بوادر مفاصلة جديدة (الشعبية) بين مواقف (عقار) وأشواق (عرمان)

خرج عضو مجلس السيادة ورئيس الحركة الشعبية مالك عقار أمس الاول بحديث عن عدم ايفاد حركته أي من اعضائها للمشاركة في اجتماعات قوى الحرية والتغيير مجموعة المركزي، في اشارة إلى الامين العام لحركته ياسر عرمان.

ومنذ اجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي والشعبية ترسم مظهراً سياسياً متناقضاً ما بين الرجلين، حيث ان عقار لم يبارح كرسيه بالقصر الرئاسي فيما انحاز رفيقه عرمان لمجموعة المركزي المناهضة لتوجهات اكتوبر، الأمر الذي رسم سلسلة من التساؤلات حول مصير ومسار الحركة الشعبية السياسية واصطفافها مع رئيسها الموجود في المنصب السيادي بموجب اتفاقية سلام جوبا، ام ان عرمان قادها لمجموعة الائتلاف؟ ويبدو ان الحركة التي جنحت للسلام بعد ان حملت السلاح سنين عدداً تنازعت ما بين موجهات مالك الواضحة في مواصلة سلام جوبا بعيداً عن اطروحات الساسة وملعبها واشواق ياسر للديمقراطية وتجاربها.

بيانات مضادة

رئيس الشعبية وامينها تبادلا بيانات مضادة اشعلت وتيرة الخلاف بشأن موقف الحركة من مشاركتها في اجتماعات مجموعة المركزي وسط توقعات بان تنشأ مفاصلة أخرى ولكنها ليست جديدة، وباعادة التاريخ إلى الخلف نجد ان الحركة الشعبية الام شهدت خلافات وانشقاقات منذ الثمانينيات بخروج كاربينو على الراحل جون قرنق، ثم انقسم عنها رياك مشار نائب رئيس جمهورية الجنوب حالياً وايضا فاولينو، وبعد انفصال الجنوب انشق عقار نفسه عن الحلو قبل ان يخرج جلاب ايضاً من مجموعة مالك مغاضباً، وأخيراً بوادر الانشقاق التي بدأت تلوح في الافق بين عقار وعرمان

عضو مجلس السيادة مالك عقار خرج امس بصفته رئيساً للحركة في بيان، واكد ان الشعبية ليست جزءاً من اجتماعات قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، ولم ينتظر عرمان كثيراً ليرد عليه ببيان مضاد ذكر فيه ان البيان المنسوب لرئيسه مؤسف ولن يحظى بتأييد الغالبية الساحقة من جماهير الحركة، ودعاهم للتعبير عن هذا الرأي بصورة مباشرة.

وبالتزامن مع الاحداث التي طرأت على مشهد الحركة خرجت انباء تفيد بتقديم وزير الحكم الاتحادي بثينة دينار استقالتها من منصبها. وهناك مواقع صحفية نسبت خروج دينار من الحكومة لتدوينة على صفحتها عزت فيها الوزير المستقيلة قرارها الى انحيازها لمطالب الثورة والسلام.

علاقة فاترة

قيادي بالحركة الشعبية رفض الحديث عن هذا الطرق لـ (الانتباهة) وعزا ذلك لجهة انهم يريدون السيطرة على الخلاف قبل ان يتفاقم ويتطور الى انشقاق، فيما ابلغ مصدر ذو صلة الصحيفة بان العلاقة بين عقار وعرمان شهدت فتوراً خلال الاشهر الماضية رغم الاجتماعات التي كانت تجمعهما، مضيفاً ان الخلاف بدأ تحديداً منذ اكتوبر حينما رفض عقار تسييس موقف الشعبية والتركيز على انفاذ مطلوبات السلام، فيما كان واضحاً انحياز ياسر لمجموعة المركزي الامر الذي اظهر صورة الحركة مرتبكة سياسياً.

وهناك متابعون ذهبوا الى ان بوادر الخلاف بين الرجلين طبيعية، وذلك لموقف الحركة الذي اثار استغراب الجميع بوجود رئيسها مع العسكر بالقصر وامينها مع المجموعة المعارضة، مما افرز حالة من التناقض والغموض والاضطراب في الموقف السياسي للشعبية وسبب لها حرجاً بالغاً.

أمر متوقع

(كان متوقعاً).. هكذا ابتدر القيادي السابق بالحركة الشعبية احمد موسى افادته لـ (الانتباهة) وقال ان الخلاف طبيعي لجهة التباين في الرؤى والمواقف بين الرجلين التي تفاقمت بصورة واضحة خلال اكتوبر الماضي بسبب موقف عرمان المنحاز لمجموعة المركزي، ويشير موسى الى ان الحركة الشعبية ستتأثر حال حدث انشقاق، مستدلاً بالحضور القوي لعقار شعبياً بالنيل الازرق، بينما لعرمان تأثير في قطاع مثقفي الحركة.

