رفع “الطوارئ”.. خطوة على طريق عودة الثقة المفقودة في السودان

بعد 7 أشهر من الجمود في العملية السياسية بالسودان، قرر رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان رفع حالة الطوارئ المعلنة في البلاد.

قرار ينتظر أن يعقبه إطلاق سراح معتقلين سياسيين، في مسعى لتمهيد المشهد من أجل إطلاق حوار وطني لتجاوز الأزمة السياسية.

ويعيش السودان على وقع أزمة سياسية حادة منذ قرارات اتخذها قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قضت بحل الحكومة الانتقالية، وفرض حالة الطوارئ بالبلاد، وتجميد بعض بنود الوثيقة الدستورية.

واعتبر البرهان أن تلك الإجراءات تستهدف تصحيح مسار الثورة التي أنهت حكم جماعة الإخوان، بينما اعتبرتها قوى معارضة بمثابة انقلاب.

ومنذ ذلك الحين، تشهد البلاد حالة من الجمود في العملية السياسية بفضل قطيعة شاملة بين الأطراف، في حين تستمر مظاهرات غاضبة تنادي بالحكم المدني ومتمسكة بما سمته اللاءات الثلاث “لا تفاوض، لا شراكة، لاشرعية”.

وتقود الأزمة السياسية البلد الأفريقي الذي يعاني أزمات اقتصادية عميقة إلى حافة الهاوية، وفق مراقبين.

ووسط طرق وعرة تسير آلية ثلاثية مكونة من الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد وبعثة الأمم المتحدة بالخرطوم “يونيتامس” في محاولة لتسهيل حوار سياسي بين الأطراف السودانية لحل الأزمة في البلاد.

ومراراً دعت هذه الآلية إلى رفع حالة الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف العنف ضد المتظاهرين، بغرض تهيئة البيئة لحوار وطني يعيد مسار الانتقال الديمقراطي.

كسر الجمود

وشدد الخبير السياسي الدكتور الرشيد محمد إبراهيم على أن رفع حالة الطوارئ يعد خطوة مهمة في سبيل إعادة الثقة بين الأطراف السودانية، وقد يكسر جمود العملية السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية والمبادرات الأخرى في البلاد، ويزيل كثير من الغيوم التي تخيم على المشهد.

وقال إبراهيم في حديثه لـ”العين الإخبارية” “ما تم يعتبر قرارا فنيا وليس مبدئيا وهو ثانوي، مساعد، مثل المسكن الذي يعطي للمريض لتسكين الألم ومن ثم البحث عن علاج مستدام”.

وأضاف “فاعلية قرار رفع حالة الطوارئ يتوقف على مدى استجابة الطرف الآخر في قوى المعارضة ما إن كانت ستجلس لطاولة الحوار أم ستتخذ هذه الخطوة كمكسب استراتيجي وتواصل في الممانعة ورفع سقف المطالب”.

وتابع “معلوم أن قوى المعارضة متمترسة في مواقفها ولها أجندة معلنة وهي تصفية ما يسمونه بالانقلاب، فإذا استمرت في ذلك فلن يكون رفع حالة الطوارئ مجدياً في مسار حل الأزمة”.

واعتبر المحلل السياسي عزالدين دهب أن رفع حالة الطوارئ والإفراج عن السجناء السياسيين، بمثابة خطوة إبداء حسن النية وتهيئة المناخ للحوار، فهي تمثل مطلوبات أساسية لأي عملية تفاوض.

وقال دهب في حديثه “ما تم خطوة في الاتجاه الصحيح ويجب أن تتبعها إجراءات أخرى مثل حسم أمر العدالة لعدد 98 متظاهرا قتلوا منذ قرارات قائد الجيش وحتى اليوم وإبعاد كل شخص يمكن أن يعرقل مساعي الوفاق، فهذه مطلوبات أساسية تنادي بها قوى الاحتجاجات”.

وشدد على أنه “إن لم يتم حسم هذه القضايا فلن يكن هناك حوار مجد، وأي محاولة لفرض تسوية متجاوزة للقوى الفاعلة في المشهد تعتبر قفزة في الظلام ولن يصمد أي اتفاق يبرم بموجبها”.

أساس المشكلة

ويرى المحلل السياسي الدكتور عادل محجوب أن “المشكلة لا تكمن في رفع حالة الطوارئ من عدمه، فمن الممكن التوصل لوفاق في ظلها (حالة الطوارئ)، ولكن الحكاية في انعدام الثقة بين الطرفين والتدخل الخارجي في الشأن السوداني، فقوى الحرية والتغيير تستقوي بالخارج خاصة الغرب، والعسكريون رغبتهم في الحكم أكبر، فضلاً عن ذلك ضعف الوسطاء الدوليين واختلاف وجهات نظرهم حول التعامل مع طرفي النزاع”.

وشدد محجوب وهو أستاذ جامعي على أن حالة الطوارئ كانت شكلية بدليل عدم وجود سياسي واحد من المعروفين في يقبع في السجن، إذ إن غالبية الموقوفين من الكوادر المشاركة في المظاهرات.

واعتبر أن حل الأزمة والحوار يحتاج لإرادة وطنية خالصة تضع مصلحة السودان هي العليا وليس المصالح الشخصية أو الحزبية والأيديولوجية.

وقال: “مشكلة السودان الآن أن كل اللاعبين في المشهد السياسي ينظرون للحلول من منظور ضيق، هذا غير مجد في دنيا السياسة التي تعرف بأنها فن الممكن”.

وأضاف “الخطاب السياسي الحالي غير مرن من الطرفين وفي ظله من الصعوبة بما كان أن تحل الأزمة المصنوعة لتحقيق أهداف وأجندة غير مرئية حتى الآن لغالبية الشعب السوداني”.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.