رفع العقوبات والابتزاز الغربي للسودان

لم يكن أشد المتشائمين يظن ان العقوبات الدولية المفروضة من مجلس الامن الدولي على السودان منذ عام 2005م بموجب القرار (1591) قد تستمر حتى بعد ذهاب نظام البشير، خاصة ان الغرب أكثر من الوعود خلال السنوات الاخيرة بان حياة السودانيين ستتحول لرفاهية وستعيد الخرطوم علاقاتها مع المجتمع الدولي، ولكن بعد أربع سنوات بعد أن زال حكم الانقاذ لم يتبدل شيء في ما يخص هذا الملف الشائك الذي فيما يبدو لا نهاية له.

وأمس الاول اتهم وزير الخارجية السفير علي الصادق ثلاث دول بعرقلة رفع العقوبات، وهي امريكا وبريطانيا وفرنسا، واشار الى ان الدول المذكورة مازالت ترفض ذلك، حيث استطرد قائلاً: (ربما لدى الغرب حسابات اخرى، خاصة في افريقيا التي اضحت ساحة للصراع بين القوى الغربية وروسيا والصين).
وتعيش الخرطوم أزمة سياسية حادة ومشكلات اقتصادية تفاقمت أخيراً، الامر الذي جعل التساؤلات تطول كل ما يخصها على الصعيد الداخلي والخارجي، ومن ضمنها استمرار البلاد في قائمة العقوبات التي قطعاً تشكل عقبات حقيقية امام الدول في انطلاقتها في نواحٍ عديدة.

(1)
وقال وزير الخارجية: (إن الوقت قد حان لإنهاء العقوبات المفروضة على السودان بموجب القرار (1591) الخاص بالأوضاع في دارفور)، متهماً ثلاث بعرقلة القرار.
واضاف الصادق في حوار مع صحيفة (الوطن) البحرينية أن عقوبات مجلس الأمن فُرضت في 2005م إبان اندلاع الحرب في إقليم دارفور بين الحكومة والحركات المسلحة، لكن هناك تحولات كبيرة على الأرض والساحة السياسية تستدعي إلغاء القرار (1591) ورفع العقوبات المفروضة على السودان، مضيفاً انه لم تعد هناك حرب في دارفور، ومعظم اللاجئين عادوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية في قراهم، كما أن من كانوا يقاتلون الجيش السوداني في ذلك الوقت الآن هم أعضاء في مجلس السيادة ومنهم وزراء وحكام أقاليم، وبالتالي هناك تغيير كامل في الحياة السياسية، الأمر الذي يستدعي إلغاء القرار.

ويرى السفير علي يوسف ان مبدأ العقوبات الاحادية التي تأتي على شاكلة (امريكا تعاقب الدولة كذا وكدا) مرفوضة تماماً، ولكنه قال ان هنالك عقوبات تفرض عبر مجلس الامن في ظروف معينة مثل التي ارتبطت بمشكلات دارفور، مشيراً الى ان سنوات عديدة مرت ولكن مازال السودان قابعاً في محطة العقوبات، رغم المحاولات التي تقوم بها بعض الدولة الصديقة للسودان بدوافع خوفها على السودان وشعبه، ولكنها تقابل كذلك برغبات دول متشددة في رفض رفع الظلم عن الخرطوم ومتمسكة بمعايير مزدوجة، حيث انها مثلاً تتعلل بملف حقوق الانسان في السودان، في حين ان هنالك دولة تقتل الفلسطينيين ولكنها لا تحرك ساكناً.

واضاف يوسف في خضم افادته لـ (الانتباهة) ان هنالك دولاً ترفض رفع العقوبات لاستخدامها كرت ضغط على الانظمة لتستجيب لرغباتها، ويواصل السفير علي يوسف ويقول: (ان العقوبات لو كانت تطبق على اشخاص محددين لكانت معقولة، ولكن ان يتم تعميمها على البلاد وتتم التضحية بالشعب، فهذا امر غير مقبول بالمرة).
واختتم يوسف حديثه وقال: (ان العقوبات المفروضة لن ترفع الا بواسطة مجلس الامن عبر الاغلبية بتسع دول، ولكنها ايضاً مجابهة باستخدامها كعصا ووسيلة للضغط على السودان في ملفات اخرى).
(2)
وكان عام 2005م قد شهد اصدار مجلس الأمن الدولي القرار (1591) الذي يطالب جميع الدول باتخاذ تدابير لمنع تزويد الكيانات في دارفور بالأسلحة والمواد ذات الصلة، بما في ذلك التدريب والمساعدة التقنية.
ويذهب السفير العبيد احمد المروح الى ان الموقف الغربي يؤكد استخدام مجلس الامن كاداة لتنفيذ اجندة سياسية غربية، خاصة ان الحيثيات التي بموجبها تم فرض هذه العقوبات قد انتفت ولم تعد هنالك حرب بين السلطة المركزية والمتمردين.

