هل تستطيع مصر قصف سد النهضة؟ وماهي خيارات الرد الأثيوبي؟
مع إعلان فشل مفاوضات كينشاسا بين مصر والسودان وإثيوبيا، التي دعت إليها الرئاسة الكونغولية للاتحاد الإفريقي، ومع اقتراب الملء الثاني لسد النهضة يضيق النطاق الزمني لحل الأزمة سياسياً، وتتصاعد احتمالات الحلول الخشنة، بما في ذلك خيار قصف مصر لسد النهضة.
هل مصر قادرة على ضرب السد؟
تمتلك مصر تفوقاً كبيراً على إثيوبيا في مجال القوة الجوية.
ولكن رغم الفارق الهائل لصالح مصر فإن استخدام القوة الجوية ليس سهلاً.
فأقرب قاعدة مصرية لإثيوبيا تبعد عن سد النهضة نحو 1500 كم، ولا تمتلك القاهرة سوى عدد قليل من الطائرات القادرة على الوصول لإثيوبيا، منها طائرات رافال الفرنسية (24 طائرة)، التي يبلغ نصف قطرها القتالي 1800 كم إضافة إلى نحو 12 مقاتلة من طراز إف 16 بلوك 52، ولا تمتلك مصر طائرات تزود بالوقود.
أما في حال قصف السد بواسطة طائرات تنطلق من القواعد العسكرية السودانية، فإن إثيوبيا قد تعتبر هذا عدواناً من السودان، وقد تبادر بالانتقام من الخرطوم.
ما نعلمه عن الدفاعات الجوية الإثيوبية
بالنسبة للدفاعات الجوية الإثيوبية، فهناك غموض حول قدراتها.
والمؤكد أنه لديها بطاريات صواريخ “فولغا” معدلة محلياً، حيث تم تنصيبها على هياكل دبابات T-55 العتيقة، لتصبح ذاتية الحركة بدلاً من طبيعتها الأصلية كمنصات ثابتة، بالإضافة إلى بطاريات صواريخ “بيتشورا”، ويصل مداها الأقصى إلى 34 كم، وأقصى ارتفاع 18 كم، بالإضافة لأنظمة “Pantsir-S1” قصيرة المدى للدفاع الصاروخي-المدفعي المشترك، وهي فعالة ضد الذخائر الجوية، حسبما قال الخبير العسكري المصري، محمد الكناني، لموقع RT.
ونظام بانتسير الروسي (وهو نظام أثبت عدم كفاءة في مواجهة الطائرات المسيرة التركية في ليبيا وأذربيجان وسوريا).
وكان سفير إثيوبيا لدى روسيا، ألمايهو تيجينو، قد أعلن من قبل أن موسكو قد انتهت من تسليم بلاده منظومة الدفاع الصاروخي من طراز “بانتسير”؛ لتطوير قدراتها العسكرية الإقليمية.
ونقلت صحيفة “السوداني” عن مصادر، خلال الشهر الماضي، أن إثيوبيا نشرت منظومة الدفاع الروسية، بالقرب من موقع سد النهضة.
إضافة إلى تقارير أقل موثوقية عن امتلاك إثيوبيا لأنظمة روسية من طراز إس 300 الأكثر تطوراً (ولكنه يعتقد أنه فشل أيضاً أمام المسيرات التركية في سوريا وأذربيجان).
كما أن الإسرائيليين قصفوا سوريا مراراً دون أن تستطيع منظمة إس 300 منعهم.
وترددت معلومات عن تزويد الإسرائيليين إثيوبيا بمنظومات دفاع جوي قصير ومتوسط المدى من طراز “سبايدر-إم آر” لحماية سد النهضة، وفي الوقت الذي لم تنفِ فيه إثيوبيا تلك الأنباء سارعت الخارجية الإسرائيلية لتكذيبها آنذاك، ولكنها أشارت إلى وجود منظومة دفاعية يتم تحديثها حول سد النهضة، ولكنها تخص دولاً أخرى، من دون الإشارة لهويتها.
ولكن يجب ملاحظة أن نجاح الخبراء الأتراك في التغلب على منظومتي بانتسير وإس 300 نابع من عوامل عدة، منها أن الطائرات المسيرة يمكن المخاطرة بها عبر توجيهها لتدمير منظومات الدفاع الجوي دون قلق من فقدان بعضها (لأنها رخيصة ولا تؤدي إلى خسائر بشرية)، كما أن الأتراك كانت لديهم منظومة تشويش متطورة محلية الصنع من طراز كورال، إضافة إلى خبراتهم المكتسبة من العمل مع الناتو الذي يتدرب على التعامل مع مثل هذه الأنظمة الروسية.
