سفن حربية أمريكية في السودان مجدداً والسبب مزاحمة روسيا

0

وصلت إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر ثلاث سفن حربية أمريكية وروسية خلال الأيام الأخيرة، في تسابق علني على النفوذ في السودان ، ثالث أكبر بلد إفريقي، فيما رحبت الخرطوم بالسفينتين الأمريكيتين اللتين وصلتا مدينة بورتسودان، في زيارة هي الأولى منذ 3 عقود، فكيف ولماذا تتصارع واشنطن وموسكو على الخرطوم؟ ولماذا الآن؟

المدمرة الأمريكية “ونستون تشرشل” في الساحل السوداني

بعد التقلبات الكبيرة التي شهدها السودان مؤخراً، من الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير عام 2019، وحتى رفع العقوبات الأمريكية عن الخرطوم، برز حجم التنافس الدولي على النفوذ في السودان بشكل كبير، إذ تقع الخرطوم في موقع استراتيجي، وفي منطقة تغلي بالاضطرابات بين القرن الإفريقي والخليج وشمال إفريقيا أيضاً.

وفي أحدث مؤشر على دفء العلاقات مع واشنطن، رست سفن حربية تابعة للبحرية الأمريكية على الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر يوم الإثنين، وذلك بعد يوم واحد فقط من زيارة فرقاطة روسية لبورتسودان.

ولدى استقباله المدمرة “ونستون تشرشل” في بورتسودان، قال القائم بالأعمال الأمريكي برايان شوكان إن “هذه الزيارة التاريخية تُظهر دعم الولايات المتحدة للانتقال الديمقراطي في السودان، ورغبتنا في عهد جديد من التعاون والشراكة مع السودان”.

وبدأت بالسودان في 21 أغسطس/آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية.

فيما قال الأدميرال مايكل باز، مدير الشؤون البحرية في الأسطول السادس الأمريكي: “جنباً إلى جنب مع حكومة السودان الانتقالية، بقيادة مدنيين، نسعى لبناء شراكة بين قواتنا المسلحة”، وفق بيان للسفارة. وأضاف باز: “في الأشهر القليلة الماضية فقط، شهدنا بالفعل زيادة في الارتباطات العسكرية”.

أما قائد قاعدة بورتسودان البحرية، العقيد ركن بحري إبراهيم حماد، فقال خلال مراسم الاستقبال، إن هذه الزيارة جاءت بعد انقطاع دام أكثر من 30 عاماً، ولها أهمية كبيرة، وتمثل عودة للعلاقات الأمريكية السودانية فيما يتعلق بزيارات السفن الحربية.

وفي 24 فبراير/شباط الماضي، استقبلت بورتسودان سفينة النقل السريع “كارسون سيتي”، وكانت “أول سفينة تابعة للبحرية الأمريكية تصل السودان منذ عقود”، وفق بيان للسفارة الأمريكية.

منافسة أمريكية روسية على السودان

استقبل السودان، الأحد، الفرقاطة الروسية “أدميرال غريغوروفيتش”، وهي الأولى من نوعها التي تصل إلى السودان. وذلك قبل يوم واحد من وصول السفينة الحربية الأمريكية “ونستون تشرشل”، وقال الجيش السوداني، في بيان الأحد، إن “زيارة السفينة الروسية تعتبر واحداً من النشاطات المعتادة في العلاقات الدبلوماسية بين القوى البحرية العالمية وتقليداً متبعاً بين الجيوش”.

وأضاف أن هذه السفينة هي أول سفينة حربية روسية تدخل ميناء بورتسودان في تاريخ روسيا الحديث. وذكرت وكالة الأنباء السودانية أن قيادة السفينة الروسية أجرت مباحثات مع المسؤولين السودانيين حول تنفيذ الاتفاق بين موسكو والخرطوم بشأن إقامة نقطة دعم لوجيستي للبحرية الروسية في السودان.

وتعتزم روسيا إقامة قاعدة بحرية هناك تتمتع بإمكانية السماح برسو السفن التي تعمل بالطاقة النووية، وأوردت وكالة إنترفاكس للأنباء أن الفرقاطة الأدميرال جريجوروفيتش أصبحت أول سفينة حربية روسية تدخل الميناء يوم الأحد.

ويعد اهتمام روسيا بالسودان تأكيداً منها على “أحقيتها في المنطقة من خلال اتفاقية سابقة مع الخرطوم لإنشاء قاعدة عسكرية لوجستية”. ففي 2007، لم تتحمس موسكو لطلب الرئيس السوداني آنذاك، عمر البشير (1989 – 2019)، إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان.