ويواصل محدثي في معرض تعليقه على الطرح لـ (الانتباهة) قائلاً: (ان الوضع الامني في دارفور ليس مستقراً على الوجه المطلوب، ولكن المشكلات الامنية عائدة لصراعات بدائية بين المجموعات القبلية المتساكنة)، واضاف المروح قائلاً: (ان استمرار فرض العقوبات الدولية على البلاد يحرم الدولة السودانية من القيام بادوارها في مكافحة التفلتات الامنية، وبالتالي كأن مجلس الامن يساهم بشكل غير مباشر في انفراط عقد الامن في المنطقة ككل، وليست دارفور وحدها وانما حدود السودان مع جيرانها التي تشهد حالة من الهشاشة الامنية).
ولكن السفير العبيد المروح استبعد ان يكون استمرار العقوبات على الخرطوم بسبب التنافس الامريكي الروسي، مشيراً الى ان موسكو وبكين كلاهما عضوان دائمان في مجلس الامن وداعمان لرفع هذه العقوبات، مع ان الطبيعي ان تدعم واشنطون ولندن رفعها باعتبارهما الاقرب للوضع الحالي في السودان وفاعلين في العملية السياسية الجارية.

وهناك خبراء سياسيون لهم رأي مختلف، حيث اعتبروا ان حال الضغط على الخرطوم بعقوبات مجلس الامن فإنها قد تتجه شرقاً صوب التحالف الروسي ــ الصيني الذي لديه علاقات متوازنة مع السودان، خاصة الاخيرة التي دخلت افريقيا عبر بوابة مقرن النيلين، وكانت حليفاً قوياً للسودان في المحافل الدولية خلال آخر ثلاثين عاماً.
(3)
رفض واشنطون ولندن وباريس رفع العقوبات عن الخرطوم اظهرها بـحالة من النفاق، خاصة ان واشنطون لاعب اساسي في العملية السياسية الجارية بين الفرقاء السودانيين لوضع حد للازمة برفقة لندن ضمن الآلية الرباعية، كما ان فرنسا اتسمت علاقتها مع السودان بحالة من التوزان خلال آخر أربع سنوات، حيث زارها رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان وكذلك رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.

وتتباين ردود الافعال حيال ما ذكره صراحة وزير الخارجية علي الصادق حيال الدول المذكورة، حيث ان خبراء سياسيين يربطون ملف العقوبات بسياسة العصا والجزرة التي ظلت الولايات المتحدة الامريكية تستخدمها حيال السودان، وان المجتمع الدولي الغربي قد يتمسك ويتشدد اكثر فيه خلال الفترة المقبلة في ظل الصراع الروسي الامريكي الغربي الذي تمدد من ارض الاحتراب الحقيقية بين روسيا واوكرانيا الى الاقليم الافريقي خاصة مع تمدد موسكو في القارة السمراء، وهو ما يشكل خطورة حقيقية على مصالح امريكا ودول اوروبا.
الخبير والمحلل السياسي خالد محمد احمد يذهب الى ان المجتمع الدولي مازال ينظر للبلاد على انها سودان ما قبل 2019م بزعامة البشير الذي كان يطرد السفراء ويتحرك في السياسة الخارجية بعيداً عن المحور الامريكي البريطاني الفرنسي، خاصة في ما يتعلق بالنواحي الاقتصادية مثل استخراج البترول وغيره من المشروعات الكبرى التي شهدت تمدد التنين الصيني، وكانت الخرطوم بمثابة العبور لبكين الى افريقيا.

ويواصل خالد في حديثه ويشير الى ضعف وزارة الخارجية في التعبير عن آراء السودان في هذه القضايا، حيث شهدت الفترة الاخيرة تدخلاً خارجياً من سفراء الدول المعنية بصورة غير مسبوقة في الشأن الداخلي، ولا يتوقع محدثي ان يتم رفع العقوبات المفروضة على السودان في المستقبل القريب، لجهة ان المجتمع الدولي ظل يتعامل مع الخرطوم بسياسة الضغط المتواصل، كما ان الاخيرة ظلت تقدم الهدايا لدول الغرب بلا مقابل منذ نيفاشا وغيرها من سوانح سابقة ابرزت زيف وازدواجية المعايير الدولية، ويستشهد خالد بالعقوبات الامريكية الاقتصادية التي رفعت ولكن أثرها لم يظهر على ارض الواقع، حيث أن المؤسسات الدولية المالية مازالت تقيد التعامل مع السودان.
(4)
واتهم وزير الخارجية علي الصادق ثلاث دول بعرقلة رفع العقوبات في حواره مع صحيفة (الوطن) البحرينية بقوله: (ان أميركا وبمساندة من بريطانيا وفرنسا ترفض رفع عقوبات مجلس الأمن الدولي المفروضة على السودان)، واردف قائلاً: (ربما لدى الغرب حسابات أخرى، خاصة أن إفريقيا أصبحت ساحة للصراع بين القوى الغربية وروسيا والصين، ونحن نفسر هذا الأمر على أنه استهداف، ونفهم أنه ليس من مصلحة الدول الثلاث أن يكون هناك استقرار سياسي في السودان).

وبالمقابل فإن مراقبين يذهبون الى ان عرقلة رفع العقوبات كرت ضغط لن تفرط فيه الدول المذكورة، خاصة ان هنالك صراعاً شرقياً غربياً بين موسكو وبكين من جهة وواشنطون وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، الامر الذي يتطلب تحركات وضغوطاً من الحكومة السودانية التي تمتلك بدورها كروتاً وبدائل قد تسهم في رفع العقوبات بشكل نهائي.
ولكن بعض الاصوات ترى ان حالة العبث الماثلة تقف حجرة عثرة في سبيل مطالبة الخرطوم برفع عقوبات مجلس الامن، خاصة ان اسبابها انتفت، حيث اشاروا الى انه حال استقرار الاوضاع وتشكيل حكومة مدنية في الخرطوم وصولاً للانتخابات وتأسيس دولة قوية، ستكون قادرة على انتزاع حقوقها من المجتمع الدولي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.