تبرئة رموز «الوطني»..أخيرا .. حقن «حمدوك» دمه بالخروج الآمن !!
ذاكرة مارس ۲۰۲۰ ،تكاد لا تنسى ذلك الصخب الذي ملأ أسماع السودانیون، وھم یستمعون لنشرة أخبار ذلك الصباح بأن رئیس الوزراء – حینھا- عبد الله حمدوك تعرض لمحاولة اغتیال، أثناء توجھھ إلى مقر رئاسة الوزراء، إثر انفجار عبوة ناسفة لكنھا لم تسفر عن سقوط ضحایا، ولم یكن وقتھا «الحدث» عابراً وغیرُمدھش، وحینھا كان حمدوك یمثل رمزاً مدنیا ً للثورة السودانیة.
وكان السودانیون یضعون علیھ آمالا عراض، ولم تكن الأوضاع وقتھا تمضي على خیر، حیث كانت قـوى الـثـورة تُصر على تسمیة كل العوائق التي تعترى الحكومة وتنسبھا لنشاط فلول النظام البائد، وكانت كلمة «الدولة العمیقة» وقتھا حاضرة بقوة في تفسیر كل عمل سالب ضد استقرار الفترة الانتقالیة، لكن أن تصل الأمور إلى محاولة اغتیال رئیس الـوزراء ھــو مــا كـــان یتحسب وقوعھ السودانیون، حینھا كـانـت الـثـورة الـسـودانـیـة یتنفسھا الناس بینھم، یریدونھا أن تمضي للأمام رغم كل العوائق والمحن.
ورغـم أن الشراكة مع الـمـكـون العسكري لم تكن مـرضـیـة لجمھور الـثـورة، وھـو ذات الأمر الذي بدأت تتآكل فیھ أرضیة
التأیید الشعبي لقوى الحریة والـتـغـیـیـر.
مـحـاولـة اغتیال حمدوك كانت مدخلا لاتھام رئیس المؤتمر الوطني المحلول إبراھیم غندور و۱۲ آخرون، حیث تزامن ذلك مع نشاط كثیف للحزب المحلول قُبیل الـ۳۰ من یونیو في ذلك العام،وكان غندور و۱۲ آخرین یواجھون تھمة تقویض النظام الدستوري وتمویل الإرھاب ومحاولة اغتیال رئیس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وتفجیر لجنة إزالة التمكین ومحطة بري الحراریة. إلا أن جلسة محكمة الإرھاب والجرائم الموجھة ضد الدولة، التي انعقدت سابقاً بمعھد العلوم القضائیة والقانونیة بالعاصمة الخرطوم، برأت المحكمة رئیس حزب المؤتمر الوطني المحلول، إبراھیم غندور، و۱۲ آخرین من تھم تقویض النظام الدستوري وتمویل الإرھـاب، و ذكر حزب المؤتمر الوطني في بیان، إن “القضاء السوداني النزیھ یعلن الفصل في البلاغ وبراءة كل المتھمین على ذمتھ وھم: إبراھیم غندور و۱۲ آخرین من قیادات ورموز وشباب الحزب.
وأضاف: بعد رحلة تقاضي طویلة استمرت زھاء الـ۲۲ شھرا “أنكر شاھد الاتھام الرئیسي كل الأقوال التي كان قد أدلى بھا وعلى أساسھا تم فتح وتقیید البلاغ وقال إنھا غیر صحیحة وأن كل المتھمین غیر مذنبین ولم تقدم النیابة بیانات تدعم بھا التھم الموجھة للمتھمین”.
حكم المحكمة بالبراءة تزامن مع حدوث متغیرات كبرى تشھدھا البلاد حالیا، حیث انقلب المكون العسكري على السلطة الانتقالیة منذ نحو ٥ شھور، وبموجب
ھذا الانقلاب تم وضع رئیس الوزراء قید الإقامة الجبریة، إلا أن رئیس الوزراء عاد للواجھة من جدید إثر ضغوطات دولیة وإقلیمیة وشعبیة واسعة النطاق، وبرر حمدوك وقھا عودتھ في ۲۱ نوفمبر بأنھ جاء لحقن دماء السودانیین، حیث تعرض الثوار الذین خرجوا للشوارع رفضا للانقلاب لقمع شدید أدى لسقوط العشرات منھم ،
خصوصاً في أحداث ۱۳ و۱۷ نوفمبر ، إلا أن حمدوك واجھ نقدا ً عنیفا من قوى الثورة التي رأت أن عـودتـھ دون موافقة الــقــوى الـثـوریـة لا تعني
شیئاً غیر شرعنة الانقلاب، ورغــم أن تبریرات حمدوك بحقن دماء السودانیین كانت تجد من یتفھمھا إلا أنھا ضاعت سدا
باستمرار القتل والمجازر التي شھدتھا البلاد في ینایر تحدیداً ، ولم یتبقى أمام حمدوك غیر إعلانھ الاستقالة ومغادرة البلاد.
وبخروج حمدوك الآمن إلى خارج البلاد، ضاعت قضیة محاولة اغتیالھ ، كما ضاعت كل القضایا الخاصة بالإرھاب وتمویلھ وكل الحجج التي كانت تصوغھا لجنة إزالة التمكین التي تم تجمید نشاطھا بأمر الانقلاب وإیداع قیاداتھا في السجن.
ثم دارت دورة الأیام وخرج المتھمون بتقویض النظام وتمویل الإرھاب ومحاولة اغتیال حمدوك من السجن، بید أن الذاكرة الشعبیة من
مارس القدیم إلى إبریل الجاري، تغیرت كثیراً ، وبدأ الناس یقولون أن حمدوك حقن دمھ ھو حین غادر البلاد والحكومة، ولم یعد ھناك مبرراً لاتھام آخرون ضد رجل ھرب وترك كل البلاد والعباد.