تداعيات كورونا على مصر .. معاناة المواطن وانتظار وعود الحكومة
بلا شك تظل تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية تلقي بظلالها على غالبية دول العالم في ظل السياسات المتعبة لتحجيم انتشار الجائحة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المعاناة لملايين الأسر.
ففي مصر أدت تداعيات الجائحة إلى تدهور الأوضاع المعيشية نتيجة فقد الكثيرين لوظائفهم وأعمالهم المختلفة.
تدهور الأوضاع المعيشية
ولم يجد محمد السيد ما يسعفه من الكلمات وهو يواجه إلحاح ابنته التي لم تتجاوز عامها السابعة بعد، مطالبة إياه بتنفيذ وعده لها برحلة صيف هذا العام، وهو الذي بات ليلته يقدر ويفكر في كيفية توفير متطلبات معيشة أسرته باقي أيام الشهر.
إغلاق مطعمه الذي كان مصدر دخله لن يكون سببا مقنعا لحرمانها من هذا الوعد، رغم أنه في حقيقة الأمر سيحرمها وباقي أفراد العائلة (المكونة من والديها وأختيها) من احتياجات أكثر ضرورة، فدروس شقيقتها الكبرى، وحصص اللحم والفاكهة التي تزهد فيها عادة لن تبقى على ذات الحال.
تدهور الأوضاع المعيشية، تشارك فيه محمد السيد مع عدد عريض من المصريين، فبحسب دراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) لقياس تداعيات فيروس كورونا على حياة المصريين، انخفض دخل غالبيتهم، ولجأ أكثر من نصفهم إلى الاقتراض والصدقات لتغطية احتياجاتهم المعيشية، في ظل ارتفاع الأسعار وتزايد أعداد من فقدوا أعمالهم.
اتساع الدائرة
يأسف كريم لحاله، حيث كان يحمل نظرة متفائلة للمستقبل وهو يترقى في عمله كمحاسب ناجح بإحدى الشركات الخاصة، إلا أن اتساع دائرة تداعيات جائحة كورونا في الأوساط المحيطة به، دون وجود بديل يسعف المتضررين كما الحال معه، يهون عليه الأمر.
ويؤكد الشاب على أنه لن يركن طويلا إلى دعم والدته، فاستقلاليته المعيشية والمادية ضرورة ملحة، حتى تستقر حياته الأسرية ويتجنب المشاكل والأزمات الاجتماعية المتوقعة حال استمرار هذا الحال.
آثار اجتماعية
الآثار الاجتماعية السلبية الناتجة عن تدهور الأحوال المعيشية هي إحدى الأزمات الأخطر التي تواجه الأسر المصرية حسب الباحثة الاجتماعية صفاء صلاح الدين، والتي ترى أن عددا مقبولا من المصريين بدأ يتجاوزها بشكل إيجابي.
وضمن حديثها تلفت صلاح الدين إلى أن اضطرار الكثير من الأزواج للبقاء في منازلهم بسبب حظر التجوال في بداية الأزمة، ثم بسبب فقدهم أعمالهم لاحقا، أدى إلى مشكلات وخلافات واسعة، وقفت على العديد من نماذجها، مما استدعى توعية واسعة بكيفية التعامل مع تلك الأزمات.
وبحسب موقع (الجزيرة نت) كشفت الباحثة الاجتماعية الناشطة بالعمل الخيري إلى أن دائرة الأسر المندرجة تحت تصنيف الطبقة متوسطة الدخل، ممن اضطروا لطلب مساعدات من مؤسسات العمل الخيري، اتسعت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية.
تغير الأوضاع
وكانت الدراسة الحكومية قد أظهرت أن 61.9% من إجمالي المصريين تغيرت حالتهم العملية جراء تداعيات أزمة كورونا ، واضطر 89.8% من الأسر إلى تخفيض استهلاكها الأسبوعي من اللحوم والطيور والأسماك، واعتماد نحو نصف الأسر على المساعدات من الأقارب والأصدقاء لتغطية الاحتياجات الأساسية.
أرقام واقعية
ويرى مصطفى خضري رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام أن الأرقام التي كشفها مركز الإحصاء الحكومي معبرة بشكل كبير عن واقع المجتمع، رغم ما هو متعاد من محاباته للنظام القائم، مرجعا ذلك إلى “الصراع الحاصل بين نظام السيسي والأجهزة السيادية المناوئة له”.
وتظل البدائل أمام المصريين لتخطي هذه الأزمة محدودة -وفق رأي خضري- خاصة في ظل التأثر السلبي الذي أصاب أكبر مورد مالي خارجي للمواطنين والذي يأتي من ذويهم العاملين المغتربين.
لكنه يرى أن السوق الموازي هو خط الدفاع الأكثر قوة في مواجهة الأزمة، لامتصاصه الكثير من الآثار السلبية الناتجة عن تلك الجائحة، وقدرته على التأقلم مع احتياجات المجتمع بسرعة ومرونة، حيث استطاع تجاوز نقص السلع المستوردة بتوفير سلع محلية بديلة.
بدوره، لا يأمل مصطفى شاهين الخبير الاقتصادي ومدرس الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأميركية في أن يقوم النظام المصري بدور فاعل في تجاوز هذه الأزمة، رغم أهمية ذلك، منطلقا في ذلك من سياستها المعتادة في التعامل مع الأزمات الاقتصادية المتتابعة في الساحة الداخلية.
ويشير إلى أن النظام في مصر لم يحترم تعهداته والتزاماته تجاه مواطنيه، ففي مقابل حرصه الواضح على تحصيل ما يراه حقا للدولة من ضرائب ورسوم، لا يكاد المواطن يحصل على أي نسبة من حقوقه المقابلة لذلك.