صراع السياسة والسلطة

(المقارنة بين الرجلين غير منطقية وغير عادلة)، هكذا يصف المراقبون منطق الميزان بين عقار وعرمان. وبالعودة الى الخلف نجد ان شخصية الاول عسكرية وميدانية ولا يتحدث كثيراً ولا وجود لتصريحات على لسانه، وظل هكذا منذ ان برز قيادياً بالشعبية وبعد ان اصبح والياً للنيل الازرق، قبل ان يتمرد على الحكومة في اعقاب انتخابات 2010م، فيما عرف بمقولته الشهيرة حينها (يا الهجمة يا النجمة)، والهجمة كان معنياً بها الهجوم والنجمة كان يقصد بها رمزه الانتخابي الذي جاء به والياً بالانتخاب بالنيل الازرق، وبعد الثورة حينما عاد الرجل الى السودان الذي غادره بعد هجومه الشهير بالنجمة لم تكن تصريحات عقار عدائية حتى لحظة التوقيع علىي اتفاق سلام جوبا الذي جاء به عضواً بالسيادي عن الجبهة الثورية، ولم يكن يتحدث عن السياسة، وكان له دور بارز في الافراج عن امينه عرمان الذي اعتقل على خلفية اجراءات الخامس والعشرين.

وعلى النقيض برز عرمان اعلامياً بصورة مكثفة منذ وصوله الخرطوم بعد الحادي عشر من ابريل 2019م، حيث ظل دائم الترديد والتعبير عن مواقف الحركة، وكان عضواً في وفد التفاوض في سلام جوبا وكذلك في مركزية الائتلاف الجامع بين قوى الحرية وحركات الجبهة الثورية، وبعد اكتوبر الماضي اظهر ياسر عداءً شديداً للمكون العسكري وانتقاداً للسلطة والحكومة التي يجلس على احد مقاعدها رئيسه في الحركة الشعبية مالك عقار، مما رسم مسارين لانطباعات المتابعين عن مواقفها، مما اظهر صراع السلطة لعقار ونفوذه داخل الحركة، وكذلك اماني الحريات وعهود الديمقراطية السياسية لعرمان.

مفاصلة جديدة

ويذهب القيادي بالشعبية السابق احمد عمر موسى إلى ان الانقسام حال حدث يكون التعبير الابلغ لوصفه المفاصلة السياسية بعد انتقال صراع الرئيس والامين العام للعلن، وان كانت في الخفاء لفترة ليست بالقصيرة.

ويتابع موسى ويقول انه رغم تمتع الاثنين بالخبرة السياسية الكبيرة غير انهما شديدا العناد السياسي، حيث ان عقار وعرمان حال اصر كل منهما على موقفه سيقود الامر الى مفاصلة مرتقبة، وزاد محدثي قائلاً: (المشهد الحالي الضبابي للحركة لن يسمح للاثنين بالاستمرار من واقع التباين في المواقف).

فيما يذهب المحلل السياسي د. عمار زكريا الى تصنيف الخلاف بالايديولوجي، وذلك بدعم عرمان مجموعة المركزي بتوجيهات من اليسار، فيما يدعم عقار الخط الثوري الذي حمل من اجله السلاح، وهو ما افرز صراع اجندة بين مالك وياسر، مع الاشارة الى ان الاول يمضي في الخط العام للحركة بينما يطمح عرمان الى تحقيق اجندته عبر الشعبية.

مقالات عرمان

ونشط عرمان خلال الفترة الماضية في نشر مقالات دورية بالاسافير والمواقع الصحفية يرسل من خلالها رسائل. وخلال مقالة شهيرة بعنوان (الحركة الشعبية الميلاد الثاني) كانت ثمة اشارات مهمة للرجل بنية مغادرة تجربة الشعبية وانشاء جسم خاص يعبر عن اشواقه، خاصة ان عقار هو الرئيس ولديه مسار النيل الازرق، وهو ما يتنافى مع اطروحات ياسر الباحث عن دور سياسي جديد، وفي وقت سابق اتهم ياسر عرمان بانه يقف خلف تجمع (الديسمبريين) الذي خرج بعد اكتوبر الماضي وجمع مزيجاً من شباب الثورة وقوى ثورية.

مراقبون لا يستبعدون ان يتجه ياسر عرمان الى انشاء جسم سياسي من واقع أن وجوده في الخرطوم خلال آخر ثلاث سنوات قرب الامين العام للحركة الشعبية من قوى سياسية عديدة جعلته يخلق علاقات واسعة، الأمر الذي عزز داخله النزعة القيادية السياسية التي من الصعب ان يطبقها في الحركة، وبالتالي الافضل ترجمتها الى حزب سياسي جديد في محاولة لايجاد موطئ قدم في المشهد السياسي عبر وجود منفصل.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.