تيك توك: منبر لفضح الاضطهاد التي تتعرض له عاملات المنازل في الخليج

0

استخدمت مدبرة منزل كينية، تعمل في السعودية، موسيقى أغنية أمريكية لتعبر عن حياتها البائسة، في مقطع فيديو حصد 900 ألف مشاهدة و6 آلاف تعليق، وحولها هذا الفيديو إلى شخصية شهيرة على تطبيق “تيك توك” الذي أصبح متنفساً لخادمات المنازل في الخليج. 

وتُكتب كلمات مثل الحرية والاحترام على الشاشة، لكن بريندا داما مدبرة المنزل الكينية التي تبلغ من العمر 26 عاماً، تظهر بالفيديو في مشهد افتراضي، وهي تبعد هذه الكلمات واحدة تلو الأخرى بيديها، ثم تقول إنها حتى لا تملك “يوم إجازة، أو حياة مسالمة دون إهانات وشجارات”. ولكن هذا الفيديو جلب للعاملة الكينية العاملة بالسعودية، كثيراً من المشكلات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

تيك توك أنيس الغربة

وكان تقرير صادر عن شركة “سينسور تاور” المعنية بأبحاث التطبيقات، قد ذكر أن “تيك توك” كان التطبيق غير المخصص للألعاب الأكثر تحميلاً في العالم خلال مارس/آذار 2021، حيث سجل التطبيق أكثر من 58 مليون عملية تحميل، متفوقاً على فيسبوك الذي سجل أكثر من 56 مليون عملية.

وبعيداً عن أوطانهم، وفي أماكن غير مألوفة، يلجأ عمال المنازل في الخليج -الغالبية العظمى منهم من النساء- منذ فترة طويلة، إلى الشبكات الاجتماعية للبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة، حسب الصحيفة الأمريكية.

ومع الطفرة في شعبية تيك توك، العام الماضي، ازداد تحول عاملات المنازل في الخليج إلى هذه المنصة للحديث بانفتاح عن حياتهم وظروف العمل. ويقول العديد منهم إنهم يُرهَقون في العمل، ويتعرضون أحياناً للتحرش الجنسي والتمييز.

وفي حوار عبر الهاتف من السعودية مع صحيفة The New York Times قالت بريندا: “هنا الأوضاع قاسية حقاً، ينتهي الأمر بك بالبكاء كل يوم، لكن حين أرى التعليقات على فيديوهاتي أشعر أنَّ هناك أشخاصاً يفهمون وضعي”.

وحتى عام 2016، كان هناك ما يقرب من أربعة ملايين عاملة منزلية أجنبية في الخليج، وفقاً لدراسة أجراها منتدى حوار أبوظبي المعني بالعمالة الوافدة، ومن المرجح أنَّ العدد قد ارتفع منذ ذلك الحين. وقبل الوباء كان ما يقدر بنحو 36 ألف عاملة منزلية جديدة يتوجهون إلى المنطقة كل عام، وفقاً للمنتدى.

وتقول جماعات حقوقية إنَّ العاملات المنزليات، اللاتي يعانين في الغالب من العزلة، معرضات تحديداً لسوء المعاملة.

ومع تضاؤل المقدار الطفيف من الحريات اللاتي يحصلن عليها بسبب الوباء وتزايد عزلتهن، تستخدم عاملات المنازل تطبيق تيك توك لإخبار العالم بطريقة معاملتهن، على الرغم من خطورة فعل ذلك، وفقاً للصحيفة الأمريكية.

وتستخدم بعض النساء المنشورات لمجرد التنفيس، في حين تسعى أخريات إلى نشر الأنباء عن ظروف عملهن المزرية في كثير من الأحيان، مع روح الدعابة التي تعكس استسلاماً للقدر في كثير من الأحيان، حسب تعبير الصحيفة.

ويقول جمهورهن، وكثير منهم من العمال الأجانب أيضاً، إن تصفح مقاطع الفيديو المضحكة هو وسيلة لتخفيف الشعور بالوحدة، ويمكن أن يوفر فترة راحة قصيرة من التوتر أو القلق أو الاكتئاب.

طريق لجلب المساعدة

من جانبها، قالت ميريجين كاجوتو (35 سنة)، عاملة فلبينية في السعودية التي لديها ما يزيد عن 18 ألف متابع: “كثيرون هنا يعانون. ومن خلال تيك توك يعبرون عن اكتئابهم، وضغوط العمل، ويرسل لي الأصدقاء مقاطع فيديو ونصائح، واصفة فيديوهات تيك توك هذه بأنها “نوع من خط المساعدة”.

