انفتاح حميدتي على الداخل والخارج يعزز دوره السياسي في السودان

حملت تأكيدات قوات الدعم السريع على متانة علاقتها بمؤسسة الجيش وعدم قدرة أيّ طرف على تعكير صفوها إشارة إلى أن قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) يحمل قدرا كبيرا من المرونة جعلته يعزز مكاسبه في الداخل والخارج.

وانتظرت قوى مناوئة للاتفاق الإطاري المزمع تحويله إلى اتفاق سياسي نهائي الشهر المقبل ردة فعل مختلفة، وعوّلت على إفشال الالتزام بالمصفوفة الزمنية التي تم تحديدها للتوقيع على الاتفاق النهائي وإقرار دستور مؤقت وتشكيل السلطة التنفيذية.وجددت قوات الدعم السريع في السودان الخميس تأكيدها على العلاقة المتميزة التي تربطها بالقوات المسلحة، والتزامها الكامل بالوصول إلى جيش قومي مهني واحد، مشددة على أن أيّ جهة لن تستطيع تعكير صفو العلاقة مع الجيش، وهو ما يعكسه عملها بصورة إيجابية في اللجان الفنية المشتركة لاستكمال بقية التفاصيل وفق التوقيتات المعلنة سابقا.

وتغيب ممثلو الجيش السوداني عن الجلسة الأخيرة من ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي عقدت مساء الأربعاء، وقبيل وقت قصير من الجلسة الختامية المخصصة لإعلان التوصيات النهائية التي توصل لها المشاركون بعد أربعة أيام من المناقشات وسط معلومات تردّدت بشأن وجود خلاف مع قوات الدعم السريع حول “جدول وتواريخ وآلية الدمج”.

واستطاع حميدتي نزع فتيل الأقاويل في مرات عديدة ساعدته على كسب مساحات سياسية كبيرة مكنته من أن يحظى بقبول القوى المدنية الرئيسية في السودان والحصول على دعم أطراف إقليمية ترى امتلاكه حنكة تؤهله لإحداث حالة من التوازن وفض الاشتباك بين المكوّنين المدني والعسكري في السودان.

ويبدو الرجل كأنه خرج من زاوية ضيقة ظلت تلاحق قوات الدعم السريع كقوة مسلحة تحاول أن تضبط الأوضاع وتواجه حالات الانفلات المتكررة في إقليم دارفور، من دون أن تخلو من اتهامات حول طبيعة دورها وتجاوزاتها وعلاقتها الشائكة بالجيش.

وأوحت التصريحات المستمرة التي أدلى بها قائد الدعم السريع، والتي أكد فيها على ضرورة إنهاء الأزمة السياسية ودعمه للقوى الثورية الفاعلة التي تصدّرت مشهد الاتفاق الإطاري وفي مقدمتها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، بأن هناك تغييراً طرأ على صورته في الشارع كشخص داعم للقوى المدنية ويرغب في إنهاء الفراغ السياسي.

ونجح حميدتي في أن يصبح الشخص الأكثر ثقة من جانب قوى مدنية، علاوة على الكثير من الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق جوبا للسلام عبر مفاوضات قادها بنفسه كممثل عن السلطة الانتقالية لأكثر من عام قبل التوقيع عليه.

