سلطة قحت وتمكين الشر


فور حدوث المفاصلة بين شريكي الحكم السابقين قامت أحزاب المجلس المركزي بتعبئة الشارع ضد ما سموه انقلابا عسكريا على الحكم فصاروا بين كل مظاهرة وأخرى يرددون أن الانقلاب يترنح أو قارب السقوط أو غيرها من مصطلحات العشم السياسي الزائد ، فصار الشبان الذين كانوا ضمن لجان الخدمات وتوزيع الدقيق والغاز يرمون بانفسهم تحت اطارات عربات الشرطة والجيش ويشتبكون مع افرادها ويعرضون أنفسهم للأذى بالتظاهر الغير سلمي والعنيف واستنزاف مقدرات قوات الأمن وتحديد حركة المواطنين ووقف مصالحهم ، فكانت النتيجة أن مات وجرح منهم العشرات لا لشئ غير ان تلك الأحزاب الانقلابية المتعطشة للدماء رأت في فصلها عن ثدي الحكم أمرا يستحق أن تراق فيه الدماء .
طوال فترة حكم احزاب الحرية والتغيير الأربعة كانت تسعى للتمكين السياسي على حساب مصالح الشعب السوداني واستقرار البلاد ، فهي لم تنجز 10 % مما وعدت به ومما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية ، فلم تؤسس لدولة مدنية ولم تكون مجلس تشريعي ولا محكمة دستورية بل في الأصل لم تلتزم بأن تكون الحكومة حكومة كفاءات غير حزبية ، فصارت الحكومة مقسمة بين اطماع الأحزاب الصغيرة المعزول وظلت تتناحر وتتصارع حول مكاسب السلطة حتى سقطت غير ماسوفا عليها .

أسست الأحزاب الأربعة لنهج اقصائي واستبدادي كاد أن يجر البلاد للفوضى لولا تدخل الجيش ، فالاستقطاب بين المكونات المجتمعية المحافظة في السودان واحزاب قحت وصل لقمته والتخوين كان سلاحهم مع استخدام أدوات السلطة من نيابة وقضاء ، حيث تم تسييس جهازي النيابة والقضاء بدرجة اصبح معها القاضي خاضعا لضغط أن يمارس مهامه العدلية أو أن يتم فصله وتشريده واتهامه بالانتماء للنظام البائد ، وبذلك انهارت سمعة القضاء وصارت النيابة اداة في يد السياسيين تحركها امزجتهم .
أما لجنة التمكين فتلك دولة داخل الدولة وقد مارس عبرها قادة الأحزاب البائدة أبشع أنواع الفساد والتجاوزات والاستبداد ونهب الأموال وابتزاز رجال الأعمال بتهمة الانتماء للنظام السابق ، فكان لا بد من وضع حد لهذا النوع من الحاكمين والذين لم يأتوا عبر تفويض شعبي وإنما حكموا تحت ظل الغوغاء لا الانتخابات وبسلاح الهتاف لا الصناديق .
وما فعلته لجنة التمكين من فساد وافساد تجاوز اجراءات محاسبة أعضاء النظام السابق ومصادرة أموالهم غير المشروع لفتح باب من أبواب الانتقام ضد كل من يمتلك مالا ولا يوالي نظام الأحزاب الأربعة، وكذلك تم بناء راسمالية طفيلية جديدة أضيفت للراسمالية الحزبية التي تمرغت في نعيم نظام البشير وحازت على امتيازات الاستثمار والتوريد وتنفيذ مشاريع الدولة ، واعتمدت الراسمالية الجديدة على الاعفاءات والاستثناءات من توريد حصائل الصادر وتاجرت في المواد الاستهلاكية من وقود وقمح وسكر لتكون داعم جديد ورافد مالي للاحزاب الصغيرة وتمكنها من بناء هياكلها وشراء ذمم ضعاف النفوس وتمويل الحراك ضد شركائهم من العسكريين .
كل ذلك لولا قرارات 25 أكتوبر كان سيكون غولا يلتهم اقتصاد الوطن ، وينسف سلامه الاجتماعي ويضرب الشقاق بين مكوناته السياسية ، فالذي قام به البرهان في أكتوبر كان خطوة لمنع الاستبداد المدني من أن يبتلع البلاد بممارساته الرعناء والطائشة ويمنع صغار العقول من قادة الأحزاب من سرقة إرادة الشعب السوداني وايراد البلاد مورد التشرذم والفتنة .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.