ماهي سيناريوهات أزمة سد النهضة بعد مناورات “حماة النيل”؟
مع اقتراب إثيوبيا من الملء الثاني لسد النهضة، نظمت مصر والسودان مناورة عسكرية تبدو ضخمة تحت اسم “حماة النيل”، وتشمل قوات برية، كما لوَّح وزير الخارجية المصري سامح شكري بردِّ فعل مصري رفض أن يحدده في حال تجاوز أديس أبابا الخطوط الحمراء في الأزمة.
وجاء تصريح شكري الأخير مختلفاً عن تصريح له أغضب المصريين قبل أيام، قال فيه إن الملء الثاني يمكن ألا يكون له تأثير على مصر من خلال عملية إعادة تنظيم مواردها المائية، وهو التصريح الذي قابلته أديس أبابا بالترحيب.
ولكن سامح شكري خرج في مداخلة هاتفية عبر عبر فضائية “mbc مصر”، بدأها المذيع المصري عمرو أديب بالقول إن الهدف منها هو توضيح التصريحات السابقة التي قيل إنها اجتُزئت، فيما أكد شكري أن إثيوبيا لو بدأت الملء الثاني للسد، فإنها تصبح مخالفة للقانون الدولي، وتحدث عن أنه ليست لها سيادة وحدها على نهر النيل لأنه نهر دولي.
واللافت أيضاً، أنه عندما سأله أديب عن خيارات مصر، في حال تخطي أديس أبابا الخطوط الحمراء (التي قد يُفهم منها أنها الملء الثاني لسد النهضة)، فأكد أن مصر لديها تصور دقيق لما ستفعله، ولكنه اعتبر أنه من غير الملاءم الحديث عن هذه الخيارات علناً.
وهو تصريح بقدر غموضه فيه تهديد مبطن، لأن الخيارات التي لا يجوز الحديث عنها عادة هي الخيارات الاستخباراتية والعسكرية.
وما يعطي لمثل هذا التهديد المبطن أهمية خاصة تزامنه مع إجراء مصر والسودان مناورات مشتركة، تبدو أكبر من سابقاتها، باسم “حماة النيل”، والاسم يفسر نفسه.
“حماة النيل”.. مناورة مختلفة هذه المرة!!
ونشر المتحدث باسم الجيش المصري، مساء السبت 22 مايو/أيار 2021، صوراً وثقت وصول الجنود المصريين إلى السودان؛ للمشاركة في التدريب العسكري المشترك “حماة النيل”.
وقال المتحدث العسكري، في بيان نشره على “فيسبوك”: “وصلت عناصر من القوات المسلحة المصرية إلى دولة السودان؛ للمشاركة فى التدريب المشترك (حماة النيل) الذي تشارك فيه عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية لكلا الجانبين”.
وأضاف أن التمرين يهدف إلى تأكيد مستوى الجاهزية والاستعداد للقوات المشتركة، وزيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكلا البلدين.
وأفاد بأن تمرين حماة النيل يأتي استمراراً لسلسلة التدريبات السابقة “نسور النيل 1″، و”نسور النيل 2”.
وكان الجيش السوداني قد أعلن وصول مجموعة من الجنود المصريين إلى أراضيه، ضمن الاستعداد لانطلاق مناورات “حماة النيل”، التي تستمر فعاليتها من 26 حتى 31 مايو/أيار الجاري.
واللافت أن الجيش السوداني قد أعلن في بيانه، وصول أرتال من القوات البرية والمركبات المصرية بحراً، وعادة يكون النقل البحري للأفراد والمعدات العسكرية مؤشراً على ضخامة عدد القوات وأن عملية النقل تم الاستعداد والبدء فيها من فترة أبكر، مقارنة بالنقل الجوي الذي يكون عادةً أقل قدرة على اسيتعاب كميات كبيرة من الأسلحة والأفراد.
ويشير النقل البحري تحديداً إلى أن عملية الإعداد لمناورة حماة النيل بدأت منذ فترة، وهو ما قد يطرح تفسيراً محتملاً لتصريحات شكري السابقة التي تضمنت نبرة تهدئة وقبول بالملء الثاني لسد النهضة، بأنها نوع من التمويه والخداع لإثيوبيا؛ لعدم قيامها بأي تحرك، إلى حين وصول هذه القوات.
