تأخر الإعتراف بمغربية الصحراء يضع السلطات الفرنسية في موقف حرج
تحاول السلطات الفرنسية الحفاظ على حلفائها في شمال إفريقيا دون أن تثير غضب أي طرف من الأطراف، وهو ما يفسّر تأخرها في الاعتراف بمغربية الصحراء، فهي لا تريد أن تخلق “قطيعة” على مستوى علاقاتها مع الجزائر، كما لا تقدر على المغامرة بحليفها الإستراتيجي الرباط في لعبة التحالفات المعقّدة.
ومنذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، مازال الصّمت هو سيد الموقف في المشهد الباريسي، بحيث تفاعلت السلطات الفرنسية مع الخطوة الأمريكية التاريخية بشكل محتشم، معلنة دعمها لمقترح الحكم الذاتي كآلية سياسية قد تفضي إلى حل تحت السّيادة المغربية، بينما تنتظر الرباط إشارات قوية من باريس، خاصة في ما يتعلق بالوحدة الوطنية.
ويرى المحلل السياسي مصطفى الطوسة أنه “منذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وجدت فرنسا، مثل العديد من الدول الأوروبية، نفسها على تناقض وتضارب مع المغرب؛ كما لو هبطت إلى موقف أقل ملاءمة مع الوضع السياسي الجديد”.
كما أبرزالمحلل المقيم في فرنسا أن “باريس، منذ بداية اقتراحها، أيّدت بشدة خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب، باعتبارها السبيل الوحيد للخروج من أزمة هذا الصراع؛ بل إن دبلوماسيتها قامت بحملات نشطة في العديد من المحافل الدولية للتأكيد على أهميتها والدفاع عن قدرتها على البقاء”.
مضيفا إن “المواقف الفرنسية المتخذة على المستويين الأوروبي والأممي كانت تدعم العملية السياسية المغربية، التي تتمثل في إيجاد حل يتم التفاوض عليه تحت السيادة المغربية لصراع إقليمي يعود إلى أكثر من أربعة عقود”، مبرزا أن “المشروع الفرنسي الذي تريده المملكة المغربية بشدة مازال بعيدًا ويواجه العديد من العقبات والكوابح المتعددة”.
ما الذي يمنع السلطات الفرنسية من الاعتراف؟
كان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أطلق دعوة للخروج من “المنطقة الرمادية المريحة” التي كانت تنتظر لسنوات عملية الأمم المتحدة، موردا: “يجب أن تكون أوروبا في ديناميكيات دولية. يجب أن يتحدى الموقف الأمريكي أوروبا بشأن درجة التزامها، بحيث يكون هذا الاتجاه الذي يسلكه المجتمع الدولي، وهو حل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”.
وقال الطوسة إن “هذه الرسالة موجهة بشكل أساسي إلى عاصمتين قريبتين من الجغرافيا والتاريخ: مدريد وباريس، وما وراءهما إلى كامل الحكم الأوروبي”.
وأبرز أنه “منذ أن تم الاعتراف بالطابع المغربي للصحراء ظهر الموقف الفرنسي فجأة متخلفًا كثيرًا في هذا الصراع.
إلى درجة أن العديد من الأسئلة أثيرت من تلقاء نفسها: ما الذي قد يمنع الدبلوماسية الفرنسية من الاعتراف بمغربية الصحراء بطريقة مباشرة وكاملة وشاملة، مع العلم أنها من ناحية تدعم بشكل علني الخطة المغربية للحكم الذاتي ومن ناحية أخرى عقيدتها الدبلوماسية لا تؤمن بأي نجاح محتمل للقضية الانفصالية؟”.
اما بالنسبة للكوابح التي تعرقل تطور الموقف الفرنسي من الصحراء المغربية، يقول الطوسة: “هي موجودة في جانب علاقتها الغامضة والإشكالية مع الجزائر. عن حق أو خطأ، يعتقد قصر الإليزيه أن الاعتراف الفرنسي بالطابع المغربي للصحراء كما فعلته الإدارة الأمريكية سوف ينظر إليه من قبل النظام الجزائري على أنه إعلان حقيقي للحرب والقطيعة”.