وبدأت بريندا بنشر فيديوهات على تيك توك منذ حوالي عام؛ لتوثيق متاعب العمال. وقبل أن ينتشر الفيديو الأشهر لها الذي يحمل تسمية “لا أملكه.. لا أملكها”، كان لديها أقل من 20 ألف متابع، لكن قفز هذا الرقم بنحو 5000 في غضون أيام، وصار لديها الآن أكثر من 32 ألف متابع.

وتنتقد مقاطع الفيديو الخاصة بها، التي غالباً ما تكون مشوبة بالسخرية، بعض المشكلات الكبيرة التي تواجه عاملات المنازل في الخليج.

وفي حين أنه من الصعب تحديد الأعداد الدقيقة للعمال المنزليين الذين يستخدمون تيك توك، قالت ماري كريتز دي ميجليو، من منظمة Uplifters غير الربحية في هونغ كونغ التي تقدم التعليم عبر الإنترنت للعمال المهاجرين، إنها لاحظت زيادة في أعداد المستخدمين بعد تفشي الوباء.

وتقول ماري كريتز: “فجأة بدأ جميعهم يستخدمونها”. 

ويلجأ العديد من العمال للفكاهة أو التمثيل الدرامي لعرض صعوبات حياتهم اليومية.

وفي العام الماضي، أنشأت نيزا توناكاو (27 عاماً) سلسلة فيديوهات تتضمن سيناريوهات تمثل فيها المشكلات التي تواجه مدبرات المنازل. وأطلقت عليها عنوان “يوميات العمال الفلبينيين في الخارج”.

وتصور مقتطفات سريعة الوتيرة، غالباً ما تكون على موسيقى البيانو الحزينة، في غرفتها.

وفي إحداها، تُصوِّر نفسها على أنها صاحب عمل وهو يصادر هاتف عاملة، بينما في صورة أخرى تشعر عائلتها بالارتياح عندما تتمكن أخيراً من الاتصال بوطنها ، وهي لديها نحو 1.2 مليون متابع.

بعض الفيديوهات قد تهدد سلامة الخادمات

وفي بعض الحالات لا تخاطر النساء بوظائفهن فقط من خلال نشر الفيديوهات على تيك توك، بل بسلامتهن أيضاً، حسب الصحيفة الأمريكية.

وأفادت آن أبوندا، مؤسسة مجموعة Sandigan في الكويت، التي تعمل من أجل حقوق عاملات المنازل، بأنَّ حوالي 70 امرأة تواصلن مع المنظمة طلباً للمساعدة في مشاكل متعلقة بالمنشورات على TikTok وFacebook Live منذ أواخر عام 2019. وقالت إنَّ معظمهن تعرضن للتوبيخ من أصحاب العمل، وطلبن النصيحة، وتعرض عدد قليل منهن للترحيل.

وفي بعض مناطق الشرق الأوسط، قد يؤدي التقاط الصور أو مقاطع الفيديو داخل منزل صاحب العمل، وخاصة للأطفال، ونشرها عبر الإنترنت دون إذن، إلى توجيه اتهامات جنائية أو الترحيل، حسب The New York Times الأمريكية.

القوانين تُلزمهن بحفظ أسرار البيوت التي يعملون بها

وفي السنوات الأخيرة، صادق عدد من الدول على قوانين تنظم عمل العمالة المنزلية.

وتنص القوانين الكويت والمملكة العربية السعودية على أنَّ الموظفين ملزمون بحماية أسرار الأسر التي يعملون بها. وغالباً ما يُطلَب من هؤلاء العمال توقيع عقود عمل ذات صياغات محددة عند وصولهم إلى بلد العمل. 

وقالت روثنا بيغوم، باحثة أولى في مجال حقوق المرأة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إنه بسبب استخدام لغة فضفاضة في هذه الصياغات، يمكن استخدام العقود وقوانين العمل ضد عاملات المنازل.

وبالفعل بات بعض عاملات المنازل معرضات لتهديدات بسبب فيديوهات تيك توك، فنظراً لتزايد شعبية مقطع الفيديو الخاص ببريندا داما: “لا أملكه.. لا أملكها”، فإنها تلقت سيلاً من الإساءات عبر الإنترنت. واتهمها أفراد من المنطقة بالكذب، وطلبوا منها العودة إلى بلدها.

وقالت هذه العاملة الكينية إنَّ ما تعرضت له من تنمر كان صعباً، لكنها ترفض حذف مقاطع الفيديو الخاصة بها؛ لأنَّ عاملات المنازل كثيراً ما يغمرن ملفها الشخصي برسائل الدعم، وأضافت: عندما أشعر بالوحدة تبقيني كلماتهن قوية.

وتابعت: “تشعر بفضل تيك توك بأنَّ لديك صحبة، فهواتفنا هي أعز أصدقائنا”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.