ومن الصعب معرفة هل هذه القوات التي أرسلتها مصر في إطار تمرين حماة النيل وسيلة للضغط المعنوي على إثيوبيا لتأجيل الملء الثاني لسد النهضة أو أنها يمكن أن تُستخدم بالفعل ضد أديس أبابا، بالتعاون مع السودان، أو أن هدفها حماية السودان من أي رد فعل إثيوبي، في حال توجيه القوات الجوية المصرية ضربة عسكرية لسد النهضة.
ولكن الأكيد أن هذه الحالة من الغموض وصعوبة تفسير هدف هذه المناورات، في حد ذاتها أداة ضغط على أديس أبابا التي لا تعلم حالياً هل تأخذها بمأخذ الجد وتقوم بردٍّ عسكري أو تُوقف ملء السد أو على الأقل تستدعي قوات الاحتياط، خاصةً أن وزير الخارجية المصري قال إن القاهرة تتابع ساعة بساعةٍ تطورات السد، وفي ذلك إشارة إلى أن رد الفعل المصري في أزمة سد النهضة مرتبط بالسلوط الإثيوبي.
الملء الثاني للسد نقطة اللاعودة
ولكن يبقى العنصر الزمني ضاغطاً خطيراً في أزمة سد النهضة، فلقد أكدت إثيوبيا مراراً، أنها تنوي إجراء الملء الثاني للسد في موعده المقرر في يوليو/تموز المقبل، مما أثار مخاوف مصر والسودان من تراجع حصتهما من المياه.
وهناك اعتقاد واسع بأن أي ضربة عسكرية جوية لسد النهضة شبه مستحيلة، في حال بدء الملء الثاني، لأنه من شأن انهيار السد احتمال تعريض السودان وحتى صعيد مصر لموجة من الفيضانات المدمرة، من جرّاء انطلاق المياه المحتجزة خلف السد بعد الملء.
بل إن خيار قصف السد، قد يصبح صعباً إلى الأبد، لأن الملء الثاني لسد النهضة سيحول النيل الأزرق من نهر شبه موسمي إلى نهر ممتلئ بالمياه على الدوام، مما يجعل خطر تدفق موجة فيضانات قائماً في كل المواسم.
سيناريوهات أزمة سد النهضة
يعني ذلك أن أزمة سد النهضة قد وصلت إلى مفترق طرق وهي كلها طرق سلبية، تقريباً.
ففي حال عدم تراجع إثيوبيا عن قرار ملء السد، فإن السيناريوهات هي إما تصعيد مصري سوداني قد يشمل دعماً للقوى المتمردة في إثيوبيا، أو مناوشات حدودية أو قصف جوي للسد أو حرب شاملة في أسوأ الأحوال.
وقد يكون هناك خيار آخر وهو أن تكتفي مصر والسودان بهذه المناورات دون عمل ميداني، وهو أمر قد يحمل أخباراً إيجابية من حيث احتمال تجنب الحرب، ولكنه قد يعني احتمال تحكُّم إثيوبي كامل في الملف وتضاعُفاً للتعنت والمماطلات إذا لم تترجم هذه التهديدات إلى عمل فعلي.
يظل أفضل سيناريو اهو لجوء إثيوبيا إلى إرجاء الملء الثاني لسد النهضة، ولكن الأغرب ليس فقط الموقف الإثيوبي المتعنت، ولا المصري والسوداني المتأخر، ولا الإماراتي المتواطئ مع أديس أبابا، بل الموقف الدولي والعربي والإفريقي، الذي يترك الأمور تصل إلى احتمال وقوع حرب بين ثلاث دول شديدة الأهمية في إفريقيا والشرق الأوسط، وتقع على مفترق طرق التجارة، ويسكنها نحو 250 مليوناً من البشر.
فالقوى الكبرى الإقليمية والدولية تعامل ببطء مع أزمة قد تكون الأخطر عالمياً، وهي أزمة باتت أمام سيناريوهين رئيسيين: إما تعطيش ما يقرب من 150 مليون مصري وسوداني، وإما نزاع بين الدول الثلاث لا يستطيع أحد أن يعرف مداه وكيف سينتهي.
وعلى غرار الحرب في غزة وغيرها يبدو أن القوى المؤثرة في العالم والمنطقة تنتظر أن تُسفك الدماء ويسقط أطفال ونساء، لكي يبدأ البحث عن وقف إطلاق النار، لأنه منذ البداية تُركت أسباب النزاعات تتفاقم أمام الجميع، لأن هذه القوى لا تستطيع أن تقول كلمة واضحة حول مَن المخطئ ومن بدأ بتصعيد هذه النزاعات، ولم تعاقب يوماً هذا المخطئ.