كما انفتح قائد الدعم السريع على قوى إقليمية فاعلة في المشهد السوداني، وتثق به الآلية الثلاثية التي تضم البعثة الأممية في السودان والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، وترى اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات إمكانية أن يلعب دورا فاعلا في إنجاح التسوية بما يملكه من ثقل سياسي واقتصادي وعسكري.ونسج حميدتي علاقات قوية مع دوائر غربية لدعم الاتفاق الإطاري وإنهاء الفراغ الحالي خوفًا من استغلاله من جهات تريد القفز على السودان، وتمكن أيضا من بناء علاقات قوية مع روسيا، وتعتقد دوائر خارجية مختلفة أنه يسهم في حفظ أمن الحدود مع دول غرب ووسط أفريقيا لحضور قوات الدعم السريع القوي في دارفور.وقال المحلل السياسي خالد الفكي إن قوات الدعم السريع حظيت بتمويل سابق من الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتوقف ذلك الدعم بعد اندلاع الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، لكن التنسيق لم ينقطع تماما مع دول غربية تثق بالقدرات الأمنية لقوات الدعم السريع.وأضاف الفكي في تصريح لـ”العرب” أن أحد مخاوف الجيش التي تجعل البعض من قادته مترددين في الإقدام على عملية دمج قوات الدعم السريع داخله يكمن في العلاقة القوية بين حميدتي وقوى الحرية والتغيير.وأشار إلى أن المنتسبين لتنظيم الإخوان وفلول البشير الذين هيمنوا على قوات الجيش لأكثر من ثلاثين عاماً واستولوا على شركاته وقوته الاقتصادية يخشون أن يكون الدمج مؤثراً وقاتما على المصالح الاقتصادية للحركة الإسلامية في السودان.وتتملك هؤلاء دائما مخاوف من عمليات التطوير المتوقعة في العملية السياسية خلال الفترة المقبلة، في حين أن موقف حميدتي الذي يسعى ليكون إصلاح الجيش جزءا من إصلاح الأجهزة الأمنية جميعها يحظى بدعم من المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير، والذي يسعى لتسير الأمور في اتجاه الإصلاح الشامل.وهناك قوى مناوئة للدعم السريع، ممثلة في تيار اليسار ويقوده الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين وحزب البعث الاشتراكي ممن رفضوا مقاربات سياسية جادة مع قوات الدعم السريع، بدأت تخسر نفوذها الذي حققته عقب الإطاحة بالبشير ولم تعد تحظى بحضور قوي في الشارع بسبب مواقفها المتشددة من التسوية، ما منح حمديتي مساحة أكبر للتقارب مع قوى ثورية مدنية لا تمانع في تعظيم دوره السياسي.ويعتقد البعض من المتابعين أن الخلاف الراهن بين الجيش وقوات الدعم السريع سيتم تحجيمه لإنجاح العملية السياسية، وهو ما يستفيد منه حميدتي الذي يريد وضعية جديدة تقود إلى إنهاء المرحلة الانتقالية بسلام وإجراء الانتخابات.

ورجحت تقديرات هؤلاء المتابعين عدم مشاركة حميدتي في الانتخابات المقبلة مباشرة وفقًا لتفاهمات بين القوى المدنية والعسكرية الموقعة على الاتفاق الإطاري التي تحظر على اللاعبين في السلطة الترشح في أول انتخابات، لكن قد تكون الأجواء الراهنة فرصة لفتح آفاق جيدة ووازنة في مسيرته السياسية لاحقا.

ويحظى قائد الدعم السريع بقبول من أطراف دولية تدعم الاتفاق السياسي النهائي وتعتزم تقديم منح اقتصادية سخية لتخطّي المرحلة المقبلة، وحال رسّخ أولى خطوات دمج قواته في الجيش سيكون مهّد ليصبح قوة مهمة في الهيكل الوطني.

ويعد دمج قوات الدعم السريع وإخضاع الجيش تحت قيادة سلطة مدنية من أهم مطالب الأحزاب والمجموعات المدنية لتشكيل جيش وطني موحد وفقا لترتيبات دستورية وسياسية تحمل أبعادا لها علاقة بمجتمع دولي تسعى بعض قواه الرئيسية لإنهاء حالة تعدد الجيوش في السودان، الأمر الذي يؤثر بدوره على استقرار الأمن في المنطقة.

وأكد حميدتي في تصريحات متباينة أن قواته ملتزمة بالاندماج في الجيش بلا تشنج، استنادا إلى مصفوفة الاتفاق الإطاري الذي وقعته قوى مدنية مع عسكريين في الخامس من ديسمبر الماضي، وأن قواته داعمة للدمج وفقا للجداول المعلنة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.