكاً، وهو ما يُمكِّن من السيطرة على الفيروس، عزف بعض أولئك الذين كانوا يسعون سابقاً للخضوع للفحص عن هذا الخيار، لاسيما لو كانوا يعانون من أعراضٍ أقل خطورة.
ومع تقدير متوسط عمر السكان بـ26.8 عام، يبدو من المحتمل أيضاً -مثلما هو الحال في أي دولة أخرى- أنَّ عودة الانتشار كانت مدفوعة في جزء كبير منها بالأفواج الأصغر سناً، الأخف قلقاً بشأن مرض يُنظَر إليه على أنه يصيب الأكبر سناً والأقل صحة بنسبة أعلى؛ ما يعكس نمطَ حديثٍ بات مألوفاً الآن من انتقال العدوى بين الأصغر إلى الأكبر سناً.
وبالنسبة للعديد من الأشخاص الآخرين، فإنَّ الحصول على فحص في بلد به مناطق فقر مدقع، وسوء رعاية صحية، لن يكون خياراً قابلاً للتطبيق. ولا يزال آخرون يعانون للعثور على فحوصات، مثلما أوضح رئيس إحدى أكبر شبكات المختبرات في الهند هذا الأسبوع.
الحكومة الهندية ارتكبت أخطاء كارثية
تقول الغارديان، في الحقيقة، مثلما يتضح، فإنَّ الهند ارتكبت أخطاء كارثية مماثلة لدول أخرى، فبعد بلوغ الموجة الأولى ذروتها، من خلال الاقتراح بالعودة إلى درجة من الحياة الطبيعية حتى في وقت كان من الواضح أنَّ دولاً أخرى قد تعرضت بالفعل لموجات ثانية خطيرة.
وفي هذا السياق، كتبت الدكتورة تشاندراكانت لاهاريا، في مقال رأي لموقع India Today الأسبوع الماضي: “جاءت الموجة الثانية من كوفيد-19 بعد بضعة أشهر من الموجة الثانية في البلدان الأخرى، التي كانت في وضع يشبه ما مر به العالم من منتصف إلى أواخر عام 2020. ولم يكن هناك أي سبب لاعتقاد أنَّ الأمر سيكون مختلفاً في الهند”.
وأضافت الدكتورة تشاندراكانت: “رغم التهاون الملحوظ في سلوك الناس، فإنه في الفترة من فبراير/شباط إلى أبريل/نيسان 2021، لم تُظهِر الحكومة عزماً على تطبيق تدابير الصحة العامة. وبينما أصدرت التوجيهات المعتادة بشأن السلوك الملائم لكوفيد-19، كان صناع السياسات والقادة المنتخبون هم الذين شجعوا ضمنياً على الازدحام في المهرجانات (هولي في نهاية مارس/آذار 2021)، والتجمعات الانتخابية في خمس ولايات (مارس-أبريل 2021) والتجمع الديني (مهرجان كومبه ميلا في هاريدوار، في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2021)”، بدعوى أن الوباء ينحسر. ويبدو أنَّ الحكومة نفسها تهاونت في السيطرة على الوضع.
دروس وعبر من التجربة الهندية المريرة
لقد كررت الهند، أكبر مُنتِج للقاحات في العالم، الأخطاء التي ارتُكِبَت أيضاً في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وذلك بالافتراض أنَّ التطعيم وحده سيكفي للسيطرة على “كوفيد-19″، وهو خطأ تفاقم يوم الثلاثاء، 20 أبريل/نيسان، بإصرار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على أنَّ عمليات الإغلاق يجب أن تظل تدبير “الملاذ الأخير”.
وكما أثبتت تجربة المملكة المتحدة، فالحقيقة هي أنَّ مزيج التطعيم المكثف وعمليات الإغلاق والمراقبة يوفر أفضل فرصة للتخفيف من تأثير الوباء.
وربما الأهم من ذلك كله هو أنه يعزز ثلاثة دروس رئيسية:
أولاً، بدون التركيز على المراقبة الفعَّالة سيستغل فيروس كورونا المستجد تلك النقائص في عملية الاستجابة للانتشار مرة أخرى.
وثانياً، أنه حتى في خضم حملة تطعيم مثل حملة الهند، حيث لا تزال أعداد كبيرة غير مُحصَّنة، يظل “كوفيد-19” تهديداً قوياً وقادراً على التغلب على الأنظمة الصحية.
وثالثاً، فإن الدرس الأخير مُوجَّه للقادة السياسيين. إن التعزيز (مثل ما فعله مودي حول إنتاج اللقاحات في الهند)، وتشجيع التحيز للأوضاع الطبيعية (الذي يقود الناس إلى التقليل من مدى التهديدات عند مواجهة مخاطر جسيمة) لهما آثار حقيقية في حالات الطوارئ الصحية العامة، التي تعتمد على حث الناس على توخي الحذر.