دعوة السفارة الأمريكية لـ (لجنة المعلمين).. أيادي السفارات تتمدد
دخل إضراب لجنة المعلمين السودانيين في مرحلة حرجة، بعد بدء تنفيذه وسيستمر ثلاثة أسابيع في ما يسمى (الإغلاق الشامل)، ليزيد تدهور أوضاع التعليم المتعثرة أصلاً، بسبب ما وصفته اللجنة بتعنت وزارة المالية في الإيفاء بالتزاماتها تجاه العملية التعليمية ككل والمعلمين وتنصلها عن الاتفاق.
إلى هنا يمكن وصف الأمر بالصراع الذي أضحى علنياً بين لجنة المعلمين ووزير المالية د. جبريل إبراهيم الذي يتهمه المعلمون صراحةً بعدم إيفائه باتفاق مسبق مع اللجنة، في وقت يتضرر فيه من هذا الصراع المحتدم كل التلاميذ والطلاب الذين عانوا ومازالوا يتجرعون مرارة تعطيل دراستهم وذهاب سنوات حيوية في تشكيل مستقبلهم بسبب الإضرابات التي تقول اللجنة إنها مطلبية وليست سياسية.
دعوة أمريكية
لكن الغريب في الأمر هو ما أعلنته لجنة المعلمين نفسها، في تدوينة عبر صفحتها الرسمية بفيسبوك، عن تلقي المكتب التنفيذي للجنة المعلمين السودانيين دعوة من السفارة الأمريكية بالخرطوم لعقد اجتماع مشترك بهدف مناقشة بعض القضايا المتعلقة بالتعليم وتداعيات إضراب المعلمين القائم الآن. وأضافت اللجنة في التدوينة قائلة: (سيلبي المكتب التنفيذي للجنة المعلمين الدعوة، ومن ثم سيقوم بنشر مخرجات اللقاء وتمليكها لجموع المعلمين).
فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرةً ما هي علاقة سفارة أمريكا بالخرطوم بقضايا التعليم والمعلمين؟ فإذا كانت اللجنة قد أنكرت في مؤتمر صحفي عقدته أمس الأول بالخرطوم، أن تكون احتجاجاتها التي وصلت حد الإضراب والإغلاق الشامل (سياسية)، فكيف تُلبي دعوة سفارة أجنبية لمناقشة وضع التعليم في السودان؟ بينما عادت اللجنة تارةً أخرى لتطلق العنان لتصريح آخر مُقتضب قالت فيه: (تلقت لجنة المعلمين السودانيين دعوة من السفارة الأمريكية بالخرطوم، بغرض التفاكر حول قضايا التعليم والمعلمين، تم تأجيل الاجتماع لمزيد من التشاور).
إضراب مطلبي
وكانت لجنة المعلمين السودانيين وفي مؤتمر صحفي قبل يومين، قد رهنت رفع إضرابها بتحقيق مطالبها كاملة، فيما رفضت ما سمته تجزئة الحلول، وطالبت وزير المالية بالاعتذار للمعلمين بسبب تنصله عن الاتفاق. وأكد متحدثها الرسمي سامي الباقر أن إضرابهم مطلبي وليس سياسياً. في وقت نفى فيه أن يكون هدف الإضراب حقوق المعلمين فقط، وإنما غرضه إصلاح المنظومة التعليمية ككل ورفع ميزانيته لـ20%، أي ما يعادل 6% من الدخل القومي بالبلاد. وطالب الباقر برفع الحد الأدنى للأجور إلى (69) ألف جنيه، مع حساب علاوتي (طبيعة العمل والمعلم) من مبلغ (69) ألف جنيه المرتب الأساسي، لافتاً الى أن الإغلاق الشامل سببه تجاهل الحكومة لمطالب المعلمين، في حين أغلقت (16) ألف مدرسة إغلاقاً كاملاً من جملة (20) ألف مدرسة. وجزم الناطق الرسمي بتنصل وزارة المالية عن تنفيذ رفع الحد الأدنى للأجور في ميزانية 2023م، معلناً عدم التزامهم بأية مسؤولية عما يترتب بسبب الإضراب.
إجازة مدرسية
وفي غضون ذلك أعلنت وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم، في خطوة عدها مراقبون ضربةً للجنة المعلمين بخصوص إضرابها الشامل، عن بداية عطلة الفترة الأولى للمدارس اعتباراً من اليوم الأربعاء وحتى الخميس 26 يناير 2023م. على أن تباشر جميع المدارس نشاطها التعليمي اعتباراً من الأحد الموافق 29 يناير 2023م. وقال منشور الوزارة إنها قامت بتعديل التقويم المدرسي للعام 2022 ــ 2023م وفق القرار الإداري رقم (12) لسنة 2023م، استناداً الى أحكام المادة 14 /6/أ من قانون تنظيم التعليم العام بولاية الخرطوم لسنة 2009م. ويشمل هذا القرار جميع مراحل التعليم بالولاية ويتضمن المدارس الحكومية والخاصة، وعلى الإدارات التعليمية المختصة على مستوى رئاسة الوزارة والمحليات تنفيذ هذا القرار.
وفي المقابل يرى المحلل السياسي د. عبد الرحمن أبو خريس، أن هذا واحد من الأخطاء التي يمر بها السودان الآن، وهو تدخل السفارات في كل الشأن الصحي والاجتماعي والسياسي، والذي ربما يمتد إلى الشأن الرياضي وتحديد موجهات الدوري الممتاز لكرة القدم.
سيولة سياسية
وهذه هي السيولة السياسية حسب أبو خريس في حديثه لـ (الانتباهة) التي تنتهجها الحكومة في التعامل مع السفارات الأجنبية، فإذا كانت السفارة الأمريكية تريد خدمة قضايا التعليم يجب أن تتوجه إلى وزارة الخارجية أولاً ومن ثم لوزارة التربية والتعليم. واعتبر استدعاء سفارة أمريكا بالخرطوم كجهة سياسية، للجنة المعلمين السودانيين ــ جهة غير سياسية ــ تدخلاً سافراً في الشأن السياسي والتربوي ولا تفسير له خلاف ذلك. وأضاف قائلاً: (إذا كانت سفارة أمريكا تريد تقديم خدمات في التعليم فعليها التوجه للخارجية ورأس الدولة، وليس لجهة مطلبية تنفذ إضراباً حالياً). وأكد أبو خريس أننا نسير الآن نحو طريق (اللادولة)، وربما نشهد بعد قليل استدعاء سفارة دولة أخرى للمهندسين وأخرى للعاملين وهكذا، لتحقيق مصالحها أو مصالح الآخرين
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.