بين مصر وأثيوبيا! موقف دول حوض النيل من أزمة سد النهضة
وفي خضم توتر متصاعد مع إثيوبيا بشأن سد النهضة الذي تقيمه أديس أبابا على نهر النيل، وقعت مصر اتفاقاً لتبادل المعلومات العسكرية مع أوغندا، وأعقبه توقيع بروتوكول تعاون عسكري مع بوروندي، وهما من بين 11 دولة تقع على حوض نهر النيل.
ويعد الاتفاقان السابقان ثالث توقيع مماثل لمصر خلال شهرين؛ وذلك بعد توقيع القاهرة والخرطوم الشهر الماضي اتفاقية تعاون عسكري، إضافة إلى تنفيذ البلدين مناورات جوية مشتركة، وتبادل زيارات رفيعة، في وقت يتصاعد فيه حديث المسؤولين المصريين عن وصول المفاوضات مع أديس أبابا إلى طرق مسدودة، وتحذيرات من نشوب صراع مسلح بسبب السد الإثيوبي.
الكونغو.. الموقف الأكثر تفهماً لمصالح دولتي المصب
من الملاحظ أن مواقف الكونغو تبدو أكثر تفهماً لمصالح دولتي المصب مصر والسودان أكثر من أغلب دول المنابع الأخرى، ويبدو هذا الموقف قديماً وسابقاً في الأزمة الأخيرة وما تبعها من تحركات مصرية.
وهناك علاقات جيدة تاريخياً بين مصر والكونغو، وقد يرجع أحد أسباب ذلك إلى أن الكونغو دولة غنية بالموارد بالمياه إذ تمتلك ثاني أطول نهر في إفريقيا وهو نهر الكونغو، بل إن هذا النهر هو أكبر من حيث كمية المياه التي يحويها من النيل، إذ يعد ثاني نهر في العالم من حيث كمية المياه التي يحملها في مجراه بعد الأمازون، كما أنه أعمق نهر مسجل في العالم.
وقد يكون أحد أسباب مواقف كينشاسا أن بعض منابع نهر الكونغو تبدأ خارج الكونغو الديمقراطية، بشكل يجعلها دولة مصب جزئياً (حتى لو كانت معظم منابعه من داخل البلاد).
جنوب السودان: ساحة منافسة بين مصر وإثيوبيا
رغم العلاقات المصرية السودانية التاريخية، إلا أن القاهرة احتفظت بعلاقات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت تقود جنوب السودان في الحرب التي خاضتها ضد الخرطوم للحصول على حق تقرير المصير، والتي انتهت باتفاق سلام أدى إلى انفصال الجنوب.
وزادت هذه العلاقة بين القاهرة وجوبا تحسناً خلال فترة توتر الأجواء بين القاهرة والخرطوم، بسبب التوجه الإسلامي لنظام البشير الترابي، خاصة بعد اتهام القاهرة لنظام البشير بالتورط في محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، حيث أفادت تقارير بدعم القاهرة للحركة في مواجهة السودان.
وفي الوقت ذاته، كانت الجبهة الشعبية لتحرير السودان لديها علاقات تاريخية مع إثيوبيا.
وانعكس ذلك في تقلب مواقف السودان في أزمة سد النهضة.
ويمكن القول إن جنوب السودان محور لتنافس مصري ـ إثيوبي قديم عززه نزاع “سد النهضة”.
وبين القاهرة وجوبا تعاون واسع في المجالات كافة، حيث أخذت مصر على عاتقها دعم الدولة الوليدة منذ استقلالها عن السودان عام 2011.
ويقول السفير أشرف حربي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، إن “العلاقات بين البلدين تتضمن اتفاقيات واسعة، تضم تعاوناً تجارياً واقتصادياً وعسكرياً لدعم بناء مؤسسات الحكومة في جوبا، ووصل الأمر إلى ظهور تقارير بشأن إنشاء قاعدة مصرية في جنوب السودان”.
كما أن هناك حديثاً عن إحياء قناة جونقلي في جنوب السودان، وهي مشروع قديم يهدف إلى إنشاء قناة تتجنب مسارات النيل في السدود النباتية والمستنقعات التي تهدر روافد النيل الأبيض ولكنه جوبه بمعارضة شعبية في جنوب السودان قبل استقلاله عن السودان.
ولكن تظل هناك حالة من التقلب وعدم اليقين في مواقف جنوب السودان.
فلقد أفاد تقرير لموقع صحيفة العربي الجديد بأن بياناً صادراً من السفارة الإثيوبية في جوبا، ورد فيه أن وزير الري في جنوب السودان مناو بيتر قال إن بلاده “تدعم حقوق إثيوبيا في الاستفادة بمواردها الطبيعية”، معلناً أنها “سوف توقع على الاتفاق الإطاري لحوض النيل، وستصادق عليه بمجرد انعقاد البرلمان”.
ولكن مناو بيتر، وزير الموارد المائية والري بدولة جنوب السودان، نفى ما نشر عن دعمه لموقف إثيوبيا في بناء سد النهضة بالشكل الحالي.
