ما هدف الإمارات من تأسيس قاعدة سرية في جزيرة ميون اليمنية؟

0

يشكل تشييد الإمارات قاعدة سرية في جزيرة ميون اليمنية الاستراتيجية تطوراً استراتيجياً خطيراً للعالم كله، وليس اليمن فقط؛ لأن من يتحكم في هذه الجزيرة يتحكم في الملاحة في قناة السويس، التي تمر عبرها نسبة كبيرة من التجارة العالمية.

وكانت وكالة Associated Press الأمريكية قد كشفت الثلاثاء، 25 مايو/أيار 2021، أن الإمارات تقوم بتشييد “قاعدة جوية سرية في جزيرة بركانية قبالة اليمن، وتقع القاعدة في واحدة من نقاط الاختناق البحرية المهمة في العالم لكل ممرات الطاقة والشحن التجاري، بالتحديد عند مضيق باب المندب في جزيرة ميون الاستراتيجية.

الوكالة نقلت عن مسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أن إماراتيين يقفون وراء مشروع القاعدة الجوية، رغم أنها أعلنت عام 2019 سحب قواتها من التحالف العسكري بقيادة السعودية من اليمن.

وأفادت تقارير بأنه جرى نقل المعدات من القاعدة الإماراتية في إريتريا إلى جزيرة ميون، في استنساخ لسيناريو الهيمنة الإماراتية على جزيرة سقطرى اليمنية التي سيطرت عليها الإمارات، علماً بأن موقع جزيرة ميون أكثر أهمية.

وقال نائب رئيس مجلس النواب اليمني، عبدالعزيز جباري، إن السكوت عما يجري في جزيرة ميون في مضيق باب المندب من قِبل دولة الإمارات تفريط في سيادة اليمن.

جاء ذلك في أول تعليق رسمي على ما نشرته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية من صور مأخوذة عبر أقمار صناعية لقاعدة جوية في جزيرة ميون اليمنية، يعتقد أنها تابعة لدولة الإمارات.

السر في موقع الجزيرة الفريد

 أهمية جزيرة ميون تأتي من كونها تُشرف على الممر المائي في مضيق باب المندب، الذي تمر فيه نحو 21 ألف سفينة عملاقة سنوياً، وبواقع 57 سفينة حاملة نفط يومياً، حسب ما ذكرته وزارة التجارة في صنعاء قبل سنوات، وتُقدر كمية النفط العابرة في المضيق بـ3.3 مليون برميل يومياً.

وجزيرة ميون ومضيق باب المندب يعتبران الشريان المتدفق الرابط بين البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن جنوباً، وعرض باب المندب الكلي يُقدر بـ30 كلم، (20 ميلاً تقريباً)، وهي المسافة الفاصلة بين قارتي آسيا وإفريقيا، بين رأس منهالي في الساحل الآسيوي إلى رأس سيان على الساحل الإفريقي.

وتقسم الجزيرة مضيق باب المندب إلى ممرين أو قناتين، شرقية تعرف باسم “باب إسكندر” وعرضها 3 كلم وعمقها 30 متراً، وتقع بين الجزيرة والبر الآسيوي، وغربية تفصلها عن البر الإفريقي بمسافة 16 كلم وعمقها يقدر بـ100-310 أمتار في العمق المحاذي للساحل الإفريقي. وهو ما يسمح لشتى السفن وناقلات النفط بعبور الممر بيسر على محورين متعاكسين متباعدين، حسبما ورد في تقرير لجريدة “الشرق الأوسط” السعودية.

وتبعد جزيرة ميون عن ميناء عدن ما يقارب مئة ميل بحريّ، وعن جزيرة كمران ما يقارب الأحد عشر ميلاً بحرياً.

ما هدف الإمارات من تأسيس هذه القاعدة؟

يعتقد أن هدف الإمارات من احتلال هذه الجزيرة لا يرتبط فقط بالوضع اليمني، بل أيضاً بطموحات الإمارات الاستراتيجية، حيث ترى أبوظبي في نفسها إمبراطورية بحرية، (وصفها عسكريون أمريكيون بإسبرطة الصغيرة)، يجب أن تسيطر على الموانئ الرئيسية وطرق التجارة البحرية في المنطقة.

