حمدوك والتضليل الممنهج حينما تكون العمالة بجدارة

ما كان يجب اتباعه وما تم اتخاذه فى مجال التوجه الاقتصادى:

  • من المهم التأكيد على أن النمو الاقتصادي خلال عدد من السنوات فى الفترة 2000-2017 ، خاصة أثناء تصدير النفط وقبل انفصال جنوب السودان (2020, World Bank) لم يترجم إلى تحسين معاش ورفاه الناس. إن الثروات التي تراكمت لم تذهب وبشكل غير مشروع لصالح حلفاء النظام فحسب ، بل تم نقلها عبر وسائل مختلفة إلى خارج البلاد ، مما أدى إلى تقلص الاستثمار المحلي ، خاصة في القطاع المتعلق بالمعيشة ، وتقلص الدخل المتاح (الدخل الشخصي بعد خصم الضرائب الشخصية) لمعظم السكان. ويؤدي انخفاض الدخل المتاح إلى تقليص الطلب المحلي مما يؤدي بدوره إلى انخفاض إنتاج السلع وتوفير الخدمات للسوق المحلي وزيادة البطالة .
  • لا يمكن تغيير وتيرة الدخل المنكمش وانخفاض الطلب المحلي فى ظروف السودان إلا من خلال نظام اقتصادي يكون رافعته الطلب المحلى المتزايد ومحركه الرئيسي الدولة التنموية.
  • عملت حكومة حمدوك على عكس هذا التوجه تماماً. فهى تدعو لتبنى الاقتصاد الليبرالى الجديد الذى يدعو للانفتاح الخارجي وتفكيك القطاع العام في ظروف تردي كبير للاقتصاد المحلي، ليس فقط كما ورثته، إنما في وضع أسوأ بكثير بسبب الإجراءات الاقتصادية الخرقاء التي اتبعتها حيث ادت معدلات التضخم غير المسبوق الى تآكل جزء كبير القوة الشرائية (حتى وصلت الى 25% من قيمتها قبل عام) وانكماش الطلب على نحو مروع. وفي ظروف ضعف هائل للرأسمالية الوطنية ، يعني الانفتاح على السوق العالمي تسليم الاقتصاد برمته إلى رأس المال الأجنبي، وأي نوع من الرأسمال الأجنبي؟ ذلك النوع المغامر الساعي للربح السريع في مجالات استثمار محدوده ، وكذلك رأس المال الإقليمي المدعوم بضمانات من حكوماته والساعي للاستثمار فقط في مجالات تخدم اقتصاداتهم المحلية (تصدير مواد خام ومنتجات زراعية للاستهلاك في أسواقهم المحلية). فى مقال سابق تناول فيه الكاتب موضوع الاستثمار اوضح فيه انه لايمكن جذب استثمار اجنبى فى ظروف السودان الحالية الا من هذين النوعين ، ان وجدا ، علما بان تاثيرهما على التنمية سيكون محدودا جدا ان لم يكن معدوما. إضافة ، تدعو الحكومة الى الاستثمار الاجنبى المباشر بدون وجود استراتيجية وطنية للتنمية. الشئ الذى يشير الى ان الدعوه للاستثمار وترويج الفكره إما هى نوع من التضليل السياسى ، او دعوه فارغة ليس المقصود منها دعم التنمية المحلية ، انما تحقيق مكاسب محددوده لبعض فئات الراسمالية الكمبرادورية.

٢/ الليبرالية الجديدة فى السودان : ردود الافعال

أثارت الاجراءات المعلنة حول ازالة الدعم السلعى وتحرير سعر الصرف العمله ، كإجراءات تعلن السير على نهج الاقتصاد الليبرالى والوصفه الاقتصادية السياسية لاجماع واشنطون (البنك الدولى وصندوق النقد الدولى) ، ردود افعال عاصفه وعلى نطاق واسع وسط الخبراء الاقتصاديين وغير الاقتصاديين والمنظمات المهنية والاجتماعية والسياسية. فقد اعتبرها الكثيرون ايدولوجية تهدف الى اخضاع الدول النامية لسيطرة الدول الراسمالية المتقدمة (بقيادة الراسمالية الامبريالية). واشار آخرون الى انها تجريب المجرب ، حيث ان وصفة اجماع واشنطون قد تم تجريبها فى نهاية السبعينات (فى عهد حكومة نميرى) ومره اخرى فى التسعينات (فى عهد النام البائد) ، وقد ادت الحالتين الى نتائج كارثية. وكذلك اشار البعض الى الفشل العالمى للوصفة حسب تجارب فى افريقيا وجنوب امريكا. وتجدر الاشارة الى انه قد تم تقديم تحليل نظرى رصين لتجارب السودان السابقة فى السبعينات والثمانينيات من قبل عدد كبير من الخبراء وعلى راسهم د. على عبد القادر ، ونذكر ايضا مساهمة د. محمد نور الدين ، ضمن آخرين. وتناول د. صدقى كبلو تجربة النظام البائد فى بداية التسعينات بالتحليل والنقد.