كما أنه مما يزيد من صعوبة تعامل الطيران المصري مع مثل هذه المنظومات الدفاعية، أنه سيعمل بعيداً عن قواعده، ما يعني أن الطائرات ستكون محملة بأقصى حاجاتها من الوقود، إضافة إلى قلة عدد الطائرات المصرية التي تستطيع الوصول لسد النهضة.
ففي حالة عدم انطلاق الطائرات المصرية من السودان، فإن القاهرة لا تمتلك سوى عدد قليل من الطائرات القادرة على الوصول لإثيوبيا، كما أنها لا تمتلك مصر طائرات تزود بالوقود، ورغم أن الرافال قادرة على تزويد نظيراتها بالوقود فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة محدودة في مداها.
وطائرات سوخوي 35 الروسية تستطيع قصف سد النهضة، ولها مدى قريب من الرافال، ولكن يعتقد أن خمساً من هذه الطائرات فقط وصلت مؤخراً لمصر، وبالتالي يحتاج الطيارون المصريون لفترة للتدرب عليها.
هل تستطيع الرافال والسكالب التغلب على صواريخ إس 300 التي تحمي سد النهضة؟
في حال إذا ما كانت إثيوبيا تعتمد على صواريخ إس 300 الروسية، لحماية سد النهضة فعلاً، فهل تستطيع الطائرات الرافال التي تمتلكها مصر والمزودة بصواريخ سكالب (ستورم شادو) التغلب عليها وتدمير سد النهضة، أم أن الصواريخ الروسية الصنع قادرة على إسقاط الرافال أو حتى صواريخ سكالب قبل أن تصل للسد.
يلاحظ أن متوسط مدى صواريخ سكالب حوالي 300 كلم.
في المقابل، يقول الروس إن مدى نظام إس 400 (الأكثر تطوراً من إس 300) يبلغ نحو 248 ميلاً (نحو 400 كلم)، ولكن يظهر تحليل سويدي أن المدى الفعلي لأبرز نسخ إس 400، هو في الواقع 90-125 ميلاً فقط، قد ويكون مدى إس 400 في وجهة نظر واضعي الدراسة أقصر جداً في مواجهة الصواريخ التي تحلق على ارتفاع منخفض مثل صواريخ سكالب.
في تكوينه الحالي يجب اعتبار نظام S-400 بشكل أساسي تهديداً للطائرات الكبيرة عالية القيمة، مثل أواكس أو طائرات النقل على ارتفاعات متوسطة إلى عالية، على مدى 125-155 ميلاً.
في المقابل فإن المدى الفعال ضد الطائرات المقاتلة الرشيقة وصواريخ كروز التي تعمل على ارتفاعات منخفضة يمكن أن يصل إلى 12-20 ميلاً.
علاوة على ذلك، ورغم تعقيدها، تعتمد بطارية إس 400 على رادار اشتباك واحد ولديها عدد محدود من منصات إطلاق النار. ومن ثم فهي عرضة للذخائر التي تستهدف رادار الاشتباك.
يمكن ملاحظة أننا نتحدث عن نظام إس 400 الأكثر تقدماً من إس 300، ونتحدث عن معركة مفترضة بين أمريكا باستخدام طائراتها الثقيلة بي 52 مقابل روسيا بقدراتها الجبارة، وبالتالي فإن إمكانيات إثيوبيا الدفاعية في مواجهة هجوم مصري محتمل ستكون أقل بكثير من روسيا، في مواجهة احتمال قيام طائرات بي 52 بإطلاق صواريخ كروز ضد أراضيها، كما أن الرافال أكثر رشاقة بكثير من البي 52.
كما يعتقد أن المقاتلة “الرافال” الفرنسية الصنع تستطيع خداع منظومة “سبايدر” الإسرائيلية (إذا كانت بحوزة إثيوبيا فعلاً)، وذلك بواسطة حزمة الحرب الإلكترونية المتطورة جداً في الرافال، المسماة “سبكترا”، أو معدات الحماية الذاتية المضادة للتهديدات المحيطة بالطائرة رافال، والتي تعد واحدة من أفضل حزم الحرب الإلكترونية للمقاتلات على مستوى العالم”.
لكن يظل بُعد المسافة وقلة الطائرات المصرية القادرة على الوصول لإثيوبيا أمراً يزيد صعوبة أي محاولة مصرية لقصف السد، خاصة أن الطائرات السوخوي 27 التي تمتلكها إثيوبيا (18 طائرة) رغم قِدمها وتأخرها في مجال الإلكترونيات والرادارات مقارنة بالرافال وإف 16 بلوك 52، فإنها تظل لديها قدرات مميزة في مجال القتال الجوي التلاحمي.
وبالتالي ستحتاج مصر لحماية الرافال المكلفة بعمليات القصف أن تشارك طائرات إف 16 وميغ 29 في المعركة، وهي طائرات مداها أقصر، وبالتالي فإن هناك حاجة للعمل من القواعد الجوية السودانية.