هذا ونشطت مؤخراً في الحديث عن اتفاقية وقعتها مع الخرطوم لإقامة قاعدة عسكرية روسية شرقي السودان على البحر الأحمر، وفي مايو/أيار 2019، كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعد أن دخلت حيز التنفيذ.

وصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان، قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية. وبعد ثلاثة أيام، قال رئيس الأركان السوداني الفريق ركن محمد عثمان الحسين: “حتى الآن ليس لدينا الاتفاق الكامل مع روسيا حول إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، لكن التعاون العسكري بيننا ممتد”.

لكن في 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية بين روسيا والسودان حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف “تعزيز السلام والأمن في المنطقة”، حسب مقدمة الاتفاقية.

ونصت الاتفاقية على إقامة منشأة بحرية روسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكري ومدني. ويمكن لهذه القاعدة استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وستستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية.

هدف السفن الحربية الأمريكية هو قطع الطريق على روسيا

شرعت الولايات المتحدة والسودان مؤخراً في إعادة وصل العلاقات السياسية والاقتصادية، ورفعت واشنطن اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أواخر العام الماضي. وكان السودان متهماً في عهد البشير بتوفير الملاذ للجماعات الجهادية التي تصنفها واشنطن كإرهابية.

ووصول السفينتين الأمريكيتين إلى السودان جاء على خلفية تحسن العلاقات بين البلدين مؤخراً بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى مسارعة واشنطن بكسب أكبر نفوذ في السودان قبل أن تتوسع روسيا هناك. ففي 25 يناير/كانون الثاني الماضي، وصل نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا “أفريكوم”، أندرو يونغ، إلى الخرطوم، وبحث سبل تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين.

وهذه أول زيارة لمسؤول عسكري أمريكي للخرطوم منذ أن رفعت واشنطن في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقوبات اقتصادية وسياسية كانت فرضتها على السودان، لوجوده بقائمة “الدول الراعية للإرهاب”.

وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قد أكد الشهر الماضي التزام واشنطن بدعم الحكومة المدنية في السودان، بينما رفعت شركات أمريكية هذا البلد من قائمة الحظر الذي كانت تفرضه على مبيعاتها له لسنوات. وأعرب بلينكن في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، عن “التزام الولايات المتحدة الراسخ بدعم الحكومة الانتقالية ذات القيادة المدنية بالبلاد، ودعم التحول الديمقراطي بالبلاد والإيفاء بكامل استحقاقاته، وخصوصاً الدعم في المجال الاقتصادي، وتعزيز التعاون غير المشروط في جميع المجالات”.

السباق على البحر الأحمر لا يقتصر على روسيا وأمريكا

قبل الإطاحة بالبشير، وقَّعت كل من قطر وتركيا اتفاقات لإعادة تأهيل ميناء سواكن القريب على البحر الأحمر. ويُشكِّل البحر الأحمر أحد المسارات الحيوية للتجارة العالمية، إذ يمر ما يقرب من 10% من سلع العالم عبره. 

ويربط بين منتجي الطاقة في الخليج والأسواق الغربية وصناعات التصدير في شمال شرق آسيا، وهذا هو السبب الذي يجعل القوى العظمى في المنطقة تعتبر نقاط الدخول إلى هذا البحر استراتيجية. 

وقد استقطبت المنطقة مزيداً من الاهتمام من الخارج منذ تَدهور استقرارها بسبب قُرب الحرب الأهلية اليمنية وزيادة القرصنة في الصومال. ونتيجة لذلك، نشرت عدة دول قواتها العسكرية في المنطقة، وخاصة في جيبوتي، بالقرب من مضيق باب المندب.

ومنذ نجاح التدخل الروسي في الحرب السورية، تطورت العلاقات بين روسيا والدول المطلة على البحر الأحمر مع العديد من الآفاق الواعدة للسماح لموسكو قريباً بنشر قوات في المنطقة. ومن أجل العودة إلى البحر الأحمر، اعتمدت موسكو على جاذبية قدراتها العسكرية وأجهزتها الأمنية. وعزَّز نجاح الحملة الروسية لحماية حليفها السوري من “مصداقية” موسكو باعتبارها “ضامناً للأمن”، حتى بالنسبة لدول خارج نطاق ما بعد الاتحاد السوفييتي. 

وبالنسبة للسودان، تتحدث تقارير عن أن روسيا ستقدم للخرطوم مجاناً أسلحة ومعدات عسكرية بهدف تنظيم الدفاع الجوي للمركز اللوجستي المقترح، مقابل إنشاء القاعدة الروسية على ساحل البحر الأحمر. فهل ستسمح واشنطن بذلك، أم أنَّ الأوان قد فاتها في هذه المعركة شديدة المنافسة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.