كما اعتبرت جوبا مخاوف الخرطوم من الملء الثاني الأحادي لـ”سد النهضة” الإثيوبي، مشروعة، خلال لقاء مشترك بين الجانبين.
يمكن توقع أن مواقف جوبا من أزمة سد النهضة قد تكون مرتبطة بشدة مع تطورات علاقتها مع السودان، ولا سيما مدى تجاوب الخرطوم مع مطالب الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح الشمال فيما يتعلق بحقوق المناطق التي تعتبرها نفسها ممثلة لها، وهي مطالب تشمل العلمانية في الحكم وتقليل المركزية بشكل كبير، وتغيير طابع الجيش السوداني، كما بدا في الاتفاق الإطاري، الذي وقعته الخرطوم مع الشعبية جناح الشمال، مؤخراً بوساطة من جنوب السودان.
وفي النهاية يظل جنوب السودان دولة ضعيفة وصغيرة ومنقسمة حصلت على استقلالها للتو، ولديها مشاكل داخلية كبيرة، وبالتالي على الأرجح فإنها تحاول الاستفادة من التلاعب بين الدول الكبيرة في المنطقة لا سيما مصر وإثيوبيا.
تنزانيا.. من سد نيريري إلى سد النهضة
أفادت تقارير بأن مصر تنفذ مشروع سد ومحطة “جوليوس نيريري” للسيطرة على فيضان نهر روفيجي فى تنزانيا، وهي من الدول الكبيرة بشرق إفريقيا، ولا يعرف هل يتم الأمر بمنحة مصرية كاملة أم جزئية أم أن الشركات المصرية تقوم بدور المقاول فقط.
وأُعلن أن الحكومة التنزانية قد قررت في ديسمبر من عام 2018 إسناد عقد إنشاء المشروع إلى شركات مصرية بتكلفة 2.9 مليار دولار.
وهو يعد مشروعاً قومياً عملاقاً، تنفذه شركتا “المقاولون العرب” و”السويدي إليكتريك”، تحت إشراف الحكومة المصرية، والتى وقعت فى ديسمبر عام 2018، عقد المشروع، بحضور رئيس جمهورية تنزانيا الاتحادية، والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أُعلن أن الشركات المصرية استطاعت إنهاء أعمال الحفر لسد جيوليوس.
ويعد هذا المشروع هو الأول من نوعه لمصر في الخارج، ويقدم المشروع لإمكانية التعاون بين دول المنبع ودول المصب بطريقة تفيد جميع الأطراف.
كينيا.. خلاف مع أديس أبابا حول تيغراي
تعد كينيا من أهم دول حوض النيل ومنطقة شرق إفريقيا وهي لها حدود مباشرة مع إثيوبيا.
ولم ينشر أن مصر وقعت اتفاقات مماثلة لاتفاقياتها مع بوروندي وأوغندا مع كينيا، ولكن الكاتب الصحفي الإريتري عبدالقادر محمد لفت إلى حدوث تطوير للعلاقات المصرية الكينية مستفيدة من الخلافات الكينية الإثيوبية متعددة الأوجه.
وأشار إلى أن كينيا كان لها موقف في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الوضع في إقليم تيغراي الإثيوبي، وهي مواقف كانت مخالفة لرغبات إثيوبيا، حيث كانت نيروبي مساندة لعقد الجلسة وللمواقف المنتقدة لأديس أبابا وتعاطيها مع الأزمة السياسية والإنسانية في تيغراي.
الدول الإفريقية الكبرى مع من تقف؟
يرى الباحث النيجيري حكيم نجم الدين أن هناك دولاً إفريقية مؤثّرة لم تعلن بشكل صريح انحيازها لأي طرف، رغم أن تحركات مسؤوليها تؤكد انحيازها لإثيوبيا.
وذكر أن هناك اتفاقات عسكرية واقتصادية لإثيوبيا مع نيجيريا وجنوب إفريقيا وغيرهما، وهما من الدول التي لها مكانتها وأهميتها من حيث التأثير في الاتحاد الإفريقي والعلاقات الدولية، إلى جانب اتفاقات أخرى مع كينيا وغيرها بشرق إفريقيا.
ولم تخف مصر والسودان استياءهما من الوساطة الإفريقية التي تزعمتها جنوب إفريقيا، وأعلنت السودان فشل هذه الوساطة وطالبت باستبدالها بوساطة رباعية تضم إلى جانب الاتحاد الإفريقي كل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وأيدت مصر هذا الموقف السوداني.
ويرى بعض من المصريين أن جنوب إفريقيا تسعى منذ إنهاء الحكم العنصري إلى تزعم القارة الإفريقية وإقصاء القاهرة (التي ساعدت جنوب إفريقيا ضد الحكم العنصري وكذلك العديد من دول القارة)، ويساعد بريتوريا على ذلك إرثها النضالي ضد العنصرية، وكونها أكثر دولة إفريقية تقدماً، كما أنها دولة ذات أغلبية سوداء، وليست دولة عربية كمصر.