جدل متصاعد في السودان حول جدية انسحاب الجيش من المفاوضات السياسية

حكومة الظل بحزب بناء السودان تقترح تكليف عبدالله حمدوك رئيسا للوزراء تفاديا لعدم القدرة على التوافق.
ردود أفعال متباينة حول خطاب البرهان المفاجئ

الخرطوم – تباينت ردود أفعال القوى السياسية السودانية إزاء خطاب رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان بعد إعلانه عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في الحوار الوطني وإفساح المجال لتشكيل حكومة مدنية، فيما اقترحت حكومة الظل إعادة عبدالله حمدوك رئيسا للوزراء.

وقال البرهان في تصريحات بثّها التلفزيون الرسمي إنه تقرر “عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في المفاوضات الجارية حاليا (الحوار الوطني) لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية.. وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة تتولى إكمال.. (متطلبات) الفترة الانتقالية”.

وخلال الأسابيع الأخيرة، مارست الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومجموعة دول شرق ووسط أفريقيا للتنمية (إيغاد) عبر ما يعرف باسم “الآلية الثلاثية”، ضغوطا لإجراء حوار مباشر بين العسكريين والمدنيين. إلا أن كتل المعارضة الرئيسية، مثل قوى الحرية والتغيير وحزب الأمة، رفضت خوض هذا الحوار.

والشهر الماضي، انطلقت جلسات الحوار الوطني بمشاركة العسكريين وأحزاب سياسية سودانية وقيادات من حركات تمرد سابقة برعاية أممية وأفريقية، وتقرر تأجيله إلى حين التوافق مع القوى السياسية التي قررت مقاطعة الحوار.

وفي تصريحات الاثنين قال البرهان إنه بعد تشكيل حكومة مدنية “سيتم حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من القوات المسلحة والدعم السريع لتولى القيادة العليا للقوات النظامية ويكون مسؤولاً عن مهام الأمن والدفاع”.

وقال البرهان إن انسحاب القوات المسلحة من المحادثات السياسية الحالية يهدف إلى إفساح المجال للأحزاب والقوى الثورية لتشكيل الحكومة

ودعا هذه القوى للبدء في “حوار فوري وجاد يعيد وحدة الشعب السوداني، ويمكّن من إبعاد شبح المهددات الوجودية للدولة السودانية، ويعيد الجميع إلى مسار التحول والانتقال الديمقراطي”، متعهدا بأن يلتزم الجيش بتنفيذ مخرجات هذا الحوار.

وترافقت كلمة البرهان مع توتر متعاظم يشهده الشارع بعد اتساع رقعة الاعتصامات التي تنفذها لجان المقاومة بمدن العاصمة الثلاث احتجاجا على الأحداث الدامية التي وقعت في 30 يونيو الماضي، والتي قتل فيها 9 متظاهرين بيد قوى الأمن، وأصيب 629 آخرون بشكل متفاوت، طبقا للجنة الأطباء المركزية.

ويطالب المتظاهرون والمعتصمون بتنحي العسكر عن السلطة وتسليمها إلى المدنيين وبتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في قتل المحتجين، إذ بلغ عدد من قتلوا منذ 25 أكتوبر الماضي 114 شخصا، بينهم أطفال.

ومع حالة انسداد الأفق التي تعمقت بإعلان قوى الحرية والتغيير تعليق العملية التفاوضية التي كانت بدأت بحوارات مباشرة بين التحالف والمكون العسكري تحت وساطة سعودية أميركية، وارتفاع التصعيد في الشارع بإغلاق الطرق والترتيب لعصيان مدني شامل، وضع البرهان الكرة في ملعب الأحزاب السياسية بإعلانه الاستعداد للانزواء بالمؤسسة العسكرية حال وصول الأطراف إلى التوافق، قائلا إنه يستشعر الأزمة التي تمر بها البلاد وتهدد وحدتها وتنذر بمخاطر تعيق مسار إكمال التحول الديمقراطي.

وفور الإعلان عن قرارات البرهان تباينت رؤى التيارات السياسية حيال مقاصدها ودلالاتها، بين مرحب ومشكك في مراميها.

وتوقع القيادي بائتلاف الحرية والتغيير عروة الصادق، أن يكون المجلس الأعلى للقوات المسلحة فوق السلطة المدنية، وقال إن هذا أمر غير مقبول.

وأشار الصادق، في تصريحات لوسائل إعلام محلية إلى أن حديث البرهان قُصد به خلط الأوراق وازدياد صوت التشاكس المدني ــ المدني أو تصاعد أصوات القوى المؤيدة للجيش.

وأضاف أن الخطاب لا يمكن أن يحدث اختراقا لحل الأزمة السياسية وإبعاد الجيش عن السلطة بصورة نهائية، مما يحتم على القوى المدنية الإسراع في التوصل إلى كيفية إنهاء الانقلاب.

وبدوره، رأى القيادي في تجمع القوى المدنية مدني عباس مدني، أن الخطاب لا يبتعد عن محاولات الجيش لتحويل الصراع من حقيقته كصراع بين معسكر التحول المدني الديمقراطي ومعسكر الانقلاب عليه.

وقال مدني عبر حسابه على فيسبوك إن البرهان يُريد إقناع السودانيين والعالم بوجود صراع بين القوى السياسية المدنية، وأن الجيش يترفع عن هذا الأمر، رغما عن الحقيقة المتمثلة في أن الانقلاب تقوده الأطماع العسكرية والاقتصادية إضافة إلى النظام السابق المتغلغل في مؤسسات الدولة”.

وأضاف “الخطاب تكتيك سياسي، كما أنه لا يُعبّد الطريق أمام التحول الديمقراطي ولا يقود إلى انتخابات نزيهة، وهو محاولة لذر الرماد في عيون الداخل والخارج بما يتيح الخروج الظاهري للنظام السابق، ليصبح الأمر بديلا عن المحاسبة ويصبح أفراده لاعبين سياسيين جديدا”.

وفي ذات السياق، اعتبر المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي، الخطاب محاولة بائسة لاستكمال الانقلاب بتكوين مجلس عسكري يمسك بالسلطات الحقيقية ويسمح للمدنيين بتشكيل حكومة تأتمر بأمره وتضمن عدم محاسبته.

وقال علي في تصريحات إعلامية إن طريق الثورة هو مواصلة التصعيد ضد استمرار الحكم العسكري.

ولم يتحدث البرهان عن اتفاق السلام المبرم بين حكومة الانتقال وتنظيمات الجبهة الثورية في 3 أكتوبر 2020، مما دعا الحرية والتغيير ــ جماعة التوافق الوطني إلى إعلان عقدها اجتماع طارئ لدراسة خطاب الجنرال.

واقترحت حكومة الظل بحزب بناء السودان تكليف عبدالله حمدوك رئيسا للوزراء، تفاديا لعدم القدرة على التوافق.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.