ويعني ذلك احتمال أن يكون هناك انتقام إثيوبي من السودان، وهو أمر يحتم على القاهرة أن تقدم للخرطوم ضمانات أمنية تشمل على الأقل تزويدها بالسلاح للتصدي لأي عدوان إثيوبي، ومشاركة القوات الجوية المصرية في قصف أي قوات إثيوبية تتقدم نحو أراضي السودان.
ولكن يمكن القول إنه قبل سنوات كانت عملية قصف مصر لسد النهضة شبه مستحيلة، ولكن تدريجياً زادت القاهرة من قدراتها على هذا العمل، خصوصاً باقتناء الرافال (المميزة في الأساس في القصف بعيد المدى وليس القتال الجوي).
كما أن واشنطن سمحت للقاهرة بالحصول على صواريخ كروز مداها 300 كم تحمل على الرافال بعدما كانت تمنعها عن مصر، إضافة إلى أن الدخول التدريجي لطائرات سوخوي 35 يوفر لمصر خياراً إضافياً بجانب الرافال (أو يمكنها أن توفر الحماية الجوية للرافال)، ولكن ما زال خيار السوخوي يحتاج إلى وقت لإتمام الصفقة واستيعاب القوات الجوية المصرية لها.
سيناريوهات الانتقام الإثيوبي
من شأن تدمير سد النهضة أن يثير عداء الشعب الإثيوبي، ويوحده خلف آبي أحمد، وقد يطلق ردود فعل غير متوقعة، وسيظل النيل يأتي من إثيوبيا حتى لو تم تدمير السد.
كما أن من شأن هذه العملية وقف أي احتمال لتفاوض مستقبلي بين البلدين، وقد تثأر أديس أبابا بتلويث أو محاولة منع مياه النيل التي تأتي لمصر لو أعادت ترميم السد.
فنهر النيل ينحدر بقوة من الهضبة الإثيوبية نحو سهول السودان، ويمكن للإثيوبيين أن يحاولوا تلويثه في نهاية مسار المجرى قُبيل خروجه من أراضيهم.
ولكن هل يمكن لإثيوبيا أن تفجر في المقابل السد العالي؟
ليس هناك تقارير موثقة تفيد بامتلاك إثيوبيا صواريخ باليستية (مثل صواريخ سكود) قادرة على ضرب سد النهضة، علماً بأن هناك اتفاقات دولية تمنع تصديرها، ولكن يمكن الحصول عليها من السوق السوداء من دولة مثل كوريا الشمالية (وهي الدولة التي حصلت منها مصر على الأرجح على عدد من صواريخ سكود).
ورغم ذلك، فإن التشدد في منع تجارة هذه الصواريخ قد استحكم مؤخراً، خاصة مع إحكام أمريكا وحلفائها الآسيويين الحصار على كوريا الشمالية.
كما أن مثل هذه الصواريخ الباليستية أغلب أنواعها تدميرها محدود وعشوائي، وغالباً ستحتاج إلى تخفيض وزن رؤوسها الحربية لإطالة مداها للوصول من إثيوبيا لجنوب مصر.
كما أن القاهرة تمتلك صواريخ إس 300 الروسية التي ستكون غالباً أكثر فاعلية في التصدي للصواريخ الباليسيتية التي يمكن لأديس أبابا الحصول عليها من قدرتها على التصدي لصواريخ كروز من طراز ستورم شادو التي تقارب سرعتها سرعة الصوت التي تمتلكها مصر.
ولا يعرف هل تستخدم القاهرة صواريخ إس 300 لحماية السد العالي أم لا؟
وتمتلك أديس أبابا عدداً محدوداً من طائرات سوخوي 27 (نحو 18 طائرة)، وهي طائرة تتميز بقدرات مناورة عالية.
وهي تمثل أفضل طائرات لدى أديس أبابا، والأطول من حيث المدى، ولكن يظل مداها قصيراً لكي تكون فعالة في عمليات قصف السد العالي، كما أنها بالأساس طائرات دفاعية.
وفي مواجهة نحو 218 طائرة إف 16 تمتلكها مصر، وأكثر من 40 طائرة ميغ 29 ونحو 24 طائرة رافال يصبح احتمال نجاح السوخوي الإثيوبية في تنفيذ هجوم على السد العالي صعباً.
وإذا تحقق سوف يحتاج إلى التسلل بعيداً عن أعين الرادارات المصرية والسودانية، وهذا يتطلب الطيران على مستوى منخفض، مما سيقلل مداها، علماً أن خبرات الطيارين الإثيوبيين محدودة حتى إن أديس أبابا لجأت إلى طيارين مرتزقة روس لقيادة هذه الطائرات في حربها مع إريتريا في التسعينيات.