كما يأتي هذا التطور في وقت يشهد المشروع الإماراتي في المنطقة كبوات، بدءاً من السمعة السيئة للتطبيع الإماراتي بسبب حرب غزة، والتقارب بين حركة حماس ومصر، التي توسطت في التهدئة مع إسرائيل، في وقت تبدو القاهرة غاضبة من الدور الإماراتي المؤيد لإثيوبيأ في ملف سد النهضة، والتعاون الإماراتي الإسرائيلي في مجال النقل، الذي يهدف إلى إيجاد منافسين أو بدائل لقناة السويس.

ولذا كان لافتاً أن واحدة من أوائل عمليات القصف التي نفذتها حماس ضد إسرائيل استهدفت خط أنابيب إيلات عسقلان، الذي يمثل واحداً من أوائل المشروعات المنافسة لقناة السويس.

كما يشهد المشروع الإماراتي في ليبيا تراجعاً، بسبب هزيمة اللواء خليفة حفتر، في معركة طرابلس ومضي العملية السياسية قدماً، والأهم التهدئة المصرية التركية، خاصة في الملف الليبي، وانفتاح القاهرة على كل المكونات الليبية بما فيها المكونات في الغرب الليبي.

ومن هنا فإن سعي الإمارات لإقامة قاعدة في هذه الجزيرة يأتي ضمن محاولة إعادة تقوية موقفها في المنطقة، كلها بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية البالغة لهذه الجزيرة التي سيطرت عليها على مدار القرون الماضية كل الإمبراطوريات الاستعمارية القوية.

 ومن الصعب معرفة إلى أي مدى وصلت الخلافات المصرية، ولكن المؤكد أنه هناك غضباً مصرياً ظهر في تصريحات المسؤولين بالقاهرة، بشأن التعاون الإسرائيلي الإماراتي في مسألة إيجاد منافسين أو بدائل لقناة السويس.

وفي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، أعرب رئيس هيئة قناة السويس المصرية، أسامة ربيع، عن “قلق بلاده بشأن مشروع خط أنابيب إيلات-عسقلان بين الإمارات وإسرائيل”، كاشفاً أن “هيئة الأوراق المالية والسلع تجري حالياً دراسات لبحث سبل مواجهة المشروع الإسرائيلي الإماراتي الذي يمكن أن يقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%”. 

كما تقلق القاهرة من الدعم الإماراتي المعلن لإثيوبيا، والذي وصل إلى مساعدة أديس أبابا في القضاء على ثورة إقليم تيغراي، عبر مشاركة طائرات إماراتية مسيرة في قصف الإقليم، انطلاقاً من إريتريا، حسبما نقل موقع “مدى مصر” عن ثلاثة مسؤولين مصريين ودبلوماسي أوروبي مطلع على شؤون القرن الإفريقي، إضافة إلى تقديم مساعدت برية عبر الحدود للجيش الإثيوبي.

واللافت أن جزيرة ميون تمسّ الأزمتين، فمن يسيطر على هذه الجزيرة يستطيع أن يعرقل الملاحة في قناة السويس (لا يتوقع أن تفعل الإمارات ذلك ولكنها ورقة بيدها)، كما أن الجزيرة قريبة من إثيوبيا، ويمكن أن تؤدي إقامة قاعدة جوية فيها إلى تعزيز التعاون العسكري الإماراتي الإثيوبي، في وقت وصل فيه التوتر في أزمة سد النهضة، إلى تنظيم مصر والسودان لمناورة ضخمة تحمل اسم “حماة النيل” بالتزامن مع بدء إثيوبيا الملء الثاني للسد.

كما تستطيع الإمارات من هذه الجزيرة تشكيل تهديد للنفوذ التركي المتصاعد في الصومال.

أما بالنسبة للغرب فإن سيطرة الإمارات على هذه الجزيرة الاستراتيجية تزيد أهميتها لعواصم القرار الغربي في ظل أن أبوظبي تقدم نفسها كوكيل للغرب في المنطقة، كما أن السيطرة الإماراتية ترفع الحرج والأثقال عن الغرب، بدلاً من أن تضطر إحدى الدول الغربية لإرسال قوات لاحتلال الجزيرة مباشرة لتأمنيها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.