3- الخيانة والعماله والتضليل الممنهج

  • الخيانة والتضليل
  • ان عدم العمل على تصفية القواعد الاقتصادية للنظام اللصوصى المهيمن على مدى ثلاثين عاما (ومازال) ، بما فى ذلك ما هو تحت سيطرة الجهات العسكرية ، وعدم التحرك بفعالية لهدم الركائز السياسية لهذا النظام ، يعد بمثابة خيانة عظمى للثورة. وفى ذلك يشارك حمدوك حاضنته السياسية وحلفائه من العسكر. تحمل حمدوك للوزر الاكبر فى ذلك ناجم عن اختياره الحر بعدم التقاط اللحظة الثورية.
  • الدعم الذى وجده حمدوك من جماهير الثورة لم يجده اى قائد تنفيذى او سياسى منذ الاستقلال. لم يكن مرد هذا الدعم لاى دور لعبه فى الثورة ، او لصفات ثورية يتمتع بها ، حيث لم يكن يعرفه احد ، انما لثقة الجماهير ، والتى لم تكن فى محلها كما اتضح لاحقا ، فى ان اختياره جاء من القيادات المدنية التى تم التوافق عليها فى ذلك الحين. كان يمكن لحمدوك ان يحول هذا الدعم لشرعية ثورية تقضى على ركائز النظام القديم ، بما فى ذلك لجنته الامنية القابعة فى مجلس السيادة. ولكن لم يكن ذلك اطلاقا ضمن اجندته ، بل العكس تماما ، حيث عمل ومنذ البداية على ابعاد الشباب الثورى وتنظيمهم الرئيسى ، لجان المقاومة ، عن المشاركة على اى نحو فى تطوير السياسات والرؤى لحكم البلاد. وكان وبجداره هائلة فى التآمر والتضليل يلعب على وتر “قيادة الشباب للثورة” فى خطاباته (على قلتها). وحتى فى خطاب الاستقالة كرر “ان الشعب هو السلطة” ، وان قيادة الثورة قوامها الشباب ولجان المقاومة ! هكذا !! وبدون استحياء.
  • صدق تماما ما ذكره احد الاصدقاء فى تبادل نصى بيننا “حقيقة ما بدى فرصة تفسر مواقفه باى حاجة غير انه نخبوى ، سلطوى ، يذدرى الحراك المدنى الجماهيرى والشارع”.
  • العمالة والتضليل
  • كان حمدوك يعلم هو وجهات دعمه الداخلية والخارجية بان السير فى تصفية القواعد الاقتصادية للنظام اللصوصى ستفرز قياده ثورية تطيح به وبمشروعه الذى جاء من اجله: الارتهان الخارجى للاقتصاد السودانى لخدمة مصالح الراسمالية الامبريالية (وحلقتها الوسطى الاقيليمة) والتى اتت به (عن طريق وكلائها الاقليميين والمحليين) والتى كانت تدعمه هو شخصيا (لاحظ الدعم الهائل لشخصه ، خصوصا من الاتحاد الاوربى ودوله الرئيسية إبان مسرحية الاقامة الجبرية ، والتى كان ، كما تم فضحه من حميدتى ، احد مخرجيها وبطلها الرئيسي).
  • فى ظروف السودان الحالية ، فى وضع يسيطر راس المال الطفيلى ولصوصية الدولة على الاقتصاد ، تدهور الطلب والانتاج المحلى وتدهور المعيشة وزيادة وتائر الفقر ، تكون الدعوة لتقليص دور الدولة والقطاع العام والانفتاح على السوق العالمى ، وبدون اى استعداد للمنافسة ، حيث ان القطاع الخاص الوطنى قد تم تدميره بواسطة النظام اللصوصى الطفيلى ، هى خيانة وطنية وعمالة خارجية بالمفتوح.
  • لو كان حمدوك مقتنعا فكريا ومهنيا بجدوى النهج الليبرالى الجديد كاساس لسياسة اقتصادية ناجعة فى السودان لقام علنيا بوضعه على الطاولة (كما فعل ابراهيم البدوى). ولكن الاحساس بان تبنى وصفة اجماع واشنطون هى لخدمة مصالح خارجية هو يرعاها دفعه لاخفاء توجهه حتى يتمكن من رص صف الثورة المضادة والعمل على اضعاف الحركة الجماهيرية الوطنية ، والعمل بالشراكة مع العسكر على نحو متعمد على تردى الوضع المعيشى (الشح المصطنع فى عرض السلع والخدمات الرئيسية ، من وقود وخبز وكهرباء) حتى يتقبل الناس رفع الدعم على وعد توفير وسائل المعيشة (ورفع الدعم ولم يتم توفير السلع والخدمات). ان انقلاب 25 اكتوبر ووثيقة 21 نوفمبر قد اوضحا بجلاء ان حمدوك كان يخطط ويعمل بتناغم فى كل فترته مع العسكر ، والذين كان يصف العمل معهم بالشراكة الاستراتيجية ، شراكة دعى العالم مرارا للتامل فيها (والتعلم منها) – هكذا !
  • بماذا يوصف من ائتمنته الثورة لتحقيق مطالبها ، والذى اتخذ التضليل والتآمر نهجا فى الحكم لتمرير اجندة وبرامج تم ابعاد الثوار من وضعها وتعمل ضد مصالحهم ؟

عباس عبد الكريم احمد

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.